انتخب الشعب الفلسطيني حركة المقاومة الإسلامية حماس أساساً على برنامج المقاومة و الثبات وة الصمود، و هذا أمرٌ لا خلاف عليه. حافظت حماس على هذا البرنامج و قدمت خيرة أبنائها و قادتها من أجل حمايته و المحافظة عليه و لم تستسلم رغم تخلي القريب قبل البعيد عنها، بل وصل الأمر إلى حد التآمر عليها من أجل جرها إلي منحدر الاعتراف و التعاون مع الاحتلال. و عندما فشلت حميع المؤامرات، حصروها في قطاع غزة و حاصروها حصاراً لا إنسانسياً بكل المقايسس، و عندما صمدت شنو عليها حرباً ضروساً و لكن لم ينالوا منها. في قطاع غزة المحاصر الذي تحكمه، قضت حماس على جميع مظاهر الفلتان الأمني الذي كانت من علاماته قتل المواطنين و الاعتداء على حقوقهم، و خطف الأجانب و إثارة المشاكل العائلية. حققت حماس الأمن و الأمان و فرضت النظام و طبقت القانون و نجحت في ذلك نجاحاً باهراً. و خلال وجودها في السلطة، استطاعت حماس أن تُرجع القضية الفلسطينية إلى بُعدها العربي و الإسلامي، الأمر الذي أعطى للقضية الفلسطينية زخماً أكبر و وجوداً ملموساً في وسائل الإعلام، رغم التعتيم المقصود، و في قلوب الشعوب و في قلوب قيادات الثورات العربية الجديدة و أيضاً في قلوب بعض الحكام مرضى التطبيع الغير معلن مع الاحتلال و مرضي التبعية الأميركية. نفذت حماس إصلاحات واسعة و جددت و أنشأت و أعادت إنشاء الكثير الكثير في البنية التحتية بشتى أشكالها مثل الشوارع و آبار المياه و الزراعة و غيرها في القطاع رغم الحصار، كما و استطاعت أن توجد جواً اقتصادياً يجذب المستثمرين الذين استثمروا فعلاً في القطاع و أنشأوا عدد من المشاريع الجديدة و الناجحة. دافعت حماس عن قطاع غزة دفاعاً مستميتاً قبل الحرب الإسرائيلية و خلالها و بعدها و قدمت خيرة الأبناء و القادة كما ذكرت في البداية. فعلت هذا تمسكاً ببرنامجها المقاوم الذي انتخبها الشعب عليه. و حررت حماس عدداً كبيراً من الأسرى ذوي المحكوميات العالية خلال فترة حكمها. هذين الأمرين الذين لم يكن لأحد أن يستطيع فعلهما غيرها. و لا أنسى أن أقول بأن حماس لم تدخر جهداً لإنجاز مصالحة وطنية، هي أكبر الخاسرين فيها، من أجل مصلحة الشعب. و لكن يا حماس، و بعد كل هذه النجاحات، ألا تظنين أنكِ قد وصلت إلى زمام الحكم من خلال صناديق الاقتراع، و لا بد حتماً أن يأتي اليوم الذي يجب على الشعب إما أن يجدد ثقته فيكِ أو ينزعها؟؟! أعتقد جازماً أنكِ تعلمين أن هذا اليوم آتٍ لا محالة، و لكن لم تعدي العدة لهذا اليوم أبداً! طبعاً سيسأل القارئ عن تلك العدة، و أنا أجيبه فوراً: العدة لصناديق الاقتراع في هذا السياق هي أن يتمكن الحاكم أن يجعل شعبه يلمس مدى تحقق البرنامج الذي انتخبه من أجله في انتخاباته السابقة! أنا متأكذ أن الشعب قد لمس كل الإنجازات كاملةً و إلا فهو عاق و لا يستحقها، و لكن!!! و لكن الشعب أيضاً لمس العديد من الأمور السلبية و قضايا الفساد التي شابت حكم حماس و للأسف لم يلمس معالجتها. نعم، لربما تمت معالجة بعض أو معظم الأمور من قضايا الفساد بشتى أنواعه، و لكن سراً و لربما كانت العقوبات جبارة و لكن دون أن يلمسها الشعب أو يراها بأم عينه.إذاً، فهي بلا فائدة! لماذا؟ طبعاً لأن الشعب يلمس و يرى آثار الفساد و بالتالي هو بحاجة إلى أن يلمس و يرى معاقبة المفسدين. طبعاً، نظرية الشفافية المطلقة ليست موجودة في أي مكان، لأن الجميع يعلم أن العصمة رُفعت بموت النبي صلى الله عليه و سلم. و إذا قلنا بأن الذي يُحدِث مفسدة هو شخص جدير بالاحترام و لا يجب محاسبته أمام العامة، فهذا بكل المقاييس مرفوض لأنه مخالف لاستحقاق الديمقراطية التي ارتضتها حماس لنفسها و مخالف لأصول الدين الإسلامي الحنيف الذي تنتهجه حماس. فمن ارتكب خطأً بحق الشعب من أفراد أو قيادات حماس فهو ليس أفضل من الصحابة رضوان الله عليهم حسان بن ثابت و مسطح بن أثاثة الذين جلدهم النبي صلى الله عليه و سلم على مرأى و مسمع العامة، و الأمثلة كثيرة. و بالنسبة لاستحقاق الديمقراطية، يجب أن يقال فلان من منصبه و يحاكم فلان و يفصل فلان و إلخ... و كل ذلك أمام الناس. لا مجال هنا للنوايا الحسنة و السرية و التكتيم؛ الأمر الذي أرغبه أنا شخصياً، و لكن عندما أكون بعيداً عن الديمقراطية و معتكفاُ في المسجد! أنا هنا أتعامل مع الشعب علناً و لا بد أن يرى الناس المحاسبة بأم أعينهم علناً حتى يؤمنوا بالمصداقية التي أُسَوِّقُهَا عليهم، و يالتالي أنال ثقتهم في انتخابات قادمة. أما هكذا، فلا مصداقية لكِ يا حماس على الرغم من صِدقُكِ في كل شئ، و لا شفافية أبداً إذا لم تكن المحاسبة العلنية فوق كل شئ، و لا نجاح في انتخابات إذا لم تعيدي حساباتك قبل فوات الأوان في كل شئ!