اذا وقعتُ في أحد المطبات فآمل العذر من أصحاب الاختصاص في رؤية اتفاق الدوحة، خلفياته وتداعياته وجدلية السياسي والدستوري في رؤيته، وعلاقة كل ذلك بالمستوى الحضاري للشعب، وخاصة بين رمزية الأشخاص ورمزية المؤسسات التي تبحث عن نفسها وخاصة المؤسسة او المجلس الدستوري كسلطة عليا غير موجودة على الأقل حتى اللحظة والى حين. ولد النظام السياسي الفلسطيني مأزوماً، فهو قدم نفسه نظاماً رئاسياً، وحين الترجمة على الأرض أحضرَ معه النظام الوزاري عبر تشكيل الحكومة من المجلس التشريعي، اي الجهاز التنفيذي، في وقت يفترض النظام الرئاسي تشكيل الحكومة من خارج المجلس التشريعي الذي مهمته التشريع والمراقبة للحكومة، ليس اكثر وفقا للنظام الرئاسي الذي يتولى الرئيس تشكيلها. وفي العام ألفين وثلاثة وبفعل الضغوط الخارجية تم استحداث منصب رئيس وزراء وأصبحت الصلاحيات مقسمة بينه وبين الرئيس وازداد تأزم النظام السياسي، فلا هو وزاري ولا هو رئاسي وانما كوكتيل من ثلاثة أنظمة الأولين بالإضافة للنظام السياسي الخليط الذي تأخذ به فرنسا، فأي نظام سياسي يأخذ الفلسطينيون الإجابة واضحة بلا نظام محدد ؟ هذه الخلفية كانت الإطار النظري للانقلاب والانقسام وجدلية الصراع بين صلاحية الرئيس وصلاحية "التشريعي"، ووفقاً للنظام الوزاري "حماس" شرعية، فهي التي حصلت على الأغلبية ووفقاً للنظام الرئاسي الرئاسة شرعية فمن انقلب على من ؟ الإجابة في النظام السياسي الفلسطيني المأزوم والذي لم يتوقف عنده احد في رؤية الواقع الحاصل والاهم المستقبل عبر حسم الجدل: بأي نظام سياسي سيأخذ الشعب الفلسطيني ؟ وفقا لما قبل العام 2003 اتفاق الدوحة قانوني وشرعي، فالرئيس هو نفسه رئيس الوزراء، أما بعد هذا العام فالاتفاق يتناقض مع الدستور رغم اجتهاد السياسيين بعدم وجود نص يشترط عدم تولي الرئيس رئاسة الوزراء، وهذه فهلوية سكر زيادة، لا مكان لها في الإعراب القانوني، وفقط في الإعراب السياسي الفصائلي. رغم محاولات البحث عن غطاء دستوري وقانوني لاتفاق الدوحة بتولي أبو مازن رئاسة الوزراء، فان ذلك ضرب من اللعب الفصائلي السياسي لاتفاق يتناقض مع الدستور وان لم يتناقض كثيراً مع نظام سياسي غير مستقر وقابل لما شاء من الاجتهادات السياسية لتزويج الاتفاق بالدستور رغم أنه اتفاق سياسي فوق الدستور حسب ضرورات المصالحة الفلسطينية التي تبيح المحظورات، والله اعلم كم ستبيح من محظورات اذا ما ظلت دكتاتورية الفصائل هي سيدة الموقف. من جديد نكتشف مأساة النظام السياسي الفلسطيني الذي يتحول الى ملهاة في ايدي السياسيين بما يعكس غياب السلطة الدستورية القضائية العليا التي يخضع لها الجميع، ويعكس الحاجة الحياتية للشعب الفلسطيني لمجلس دستوري يعيد صياغة النظام السياسي على اسس علمية إما رئاسي وإما وزاري وإما يأخذ بنظام الدوائر او النظام النسبي او يحدد ذلك، وبوضوح لا يفتح باب الاجتهاد الفصائلي ولحسابات فصائلية بحتة. ان الأولوية قبل الانتخابات تشكيل مجلس خبراء من القانونيين والمثقفين والاكاديميين تكون مهمته محددة في إخضاع النظام السياسي الفلسطيني للدراسة لإغلاق كل الفجوات والاستقرار على نظام سياسي واضح ومحدد، وتشكيل مجلس دستوري أعلى تكون مهمته مهنية بحتة لحسم اية خلافات دستورية او قانونية او فقهية وسلطته مطلقة فوق الفصائلية. اذا اردنا تجاوز الانقسام والتأسيس لمرحلة جديدة حضارية في العلاقة الداخلية بين القوى السياسية فان ذلك يمر عبر القفز عن الشخصانية، التي تجلت في اتفاق الدوحة نحو المؤسساتية من الدستورية إلى القانونية إلى السياسية الى الأمنية ...الخ ودون ذلك سيظل الشعب غارقاً في شؤونه الداخلية دون أُفق واضح كما عكس ذلك الجدل الذي افرزه اتفاق الدوحة ليس داخل "حماس" فقط وإنما في المجتمع الفلسطيني. ان هناك حاجة للفصل بين السلطة كمؤسسة إدارية للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال وبين فصائل المقاومة اي للفصل بين السلطة وبين منظمة التحرير كإطارين منفصلين ومحددي الصلاحيات، الاولى علاقتها إدارية بحتة والثانية اطار فصائلي لقوى المقاومة وبكافة الاشكال، وهو ليس فصلا ًميكانيكياً لأن ذلك غير ممكن، ولكنه الفصل الذي يحقق استقلالية تنهي التداخل بين الإطارين الذي كانت نتائجه مأساوية بالصراع الفصائلي على السلطة وترك الاحتلال. ان هناك حاجة ماسة لشرعية الفصائل المقاومة اي شرعية المقاومة ما دام الاحتلال هو سيد الموقف، وهناك حاجة لشرعية دستورية فرضتها المتغيرات على الأرض، أما اختصار شرعية المقاومة داخل الشرعية الدستورية فمعناها الانتحار. الفلسطينيون قلقون من القادم، قادم الاستيطان الذي يهدم قاعدة الدولة المفترضة في ارض العام 67، وقادم الخيارات المتاحة دون التضحية بمشروع السلطة، وهي خيارات مرتبكة وقلقة لا يمكن لقوة سياسية ان تقرر فيها وحدها، لهذا فإن المصالحة لم تعد فانتازيا حتى عند اشد الحزبيين، وهم يرون ان الممكن احتلالياً دويلة الأمر الواقع في القطاع. هناك لحظة حرجة بين شرعية دستورية مرتبطة بسلطة بلا سلطة وبين شرعية مقاومة فصائلية حرجة لارتباطها بمقاومة بلا مقاومة، اذاً هناك منطقة رمادية في طريقها للتلاشي نحو اي اتجاه؟ الخيارات مرتبكة وهناك حاجة للانتظار، فانتظروا . Awad-abdla@live.com