لماذا نعود للكتابة عن سورية ؟ ببساطة لأننا نحب سورية وأهلها ونخشى عليها وطناً وتاريخاً ودوراً . ليس ذلك من باب عواطفنا ومشاعرنا المشدودة الى تاريخنا، وسورية ركنه الاساس، والمتمسكة بقيمنا ومشتركاتنا القومية التي لا تحصى. ولكن ايضا من مدخل عقولنا التي تعرف دور سورية وأهميته المتناهية في كل أمور المنطقة وتأثيره البالغ عليها، واستشعارا لمدى ما يمكن ان يحمله اي ضير يصيب سورية على كل توازنات المنطقة ومستقبلها واتجاهاتها بالذات، لجهة العداء والصراع مع العدو الصهيوني وحلفائه. ولأن الجرح ما زال مفتوحاً ونازفاً. ان ما تعرضه الفضائيات وكل وسائل الإعلام بالتفصيل المستفز بما فيه من حقائق، وما يلحق به من مبالغات كثيرة وفبركة ومنتجة، يبرز الحقائق الأساسية التالية : 1- النظام لم ينجح حتى الآن في القضاء على المعارضة ولا على استمالة ولو جزء مؤثر منها، على الرغم مما قدمه من مبادرات جادة للحل والإصلاح ودعوات للحوار، ربما لأنها جاءت متأخرة. المعارضة بالمقابل لم تنجح في إضعاف النظام بشكل مؤثر رغم كل مبالغاتها المتبناة من قوى ووسائل إعلام كثيرة ونافذة. وهذا ما أوصل الوضع الى حالة من عدم الحسم، حتى الآن، وجعل الاعمال العسكرية من الطرفين، سيدة الموقف بما تعنيه من قتل ودمار. 2- المعارضة بالتعبير العام للكلمة لم تنجح في توحيد قواها وبرنامج عملها. في الواقع هي معارضات متعددة. البارز على سطح الاعلام والتحركات والعلاقات السياسية منها هو المعارضة الخارجية بسبب ارتباطها التام بالغرب وحلفائه وبرامجه واهدافه، وهي تستدعي تدخله باي شكل. بينما تحافظ معظم المعارضة الاخرى على توازن موقفها بين مطالبها المصرة على الاصلاح وبين رفضها التدخل الاجنبي بأي شكل. مؤخرا شهدت المعارضة تطورين: الاول، ان ( جيشها!! ) اصبح جيشين، والثاني، انضمام "القاعدة" اليها وانتقال مجموعات كانت في العراق وأعضاء آخرين، الى سورية لممارسة إرهابهم ودمويتهم. لقد تحدث اكثر من مسؤول غربي عن عدم وحدة المعارضة وبرنامجها، ما يعيق قدرة الغرب على ضخ المزيد من المساعدات لها وبالذات تزويدها بالأسلحة ( رغم انهم يقومون بذلك فعلا عبر وسطاء لهم) . لكن افضل من عبر عن "موزاييكها" هو رئيس الاركان الأميركي حين صرح لشبكة CNN الأميركية "أتحدى أياً كان ان يحدد لي بوضوح هوية المعارضة السورية حالياً".ويضيف أيضاً "هناك معلومات تفيد ان "القاعدة" متورطة وتسعى الى دعم المعارضة" ويخلص الى نتيجة "ان اي تدخل محتمل في سورية سيكون صعباً للغاية". 3- لا يبدو الغرب في وارد التدخل العسكري المباشر او غير المباشر لاكثر من سبب: أولها عدم وجود معارضة سورية موحدة قادرة على التعامل والاستفادة من هذا التدخل وتشكل رأس رمح له. ومنها عدم توفر قواعد او منطلقات للتدخل العسكري بالذات لناحية توفر شريك محلي قادر ومؤهل وقابل بالمهمة، ومنها الخشية من انفلات تأثيرات وتبعات التدخل العسكري على المستويين المحلي والدولي إلى درجة لا يمكن السيطرة عليها .. الى غير ذلك من الأسباب . . 4- لكن الغرب يراكم إنجازات يراهن عليها في كسب معركته مع سورية: أولها إضعاف الاقتصاد السوري ومحاولة خنقه. فقد خسرت الليرة السورية نسبة مؤثرة من قيمتها في سوق التبادل الحر بفعل العقوبات الاقتصادية ووقف تصدير النفط وغيره من العقوبات. وثانيها، عزل سورية عن محيطها الرسمي العربي وحاضنته الرسمية جامعة الدول العربية. وثالثها الهاء النظام وإشغاله عن لعب دوره الأساسي والمؤثر في امور وقضايا عموم المنطقة ( لأول مرة ستعقد قمة عربية ربما بدون مشاركة سورية وهي واحدة من ثلاث دول أسست الجامعة ). وقد تحقق فعلياً تدويل الازمة السورية ليس فقط بطرحها في هيئات الامم المتحدة بل لأنها أصبحت عنصراً مفتاحياً في الصراع الجيوسياسي العالمي، ليس على عموم المنطقة فقط، بل على ما وراءها وما يليها. 5- لقد برهنت جامعة الدول العربية على قدرة تحسد عليها من النشاط والفاعلية. وعلى حشد جبهة عالمية واسعة من المؤيدين لموقفها، على قضية هي موضع جدل وخلاف حول عدالتها وصحتها وحول أهداف وصوابية تدويلها. فلماذا لم تقم، ولا تقوم الآن، بمثل هذا الدور لصالح قضايا عربية لا خلاف إطلاقاً على صحتها وعدالتها وإنسانيتها وأهمية تدويلها. وإذا كان في قدرة الجامعة عقد مؤتمرات أصدقاء دولية، فلماذا لا تعقد مؤتمر أصدقاء حول قضية القدس او الاستيطان او جدار الفصل العنصري او حرق المساجد او غيرها. أم ان جامعة الدول العربية ليست اكثر من ممر لإرادات وأجندات اخرى؟ 6- ان الدعوة للحوار بين الأطراف المعنية في سورية بعد وقف الأعمال العسكرية أصبحت من المستحيلات، والداعون لها هم اكثر من يعرف ذلك. خصوصاً وان ذلك يترافق مع إمداد المعارضة بالسلاح ومع دخول "القاعدة" على الخط. اذن، لماذا لا تتبنى جامعة الدول العربية فكرة الدعوة للحوار من اجل الاتفاق على وقف الأعمال العسكرية والاتفاق على القضايا الأخرى؟