جريمة وطنية وأخلاقية تضاف الى سلسلة الجرائم , التى ترتكب ضد حالة الوعي الجمعي الفلسطيني , يراد منها ضرب ثقافة الصمود والمقاومة ورفض الإحتلال , تلك الثقافة الأصيلة النابعة من عظيم التضحيات الجسام , التى قدمها الشعب الفلسطيني في صراعه الطويل والمرير مع الجماعات الصهيونية , التى إغتصب الأرض وشردت الأهل , وصادرت بإجرامها كل جميل في هذا الوطن المغتصب .يحاول البعض جهلاً او عمداً تزوير الذاكرة الفلسطينية , عبر التطبيع المشين مع العدو الصهيوني , فالذاكرة الفلسطينية تقول بأن الإحتلال قاتل , قتل أخي وإبن عمي وجاري وصديقي , الذاكرة الفلسطينية تؤكد أن الإحتلال يصادر حرية آلاف من شباب وطني, ويودعهم الزنازين المعتمة ظلماً , الذاكرة الفلسطينية تشير أن الإحتلال الصهيوني وعبر مؤسسة العدواة والحقد في كيانه , من ساسه وإعلاميين وعسكريين , يريدون قتل أحلام أطفالي الوردية بوطن يحتضنهم ويعيشون به بسلام وأمن .فلا يمكن أن يستوعب عقل طفلي الصغير الراقد على سرير المرض في مستشفي رام الله , أن يزروه جندي صهيوني مدجج بالسلاح , بذريعة الإطمئنان على وضعه الصحي , أو على سير العمل في المرفق الحكومي , وقد شاهده طفلي مرات ومرات , يقنص الأطفال في عيونهم ورؤسهم , ويقصف بطائراته الأبرياء في غزة , بالفسفور الابيض ليشوي به وجوه الأطفال البريئة , بل هو ذاته الجندي الإحتلالي الذي يقف على الحاجز , ويعيق وصول الحوامل في حالات الوضع للمستشفي , حتى تضع أحداهن مولودها على الحاجز , في ظروف صحية صعبة تضرب كل القيم والمفاهيم الانسانية , التى قد يتبجح بها الاحتلال والمدافعين عنه .لماذا يوضع هذا العقل الصغير لطفلي أمام هذا التنقاض الفاضح , ولمصلحة من هذه الصدمة التى عاشها نزلاء وزوار مستشفي رام الله الحكومي , في لحظة زيارة الوفد الصهيوني بالتنسيق مع السلطة !! .لم ينسى سكان رام الله بعد مأساة "باص الروضة" , والتى قام الإحتلال عمداً بعرقلة وتأخير نجدة وإسعاف أطفال حادث "جبع" , عبر منعه لدخول سيارات الإسعاف لمكان الحدث بالسرعة المطلوبة , بل وصل الأمر الى إعلان الفرح على ان قتلى الحادث جميعهم من أطفال الفلسطينيين , وقد شاهدنا تعليقاتهم عبر مواقع التواصل "الفيس بوك والتويتر" وهي تعبر عن حقدهم الأعمي , بل وصلت الخسة والنذالة أن يعلن كبير مجرميهم الارهابي نتانياهو السعادة على أن القتلى ليس يهود , هل من يملك كل هذا الحقد الأسود في قلبه على أطفالي يحرص على أوضاعهم الصحية , حتي يأتي بجولة تفقدية لمستشفي رام الله الحكومي ؟! .فالزيارة التطبيعية الفضيحة التى قامها بها وفد صهيوني لمستشفي رام الله الحكومي , تشكل إهانة للشهداء الذين قتلتهم الدبابات الصهيونية , عند حصار الرئيس الراحل ياسر عرفات في حملة " السور الواقي" , هؤلاء الشهداء لم يتم التعرف علي هوياتهم في وقت الحصار والحرب التى شنت على مدن الضفة, , ولقد تم دفن الشهداء في ساحة مستشفي رام الله في مقبرة جماعية ضمتهم , لتبقى شاهدة على وحشية وإجرام الاحتلال البغيض ضد أبناء شعبنا الفلسطيني , فهل أطلع المستقبل الفلسطيني الرسمي الوفد الصهيوني على جريمة جيشه في عام 2002م بعد حصاره المستشفي ذاتها التى يزور , وقيام الجنود الصهاينة بإطلاق النيران على غرف المرضى من آلياتهم , وأبراج المغتصبات المحيطة برام الله , فسقط الشهداء والجرحي , وهل نسي من إستقبلهم ورحب بهم , حصار المستشفي الشهير من قبل الدبابات الصهيونية ؟! .أن التبرير المهين لهذه الزيارة الفضيحة , يشكل دفاعاً لم يعد مقنعاً لنهج سياسي يجب ان يتم مراجعته جذراياً في ظل الإخفاقات المتتالية لمسيرة التسوية, ورهن الحالة الفلسطينية بالضفة وتبعيتها المطلقة للإحتلال , والا بماذا يفسر ان يمثل الوفد الصهيوني ما تسمى بالادارة المدنية العسكرية لمنطقة ( يهودا والسامرة ) المسمى الصهيوني للضفة الفلسطينية ؟!.ان الرهان الخاسر على مسار التسوية والتطبيع مع الإحتلال , لن يحقق إستقلال ولن نبني من خلاله دولة , الا إذا كان الحلم عند البعض (بدولة البوليس) مهمتها حماية كيان الإحتلال, وعندها يسقط كل حديث عن البرامج السياسية الوطنية , ويقع على حركة فتح أن تقوم بعملية النهوض والتقويم , لعدم حرف المسار عبر سلوك ساسة السلطة في الضفة , وأن تعمل فتح على إعادة توجيه البوصلة نحو مسارها الوطني , لمقاومة الإحتلال الذي يستبيح الوطن بمقدساته وأراضيه , ويغير معالمه لصالح مشروع التهويد الذي يسير به بلا توقف , والا فإن حركة فتح تكون شريكة إذا سكتت أو بررت , وهنا نسجل تحية للموقف الوطني الأصيل , الذي عبر عنه المكتب الحركة لمجمع فلسطين الطبي التابع لحركة فتح , الذي أدان بكل قوة عبر بيان رسمي الزيارة الجريمة .لا يمكن تغيير المشهد أو مسح الذاكرة الفلسطينية, فالإحتلال الصهيوني لهم وجهاً واحداً يتميز بقبحه لا يمكن تجميله ,ومن العار ان يساهم الفلسطيني في محاولة التجميل هذه, والتطبيع مع الاحتلال الصهيوني ومحاولة خلق حالة من الانسجام والتعايش معه هي محاولة عابثة , سيصفع أصحابها على وجوههم عند أي إستحقاق وطني جماهيري , لأن شعبنا محصن ولديه من المناعة الوطنية , ما تميز الخبيث من الطيب , سياسياً وإقتصاديا وفكرياً وثقافياً , ولقد أفشل شعبنا بوعيه ويقظته , وعلى مدار سنوات التسوية محاولات التطبيع الحثيثة , وأسقط الدعاة اليها وأضافهم الى طوابير من باعوا الأوطان , ( فإعتبروا يا أولي الألباب ) .كاتب وباحث فلسطيني28/2/2012م