خبر : انتخابات نقابة الصحافيين واحتكار التمثيل الفلسطيني..سمير زقوت

الأربعاء 14 مارس 2012 12:16 م / بتوقيت القدس +2GMT
انتخابات نقابة الصحافيين واحتكار التمثيل الفلسطيني..سمير زقوت



راودني كثيراً أن أكتب إبان زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قطاع غزة، قبل أسابيع قليلة، وما ثار حولها من جدال ومواقف متعارضة، لكني ترددت كثيراً نظراً لأن البعض حاول النيل ممن قبلوا الدعوة للقائه، كي لا أسهم، ولو بالقليل، في صب مزيد من الزيت على نار الأزمة في حينه.لكني اليوم وبعد أن تمكنت حركة "فتح" من إجراء انتخابات نقابة الصحافيين باستثناء غزة من المشاركة الحقيقية عادت تراودني فكرة أن أكتب عن أزمة تمثيل الفلسطينيين واحتكار البعض للصفة التمثيلية، ولو على حساب المصلحة الوطنية والعامة.ففي زيارة كيمون بدا واضحاً أن تنظيم لقاءاته في غزة لا ينطلق من أهمية وقيمة الزيارة، ولو من جانب الاطلاع على الواقع الحقيقي لحياة أهل غزة، بخاصة اللاجئين، وإنما ينطلق من أهمية أن تتضمن الزيارة لقاءات مع ممثلين عن سكان غزة بغض النظر عن تمثيلهم الحقيقي لقطاعات وشرائح المجتمع الغزي.وصحيح أن بعض من يُدعون لهذه اللقاءات يستطيعون الحديث بالعموم عن شكل الحياة وجوهرها وأبرز مصادر معاناة أهل غزة، بخاصة ما يتعلق منها بانتهاكات حقوق الإنسان واستمرار تدهور أوضاعها، كممثلي منظمات حقوق الإنسان الذي يراقبون ويتابعون مجمل أوضاع حقوق الإنسان، لكن الصحيح أيضاً أن التعبير عن واقع فئات وشرائح بعينها لا يستقيم من دون حضور ممثلين حقيقيين لها.فمثلاً عند الحديث عن معاناة المعتقلين في السجون الإسرائيلية والجرائم التي تُرتكب في حقهم لا يمكن لأحد أن يوضح الأمور مثل معتقل سابق وناشط حالي يتابع التطورات ويرصد المجريات في كل السجون وفي حق كل المعتقلين، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالفئات الفقيرة فقراً مدقعاً من اللاجئين، أو من ينتظرون منذ سنوات إعادة بناء مساكنهم التي هدمتها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "اونروا" بسبب عدم صلاحيتها للسكن، وضحايا العدوان الإسرائيلي الذين ينتظرون العدالة، بل ولم يزل ألاف منهم مشردون بسبب الحصار، وكذلك الأمر فيما يتعلق بفئات كالصيادين والمزارعين وغيرهم.كما أن تكرار الأسماء ذاتها للقاءات المتكررة وبعضهم موظف لدى "اونروا" نفسها يشير إلى دلالات بروتوكولية اللقاء، وليس موضوعيته وعملانيته، لذا نجد مسؤولين كبار في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي يهتمون كثيراً بعقد لقاءات مع أسرة شاليط، ولم يكترثوا أبداً للقاء ذوى معتقلين فلسطينيين أمضوا زهرة شبابهم وراء القضبان عراة يواجهون أبشع الممارسات الإسرائيلية.وعليه فإن واجب من يُدعون للقاءات أن يكون لهم رأي في الحضور لا أن يُمنعوا من الدخول لاصطحابهم ممثلين عن أسر الضحايا، ومن غير اللائق أبداً أن يقبل أحد الدعوة بدلاً من اولئك الذين اعتذروا عن اللقاء، احتجاجاً على عدم تمثل أهالي الأسرى وضحايا العدوان الاسرائيلي وغيرهم.صحيح أن مثل هذه اللقاءات تؤمن أفضلية معنوية للمدعوين (برستيج)، لكن لا يجوز أن يكون الـ"برستيج" على حساب القضايا الجوهرية والتمثيل العام، وإلا انعكس سلباً على الأوضاع.وحال من يسعون إلى التمثيل واحتكاره في لقاءات لا تسمن ولا تغني من جوع مع كيمون وغيره، هو حال الشعب الفلسطيني منذ عقود، حيث تحتكر فئة من الفلسطينيين صفة التمثيل وتستند إلى شرعية دولية، وليست شرعية فلسطينية في معرض دفاعها عن صفتها التمثيلية الشرعية، وأحالت هذه الفئة المؤسسات العامة والنقابات الى مجرد ديكور لا يؤمن لها أي شرعية، أو في أحسن الأحوال شرعية مشكوك فيها، لأن التمثيل في هذه المؤسسات يأتي من خلال تعيين أُناس بعيدون كل البعد عن المهنية، كما هي الحال في الاتحادات الشعبية والنقابات المهنية.فالعمال تحولوا إلى متسولين في الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ونقابة العمال تحركت فقط لقمع ومنع فعاليات نضالية مطلبية للعمال لأن ممثل النقابة يدين بتمثيله للسياسي الذي وضعه في هذا المكان وليس لانتخابه من قبل الطبقة أو الفئة التي يمثلها.وجاءت الانتخابات الأخيرة لنقابة الصحافيين في التاسع والعاشر من اذار (مارس) 2012، كي تكرس واقع إفراغ النقابة من محتواها المهني وتعزز الانقسام، فيما الساعون إلى الانتخابات لا يلقون بالاً لا للمصلحة الوطنية ولا المهنية.ففي الوطني العام هم يكرسون انقساماً مقيتاً عانى منه ولم يزل الفلسطينيون، وفي المهني فهم يشرّعون انتهاكات حرية الرأي والتعبير وحرية العمل الصحافي على أوسع أبوابها.فعندما يتم اقصاء قطاع غزة ويقتصر تمثيله في الانتخابات على من يُراد لهم أن يمثلوا الجسم الصحافي، وفي الوقت نفسه هم لم يلعبوا أي دور يُذكر لحماية الصحافيين والمؤسسات الإعلامية في الضفة لأن المستهدفين في العادة هم من خصومهم السياسيين، ولأن السياسة هي المعيار هم لا يستطيعون أن يوفروا أدنى حماية في غزة، بل بالعكس فإن أعضاء النقابة من تم انتخابهم عن غزة لن يجرؤا على إطلاق تصريحات باسمها وليس التحرك لدى الجهات المختصة لوقف أي انتهاك يتعرض له صحافي.والغريب أن من يصارع لابقاء سيطرته على النقابة وتمثيلها يحرص ويحمي ويدافع عن مصلحته الخاصة في أن يبقى في موقعه ويستفيد من المزايا الخاصة الكثيرة التي يوفرها، لكن الأكثر غرابة هم الصغار الذين لا يمكن لهم أن ينجحوا في انتخابات حرة وتنافسية وهم يلهثون وراء الفتات وهم من يسهم في تضليل الرأي العام لتبدو الانتخابات بمشاركة فصائل وكتل، وأنها ليست طبخة فتحاوية في أحسن الأحوال، فيما هي طبخة سياسية حزبية فئوية بامتياز.والسؤال الكبير: إلى متى سيسمح الفلسطينيون باحتكار تمثيلهم، وكيف يقبل الصحافيون، المُعول عليهم الدفاع عن الحرية والحقيقة والعدالة والنزاهة، بأن يتحولوا إلى مجموعة من القطيع تجبن عن التعبير عن موقفها لحسابات تتعلق بالفصل من التنظيم أو قطع الراتب.وأنا أستخدم، هنا، مصطلح تجبن ارتباطاً بالسياق الذي حكم المفاوضات على مبادرة الشبكة لتوحيد نقابة الصحافيين خلال الأسابيع القليلة الماضية.فبعد موافقة الجميع، لا سيما ممثلي "فتح" والنقابة وممثلي "حماس" وقبيل إعلان الاتفاق التام تراجعت "فتح" تواليها أحزاب تطلق على نفسها اسم يسار، واليسار منها براء لأن اليساري ثوري بطبعه، ولا يمكن أن يكون عبداً لسيد، أكان أميناً عاماً أو نائباً للأمين العام، أو فصيل متنفذ.وهنا تجدر الإشادة بموقف ثلاثة من الصحافيين اليساريين هم باسل الطناني ومحمود عليان ومحمد اللالا الذين رفضوا ترشيحهم الحزبي لانتخابات النقابة، وأعلنوا انسحابهم من قائمتهم في بيان صحافي قبل تنظيم الانتخابات، لأنهم أثبتوا أنهم يحترمون أنفسهم أولاً، وثانياً عجز قيادتهم، أو على الأقل قيادة غزة عن اتخاذ موقف شبيه بموقفهم.