خبر : في ربيع العرب.. المرأة زرعت ولم تحصد ..! ... بقلم : أكرم عطا الله

الأحد 11 مارس 2012 11:14 ص / بتوقيت القدس +2GMT
في ربيع العرب.. المرأة زرعت ولم تحصد ..! ... بقلم : أكرم عطا الله



ربما أن الفارق الكبير بين ما تسمعه المرأة في موسم الاحتفال بها وبين الواقع الذي تعيشه في المنطقة العربية يشكل نموذجاً لأزمة الوعي العربي وانعكاسات الممارسات المتعلقة بوطأة إرث من العجز كأن على المرأة أن تسدد كل فواتيره. وبالرغم من الأحداث الهائلة للتاريخ خلال العام الماضي حين نزلت النساء بكل ثقلها لدفع حركته للأمام، وحين تحركت وجدت نفسها تقف على رصيف محطة الانطلاق دون أن يعترف بهذا الدور الذي وقف في وجه أعتى القوى البوليسية متقدما أحيانا على الرجل، ولا تزال صورة تلك الفتاة المناضلة التي يجرها رجال الأمن في ميدان التحرير شاهدة على انتقال المرأة من دور التي كانت تعد الطعام للجند، إلى دور الجندي الشجاع في المعركة. السؤال عن غياب المرأة عن نتائج ما تحقق عربيا هذا العام هو سؤال مشروع في الاحتفال بيوم المرأة بعد إعادة بناء بعض النظم السياسية في ظل غياب الحضور النسوي الذي ستبقى الذاكرة العربية تحفظ أصوات حناجرهن في الساحات والميادين وتعترف بأنهن لم يكنّ شاهدات يجلسن للمراقبة على ضفاف التاريخ بل اندفعن وبكل قوة وسط أمواجه العاتية للمشاركة في صناعة مستقبل الشعوب على أسس من العدالة والحرية، ليكتشف أن لا نصيب للمرأة في العدالة والحرية، فقد بدت سيطرة شبه واضحة للرجال على البرلمانات المنتخبة بفعل ثورات شكلت النساء نصف وقودها. فالثورات العربية إذن لم تحدث تغييرا في منظومة الوعي الموروثة لمئات السنين، وما زالت المجتمعات العربية تحكم على النساء بالإقصاء والتهميش وترفض الاعتراف بقدرتهن على المشاركة بعد أن أثبتن أنهن لسن ناقصات عقل وكتبن شهادة الحضور الصارخ بالدم والسحل بدءاً من جميلة بوحيرد وانتهاء بهناء شلبي وما بينهما من عشرات ومئات النساء العربيات اللواتي تزدحم بها ذاكرة الحرية في الوطن العربي. من الطبيعي أن تجد المرأة نفسها مستبعدة من الحصاد بعد مساهمتها بقوة في الزراعة لأن الزراعة والحصاد تتم في منطقة لم تكتمل، وشرط وعيها لمستوى ما وصلته الثورات في أوروبا، فالزمان والمكان متواطئان بقوة ضد الحالة العربية وبالأخص ضد النساء، فما تحقق في أوروبا سبقته ثورتان عظيمتان شكلتا انقلابا هائلا في التاريخ الأوروبي ومهدتا لثورات الحرية، وهما الثورات الصناعية، والثورة العلمانية، وقد كانت ثورات التحرر في أوروبا والتي أنتجت مفاهيم العدالة والمساواة للجميع بما فيها المرأة . فالثورة الصناعية كانت قد نقلت العلاقات الإنسانية إلى مستوى مدني بعيدا عن القبلية العشائرية، أما الثورة العلمانية فقد فعلت فعلها في تغيير منظومة الوعي والنظرة التقليدية للمرأة، فالمنطقة العربية التي كانت مسرح أحداث الربيع تخلو من المدن، صحيح أن هناك مدنا متروبولونية هي أشبه ببلدات تضخمت، وما زال الوعي الموروث يشهد حالة من الجمود غير القابل لتغيير النظرة الدونية للمرأة ولغياب مقدمات ثورات الحرية التي كانت في السياق التاريخي كنتاج طبيعي ومكمل لثورات سابقة كان لها الدور البارز في التمهيد للحريات كان لا بد وأن تتحرك الثورات العربية في هذا المستوى. ففي مجتمعات مأزومة اقتصاديا وتصطف الشعوب في طوابير البطالة من الطبيعي أن تشكو المرأة وضعها الاقتصادي وعدم مشاركتها بالعمل، وفي مجتمعات يسيطر الإقصاء على ثقافتها السياسية من الطبيعي أن تجد المرأة نفسها خارج الفعل السياسي وفي مجتمعات لا زالت تنتظر للمرأة باعتبارها ناقصة عقل ودين من الطبيعي أن يتم التعامل معها بدونية كبيرة وتخضع للوصاية من قبل الرجل، فالمجتمعات العربية لم تنضج فيها شروط الحداثة بعد وإن كان استخدام التكنولوجيا يشهد ازدهارا لكن لم يرافقه ما يوازيه على مستوى الوعي، فلا زالت المجتمعات العربية أشبه بمجتمعات قبلية وبالتالي فإن الممارسة ليست سوى نتاج لها. صحيح أن الإرث الثقافي للمجتمعات العربية أدى إلى عزل وتهميش المرأة، ولكن الأخطر من ذلك أن هذا أدى الى تسليم المرأة بصحة الثقافة السائدة لدرجة أفقدتها ثقتها بنفسها، فهي تشكل نصف المجتمع، فلماذا لا يترجم ذلك كقوة سياسية مثلا، وما دامت بهذه القوة، فلماذا يجرف الرجل أصوات النساء في الانتخابات بينما تحرم النساء من تلك الأصوات، هذا ربما لاعتقاد المرأة بأن الرجل قادر على القيادة أفضل منها حتى وإن تمكنت الكثير من النساء إثبات عكس ذلك ليس فقط على مستوى المنطقة العربية بل وأيضا على مستوى العالم. صحيح أن الحضور السياسي للمرأة على مستوى العالم لا يعكس ثقل النساء في المجتمعات، إذ أن هناك أزمة تمثيل شاملة لكن الأزمة أكبر في الدول العربية، إذ لا تتعدى مشاركة المرأة مشاركة رمزية أشبه بالديكور في البرلمانات أو حتى في الوزارات لتعطى وزارات ليست سيادية مثل الشؤون الاجتماعية، وزارة المرأة طبعا لأنه لا يعقل أن يترأسها رجل، وهذا الدور الرمزي لا تأخذه المرأة بقوة حضورها بل أشبه بمكرمة يقدمها الرجل. هل يمكن أن تقبل المرأة العربية بأن تقف سيدة على رأس الحكم في دولة عربية ؟ صحيح أن الإجابة بحاجة لاستفتاء ولكن يمكن المغامرة بالقول أن نسبة كبيرة من النساء لا تقبل بذلك، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية التي ينبغي على التجمعات النسوية دراستها قبل الحديث عن دور المرأة وأهمية مشاركتها، إذ على التكتلات أن تعيد الثقة للمرأة بنفسها أولا للانطلاق نحو فعل موحد وواثق يعيد للمرأة مكانتها الطبيعية في المجتمع ويضع حدا لسيطرة الرجل المطلقة مسلحا بتقاليد أعطته كل صلاحيات تجاهل حقوق ودور المرأة وهو سعيد بذلك في مجتمع الاستبداد كل يصادر دور الآخر لتجد المرأة نفسها أنها تدفع ثمن كل ذلك وحدها. فللمرأة صورة نمطية في الثقافة والتقاليد العربية، هذه الصورة هي التي حددت مكانتها المهمشة في المجتمع، ولأن الواقع العربي يعاني من أزمات مركبة يدفع ثمنها الجميع ومن الطبيعي أن يكون نصيب المرأة هو الأكبر، فالمجتمعات لا تزال بعيدة عن قيم الحرية والعدالة بفعل غياب مقدمات اجتماعية تشكل أرضية لثورة الحريات، هذا لا يعني تسليم المرأة بهذه المكانة انتظار تحولات التاريخ الهائلة وتشكل المدن ودخول عصر الصناعة وعلمنة المجتمعات بقدر ما أنه يمكن العمل على تعزيز وضع مكانة المرأة، فالربيع العربي أحدث تقدما في مجال الحقوق بالنسبة للشعوب، صحيح أنه لم يصل للحد المطلوب ولكن السؤال الذي يجب أن يسكن المرأة هو : كيف تمكن الرجل وحده من حصد مكاسب الربيع في حين أن المرأة التي غامرت بحياتها في زراعة البذور وجدت نفسها مقصاة حين الحصاد .. بل ووجدت نفسها محل استهداف في برلمانات سيطر عليها من رسخوا صورة المرأة، هذا هو المهم بالنسبة للمرأة وليس الاحتفال بها يوما واحدا في العام. Atallah.akram@hotmail.com