إن مبدأ المشروعية والذي تقوم عليه الدولة القانونية والدولة الديمقراطية يقضي أن تنبثق كل السلطات والمؤسسات في الدولة استناداً إلى أحكام الدستور والقانون. وأيضاً أن يكون الشعب مصدر كل السلطات وأن تحترم السلطات والمؤسسات والأفراد في عملها أحكام الدستور والقانون.أن خروج أي سلطة عن أحكام الدستور تجعل أعمالها وقراراتها غير شرعية، أما إذا خرجت السلطات أو بعضها عن أحكام الدستور وبشكل منهجي وبصورة واسعة تجعل الدولة والحكومة بوليسية وقد تكون في حالات وبشروط محددة حكومة دكتاتورية أو ما يطلق عليها الحكومة الواقعية وبشروط معينة.بقى القانون الأساسي لدولة فلسطين كما أعلن عنه في عام (2003) وإقراره غير نافذ في فترات كثيرة، ولكن جاء اتفاق الدوحة والذي نص على تشكيل الحكومة الفلسطينية برئاسة الرئيس أبومازن إضافة إلى احتفاظه بمنصبه كرئيس للسلطة والمناصب الأخرى العديدة ليشكل فرقاً واضحاً للمشروعية الدستورية في فلسطين. طبيعة النظام السياسي الفلسطيني:يعتبر النظام السياسي الفلسطيني كما جاء في القانون الأساسي بأنه جمهوري كما ورد في المادة رقم (1) منه، ولكن جاءت المادة (8) لتوضح بأنه نظام ديمقراطي نيابي يقوم على التعددية الحزبية والسياسية. وبالتالي يعتبر النظام السياسي الفلسطيني أقرب إلى النظام الجمهوري النيابي منه إلى النظام الجمهوري الرئاسي وهذا ما تؤكده مواد الدستور التي تحدد صلاحيات كل من رئيس الدولة ورئيس الوزراء والسلطة التشريعية. حيث وزعت الصلاحيات وبقدر أكبر للسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ممثلة برئيس الوزراء والوزراء وبأقل للسلطة الرئاسية.لا يوجد ما يمنع ... ولا يوجد ما يؤيد :لا وجود نص في القانون الأساسي يمنع من الجمع بين منصبي الرئاسة والوزارة، ولكن لا يوجد نص في القانون الأساسي يؤيد الجمع بين منصبي الرئاسة والحكومة. والقاعدة القانونية أن الأصل في الأشياء الإباحة وهي معمول بها في القانون المدني والجزائي ولكن لا يُعمل بها إطلاقاً في القانون الدستوري لأن القانون الدستوري ينظم سلطات الدولة وأجهزتها ومؤسساتها وحقوق المواطنين وغيرها وطبيعة أنظمة الحكم وشكله وغيرها الكثير ولا تستطيع أي سلطة أن تمارس أعمالها واختصاصاتها إلا بنص دستوري وبالتقيد بالنص الدستوري وبشكل حصري ومحدد كما ينص الدستور نفسه، وإن محاولة أي سلطة ممارسة اختصاصاتها خارج النص الدستوري يعتبر اعتداءً على مبدأ المشروعية. ولذلك فإن الجمع يحتاج إلى نص دستوري وهذا ممكن إذا جرى تعديل مواد القانون الأساسي والذي يتطلب بموافقة ثلثي إعفاء المجلس التشريعي الفلسطيني مع الإشارة إلى أن المجلس قد انتهى مدة ولايته حسب نص المادة (67) حيث لا يجوز تمديد أعمال المجلس إلا لحالات الضرورة وبقانون يصدر عن المجلس، وهذا لم يحصل.السلطة التنفيذية تتولاها الحكومة:أكدت المواد (63) و (64) من القانون الأساسي على أن الشعب هو مصدر السلطات وأنه لا يحق لأي سلطة أو فرد أو جماعة أن تدعي خلاف ذلك أو أن تخالف أحكام الدستور وبالتالي فصلت وبشكل واضح ودقيق بين سلطة الرئيس والسلطة التنفيذية كما خولها وحصرتها وبشكل حصري بالحكومة كما ورد في نص المادة (142) والتي تنص أن السلطة التنفيذية مناطة بمجلس الوزراء. وخلت من إعطاء رئيس الدولة أي سلطات بالحكومة وبالتالي فإن الولاية العامة هي للحكومة ولمجلس الوزراء في إدارة الشؤون الداخلية والخارجية وهنا يجب التأكيد على أن المفاوضات هي من اختصاص مجلس الوزراء أو من يفوضه بالتوقيع على المعاهدات الدولية هو من اختصاص مجلس الوزراء ويبقى المجلس التشريعي والرئيس الحق في المصادقة الشكلية.الحكومة تطلب الثقة ... ومسؤولة أمام البرلمان:حسب المادة (132) فإن رئيس الوزراء أن يعرض التشكيلة الحكومية ويطلب الثقة من المجلس النيابي... فهل يقبل الرئيس ذلك؟ وحسب نص المادة (134) فإن رئيس الوزراء والوزراء مسؤولين مسؤولية فردية وتضامنية أمام المجلس النيابي عن أعمال الحكومة... فهل يقبل الرئيس ذلك؟ وكيف يؤدي الرئيس كرئيس للحكومة وأعضاء حكومته اليمين حسب نص المادة (136) أمام رئيس الدولة ... أم يؤدي اليمين أما نفسه؟اختصاصات الرئيس ... واختصاصات رئيس الحكومة:لقد حددت المادة (144) من القانون الأساسي اختصاصات مجلس الوزراء وهي كثيرة ومن أهمها إعداد الموازنة وتنظيم إدارة الدولة ومؤسساتها وأجهزتها المتعلقة ومتابعة أعمالها ورسم السياسات العامة وغيرها. وهي اختصاصات مختلفة عن اختصاصات الرئيس كما صدرت في نص المادة (122) وهي التي تعلق بالمصادقة على القوانين بعد إقرارها في المجلس النيابي، وأيضاً المادة (124) فيما يتعلق بإصدار المراسم في حالة الطوارئ والمادة (125) بتعيين السفراء وعزلهم.مشروعية السلطات الفلسطينية وقد انتهت مدة ولايتها ولا يوجد في القانون الأساسي مما يتيح التمديد. إضافة إلى ما ورد في اتفاق الدوحة بطرح وبقوة مدى شرعية الحكومة القادمة ومدى شرعية نتائج الإنتخابات الرئاسية والتشريعية في حكومة لا تملك شرعية دستورية.وهل يتم تعديل (14) مادة في الدستور الفلسطيني حتى يجمع الرئيس بين منصبي الرئاسة والحكومة؟وهذا له أبعاد قانونية وسياسية وشعبية خطيرة وخاصة أن المجلس التشريعي الفلسطيني قد انتهت ولايته وهو المخول دستورياً بتعديل الدستور.إن قرارات الجامعة العربية واستقبال عواصم عالمية لبعض المسؤولين لا تعطي شرعية لأحد. فالإعتراف بالسلطة شيء وشرعيتها المستمدة من انتخابها وتقيدها بأحكام الدستور. والحديث عن شرعية حزبية أو شرعية ثورية غير قائم وغير متوافرة شروطها في ظل وجود قانون أساسي قبلت فيه هذه الفصائل والأحزاب بالدستور. إن الإعتبارات السياسية الداخلية والإقليمية والدولية للدول يجب أن تؤسس على سلطات تبنى على مبدأ المشروعية وتكون أعمالها شرعية ودستورية ومتوافقة مع القانون الدولي.’ خبير في السياسة الدولية والقانون الدولي