خبر : المشهد السوري المرتبك ..بقلم: عبد الله عواد

الجمعة 02 مارس 2012 01:42 م / بتوقيت القدس +2GMT
المشهد السوري المرتبك ..بقلم: عبد الله عواد



(1 ) هناك حالة ارتباك عند المواطن العربي وعند كثير من المثقفين في التعامل مع ما اصطلح على تسميته الربيع العربي، هل هو ثورات داخلية أم إعادة صياغة جديدة للمنطقة العربية بأيد داخلية؟ هل الغرب ـ الذي وضع كل ثقله حتى العسكري (في النموذج الليبي) وراء الثورات ـ عاشق للتغيير في الدول العربية؟ هل المسألة أن قمع الأنظمة هو الذي جلب الغرب، أم فشل الثورات في إحداث التغيير وحدها؟ وغيرها من الأسئلة ذات الصلة والتي تفتح معها حالة مربكة ومشوهة. نحن أمام نموذجين، الأول النموذج التونسي المصري، وهو يعكس حالة هادئة من التغيير رغم العنف الذي تخلله في البداية، ويلاحظ أن الجيش هو الفيصل في الحالتين، أي في عدم وقوفه لجانب النظام، والنموذج الثاني الليبي السوري وإلى حد ما اليمني، ولكن له خصوصيته المختلفة نوعاً ما، وهو النموذج الذي وقف فيه الجيش إلى جانب النظام وبفرضية عدم تدخل (الناتو) لما انتصرت (الثورة الليبية) وسقط نظام القذافي، والحالة السورية مشابهة من ناحية وقوف الجيش إلى جانب النظام، ولهذا هناك قلق مشروع من النهاية التي سيؤول إليها الوضع في سورية، بينما في اليمن انقسم الجيش وأحدث نوعاً من التوازن بتوفير شيء من الحماية للمدنيين وكان التغيير بالتنحي عن السلطة. (2) ضعوا التشكيك في رؤية الصورة الداخلية جانباً، فالسوريون شأنهم شأن كثير من الشعب العربي يعانون من نظام الفرد والعائلة وهو أسوأ أنواع النظام السياسي عبر التاريخ وهو إرث عربي قديم منذ ورّث معاوية ابنه يزيد وما قبل وما بعد، ومن الطبيعي ألاّ يحتمل الجيل الجديد في سورية استمرار هذا النظام، ويعمل على تغيير النظام البوليسي الذي يحتكر الدولة للموالين والذين يبصمون بالعشرة، فيما غيرهم مواطنون من الدرجة الثانية وما دون. إن نسبةً كبيرةً من السوريين هي من مواطني الدرجة الثانية وما تحت، ومقابل زيادتها تضيق حلقة المستفيدين من الدولة، الفجوة على مدار السنين اتسعت وانفجارها يكون وارداً في أية لحظة، فكلما قلت دائرة المستفيد من الدولة؛ اتسعت رقعة الغاضبين، وكذلك اتسعت دائرة القمع وكبت الحريات، لأن الأقلية تزداد خوفاً على مصالحها، فكيف بنظام يعتمد على أقلية طائفية؟ باختصار الانتفاضة أو الثورة أو التحرك الجماهيري ولد ذاتياً تعبيراً عن رفض النظام وسياسته الداخلية القائمة على حكم الفرد والعائلة والأقلية وما تبع ذلك من ظلم واضطهاد، وطموح إلى الحرية والديمقراطية والعدالة. إن السوريين حلموا كحق طبيعي بنظام ديمقراطي تعددي يحقق العدالة والحرية لهم على أنقاض نظام قديم بدأ بنظام الحزب وانتقل لنظام الأقلية الطائفية، واختصر في النهاية في عائلة حافظ بعد أن أبعد إخوته. (3) الميزة الأساسية (للثورات) أنها لم تفرز قياداتها ولا مفكريها ومثقفيها، وهذا الواقع كان وراء استيلاء الأحزاب والقوى التقليدية الموجودة على السلطة حتى ولو عبر صناديق الاقتراع في تونس ومصر، والأهم وراء دخول القوى الكبرى الغربية على خطها سواء مباشرة وعبر دول المنطقة وبذلك الاستيلاء على (الثورة) من الخارج لدرجة التدخل المباشر كما حدث بصورة صارخة في ليبيا، حلف الناتو والقصف الصاروخي من البحر والجو، وبذلك يمكن القول إن الثورات لم تحقق أهدافها سوى فقط بإسقاط الأنظمة، ونموذجا تونس ومصر واضحان وأيضاً قادا لفوضى داخلية غير معروف متى تنتهي. نحن في مواجهة مشهد مربك بين حقيقة تحرك الناس لإسقاط الأنظمة، بمعنى أن هم قلبوا الجدار، وماذا بعد ؟ الإجابة في أحزاب تقليدية صارت في الطليعة وقوى خارجة دخلت على الخط وبقوة، فأين الثورة؟ سؤال مربك وفقط ما تبقى هو محافظة الجماهير على نهج الديمقراطية على أمل التغيير في المستقبل، علماً أن الجيش في النموذجين المصري والتونسي هو الضامن للتجربة الديمقراطية كما حال تركيا تاريخياً، وبهذا فإن تغيير السياسة الخارجية ليس سهلاً للأنظمة الديمقراطية الجديدة عدا أن بعضها أعلن ولاءه للغرب بصورة واضحة. عدم وجود البديل الجاهز في ليبيا على سبيل المثال أدخلها في ماراثون من الفوضى غير معروف كيف ومتى وأين سيستقر، ولكن الثورة السورية تبدو أكثر إرباكاً في جوانب عديدة. (4) بدأت شرارة الثورة من درعا، بقصة طلاب صغار كتبوا شعارات على جدران المدرسة، لم يجد النظام البوليسي عنده غير القبضة الحديدية، ضرباً وتعذيباً واعتقالاً وإذلالاً، وهي خير وصفة لشرارة أية مقاومة أو هبة، وبدلاً أن يستفيد من الدرس وجد نفسه متورطاً في نهج وسع الثورة سريعاً وأعطاها قوة، هو الغباء طبيعة الأنظمة الديكتاتورية، وصار الدم هو محرك ديمومة الثورة على النظام الذي يغرق يومياً في الدم. قوى تقليدية معارضة مريضة دخلت على الخط لا علاقة لها بالناس ولا بالثورة مجرد شخصيات عادية معارضة للنظام مفككة شكّلت ما يعرف بالمجلس الوطني السوري الهش المفكك الذي تارة يتفرق وتارة يتوحد ولا يملك أي خطاب سياسي وهو يهرب من الشأن الداخلي المحرك الأساس للثورة ولأهدافها نحو الشأن الخارجي وبشكل معارض وبالضد من موقف جماهير الثورة، وذلك حين يتحدث عن الاعتراف بالدولة العبرية، والتحالف مع أميركا واستعداده لتقديم سورية له وما شابه من المواقف التي يهدف من ورائها لجلب تأييد الغرب له لإسقاط النظام، أي الاستعانة بالاحتلال والاستعمار بدلاً من الوقوف في خندق الناس ومعهم ضد النظام. إن النظام معلق في الهواء لأن أي نظام يدخل في علاقة دموية وجرائمية ومجازرية مع شعبه ينتهي مهما طال في الحكم العسكري، وبدلاً من وقوف المعارضة لجانب الشعب، تعمل على تقوية النظام والتحريض على الشعب لصالح النظام، فأية معارضة هذه؟. (5) كان الله في عون الشعب السوري بين نظام دموي وضع كل الجيش والأمن في مواجهة الشعب وهو يتحدث عن مصلحتهم ويرى المصلحة في قتلهم واعتقالهم وهدم البيوت على رؤوسهم وحصارهم وتجويعهم، وبين معارضة غبية خطابها السياسي يخدم النظام ويسيء للثورة وبالضد منها. وبين قوى إقليمية تتصارع وتخوض حربها على سورية وبالدم السوري الذي يسيل بين النظام المجرم وبين ثورة الناس العاديين وبين قوى داخلية تتصارع على سلطة تقوم على إنقاذ نظام يمارس عادة القتل اليومي للمئات والاعتقال والجرح. إنه زمن لصوص الثورات ليس أكثر.