خبر : عن الموقف من الثورة السورية ... بقلم : محمد ياغي

الجمعة 09 مارس 2012 11:25 ص / بتوقيت القدس +2GMT
عن الموقف من الثورة السورية ... بقلم : محمد ياغي



يريد المتعاطفون في العالم العربي مع "الثورة" السورية تصوير الطرف المحايد منها على أنه داعم للنظام السوري. وهذا الأخير، النظام، يزعم بأن المؤامرة أكثر من واضحة، وأن الحياد كبديل عن الدعم المباشر له، هو في نهاية المطاف دعم للمؤامرة على المقاومة. والحقيقة أنه لا يوجد موقف يسمى "الحياد" بشأن ما يجري في سورية، لأن هنالك موقفاً واضحاً لعدد كبير من الكتاب والمثقفين العرب وهو يرتكز على عدد من الحقائق.  أولها: أن النظام السوري تعامل مع الحراك الجماهيري الشعبي المطالب بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية بطريقة أمنية. وبدلاً من احتواء الغضب الشعبي بترتيب صفقة إصلاحية مع شعبه ومع المعارضة، قام النظام بإراقة الدماء، وهذا أضعف من مصداقية النظام وقلص من هامش حركته، ومن فرص التعاطف الشعبي معه، وأجج الغضب في أكثر من منطقة جغرافية في سورية. ثانياً: الشعب السوري مثل جميع الشعوب العربية يريد الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية ويريد إنهاء الفساد.. وهذا حق له وليس مِنة أو كرماً من النظام. وفي هذا لا يختلف أحد.. في المقابل، استخدام النظام في سورية للقمع الدموي، ليس مبرراً لحمل السلاح ضده. ولو حمل ثوار مصر وتونس السلاح ضد الأجهزة الأمنية التي قتلتهم، لما وقف الجيشان المصري والتونسي معهما، ولكانت مذبحة بعشرات الآلاف. الأمن التونسي قتل خلال ثلاثة أسابيع أكثر من (300) متظاهر، وفي مصر، قتل الأمن (846) متظاهراً في ثمانية عشر يوماً. في سورية لم يقتل هذا العدد خلال الشهر الأول من الثورة، وتم حمل السلاح في الأسبوع الثاني للثورة، وولد "الجيش الحر" الذي يدعو إلى تمزيق الجيش السوري في الأسبوع الثالث للثورة. ثالثاً: لا توجد دولة في العالم يمكنها أن تقبل أن يتعرض جيشها للقتل دون أن ترد وبعنف على من يستهدفه. والمسؤولية هنا، ليست مسؤولية النظام فقط، بل أيضاً مسؤولية الجهة التي حملت السلاح، وأراقت دماء الجيش السوري. وهي أيضاً مسؤولية الجهات التي حرضت ومولت العنف. وهي أيضا مسؤولية الجهات التي قدمت المبرر الأخلاقي لاستخدام العنف على الرغم من علمها بأن الثورات المسلحة ضد "عدو داخلي" تمزق البلد ولا يوجد فيها منتصر. وهذه الجهات "المثقفة" تعلم بحكم دراستها لتجارب الآخرين بأن "الثورات المسلحة" ضد عدو داخلي لا تنتصر، وأكثر ما يمكنها القيام به هو تدمير الدول التي تقوم فيها. رابعاً: عندما تستمر الثورة لمدة سنة دون أن تنضم إليها دمشق وحلب، وهما أكثر من نصف الشعب السوري.. وعندما لا ينشق مسؤول واحد من مؤسسة النظام، حتى ولو كان برتبة سفير. وعندما تقف دول ليست محايدة في الصراع العربي-الإسرائيلي الى جانب "الثوار" وتوفر لهم الدعم المالي، والتسليح، والأماكن الآمنة، والشرعية السياسية، فإن من حق أي إنسان عاقل، أن يتساءل عن السبب. هل يجري دعم هؤلاء "الثوار" والمطالبة بإزالة النظام السوري "طوعاً أو كرهاً" محبة في الشعب السوري ودعماً لحريته، أم أن المسألة في سورية لم تعد صراعاً بين النظام وجزء من شعبه، بل صراع على مستقبل المنطقة.. أو ليس الخطاب الطائفي الدموي بجعل "الشيعة" المسلمين، العدو الأول للشعوب العربية جزءاً من مخطط يستهدف إغراق العرب في بحر من الدم. خامساً: إن كل من لديه القليل من العقل، لا يمكنه، وبذريعة مساندة الشعب السوري، دعم الطائفية الكريهة التي تغذيها مجموعة "مشايخ" فاقدة للبصيرة والحكمة، وقلوبها مليئة بالكراهية والحقد لكل من يختلف عنهم. ويذهلنا حقيقة أن تكون جهود هؤلاء وخطاباتهم الدموية والنارية موجهه الى غير مكانها الحقيقي. وحقيقة أن "الجيش الحر" يقوم بمهاجمة جيش شعبه، بينما لا يحاول مهاجمة من يحتل أرضه بعد أن توفر السلاح له من كل حدب وصوب، تشككنا أيضاً في أهدافه. بطريقة أخرى، إذا كان البعض يدعي بأن النظام في سورية "خائن" بصمته عن احتلال إسرائيل للجولان.. فماذا يفعل الثوار من أجل استعادتها.. أم أنهم فقط ينفذون أجندة من قدم السلاح لهم. سادساً: لم يعد الصراع منذ أن تحول إلى العنف الدموي صراعاً من أجل الحرية أو من أجل استمرار النظام. الصراع الحالي هو صراع على الدولة السورية. فإما أن تستمر الدولة، وإما أن تتحول الى دويلات وأن تغرق في حرب أهلية. إلى الذين يدعون بأن النظام يتحمل هذه المسؤولية، نرد عليهم بالقول: إن هذه المسؤولية مشتركة. لو لم يجرِ استخدام السلاح.. لو لم يجرِ التحريض على العنف.. لو لم يجرِ التدويل.. لما وصلت سورية الى هذا الوضع الكارثي. تدمير الدولة هو ما يسعى إليه "أصدقاء" سورية وليس إسقاط النظام. مطلوب من سورية أن تنكفئ على نفسها لعشرين سنة قادمة وأن لا يكون لها أي دور إقليمي، وأن لا تتمكن من النظر الى خارج محيطها. مطلوب لسورية أن تتحول الى "شريط" إخباري: قتل هذا اليوم خمسون أو ستون من أبناء الشعب السوري في انفجار هنا أو هناك. لن يكون للضحايا أسماء، ولن توجد حتى تفاصيل عن عمليات القتل. أو ليس هذا هو حال العراق وليبيا اليوم. أخيراً: لم يعد الموقف مما يجري في سورية مهما بعد أن نجح العرب الرسميون في تدويل الأزمة. فإما أن يتمكن النظام من البقاء بدعم حلفائه وأن تستمر الدولة السورية، لكنها ستكون ضعيفة بعد كل هذا الدم.. وإما أن يسقط النظام وتسقط معه الدولة بفعل الدعم الغربي-والعربي الرسمي للثوار. وفي الحالتين هنيئاً "للثوار" بما أنجزوا!!.