تباينت الآراء والمواقف داخل حركة "حماس" إزاء إعلان الدَّوحَة بشأن المصالحة الوطنيّة، واتخذت أبعاداً إعلامية، تداولتها، أوساط سياسية وغير سياسية لتذهب بها إلى توقعات وأسئلة، تنطوي على مبالغات، بشأن دوافعها وأبعادها وآثارها على وحدة ودور الحركة ومستقبلها. التباين اتخذ طابعاً جغرافياً إلى حدِّ كبير، إذ عارض نوّاب المجلس التشريعي من حركة "حماس" في الضفة، الموقف الذي سجّله نوّابها في قطاع غزة، والذي اتسم بطابع نقدي، ومعارض، للتوجه الذي التزم به رئيس الحركة خالد مشعل في الدوحة، فيما جاءت تصريحات بعض قياديي الحركة في الخارج مؤيدة لإعلان الدوحة، ولما أقدم عليه رئيس الحركة. من بين من خرج عن موقف كتلة الحركة في "التشريعي" بقطاع غزة، كان رئيس حكومتها السيد إسماعيل هنية، الذي رحّب بالإعلان، أثناء جولته الخارجية في زيارة ثانية لعدد من بلدان المنطقة والإقليم، الأمر الذي يعني أن الحركة ليست أمام خلاف أقاليم، أو أنها تقف على أعتاب انقسام، كما يراهن ويعتقد بعض المراقبين. وفي الواقع فإن إعلان الدوحة يثير بعض الأسئلة المهمة، فهو من حيث المبدأ يخالف القانون الأساسي، الذي يمنع الجمع بين رئاسة السلطة ورئاسة الحكومة، الأمر الذي يطرح أسئلة من نوع، هل يمكن عرض الحكومة على "التشريعي" لنيل الثقة، وفي هذه الحالة، فإنه لا يجوز قانونياً، أن يتعرض الرئيس محمود عباس، لمثل هذا الاحتمال، وهو المنتخب مباشرة من الشعب؟ الأسئلة بشأن إعلان الدوحة تذهب، أيضاً، إلى البعد السياسي، إذ إن الحكومة ستكون حكومة الرئيس محمود عباس، الذي جرى انتخابه على أساس برنامج سياسي معروف بخياراته والتزاماته التي تتناقض معها حركة "حماس"، خصوصاً وأن البرنامج السياسي، والموضوع السياسي، لم يخضع للحوار والاتفاق، رغم بعض الإشارات المتفرقة، على أهميتها، والتي تتصل بما أعلنه السيد مشعل خلال احتفال التوقيع على الوثيقة المصرية في الرابع من أيار الماضي بشأن الاستعداد لمنح السلام فرصة، ولاحقاً القبول بفكرة المقاومة الشعبية. الإشارات السياسية السابقة، تركت بعض ردود الفعل المعترضة والسلبية من قبل عدد من قياديي حركة "حماس"، خصوصاً من قبل عضو قيادتها البارز الدكتور محمود الزهار، كما تعرضت تلك الإشارات ـ المواقف ـ إلى تفسيرات مختلفة أفرغتها من مضامينها في بعض الأحيان. وبصرف النظر عن تباين المواقف والتفسيرات داخل الحركة بشأن تلك المواقف فإن المراقب الحيادي، يضعها في سياق التغيير السياسي المتدرّج الذي يقع على خطاب وبرنامج حركة "حماس" السياسي، نحو المزيد من المرونة والاعتدال، والتكيّف مع الظروف والعوامل الدولية والإقليمية والعربية، المحيطة والمؤثرة بهذا القدر أو ذاك على المشهد السياسي الفلسطيني. تترك هذه المتغيرات أثراً على وحدة المواقف في حركة "حماس"، حيث يرى البعض أن "الربيع العربي"، الذي تتقدم صفوفه الأولى جماعة "الإخوان المسلمين"، كما يحصل في مصر وتونس والمغرب حتى الآن، يمنح الحركة دعماً قوياً في اتجاه التمسك بمواقفها وبرامجها وخياراتها، ولا يبرر التراجع عنها، والذهاب إلى حدّ تبني برنامج وخيارات منظمة التحرير الفلسطينية. بعض هذه الأسئلة يذهب إلى تفسير المواقف المتعارضة داخل الحركة بشأن إعلان الدوحة، إلى أنها تبلغ حد، سحب الثقة من رئيسها، أو انها مقدمة، لمواقف أكثر وضوحاً باتجاه سحب الثقة في مرحلة لاحقة. يذهب أصحاب هذا التساؤل إلى حد الاعتقاد بأن قيادة الحركة في الخارج فقدت الكثير من عوامل القوة، التي كانت بحوزتها، فلقد تفكك محور الممانعة، وها هي القيادة تضطر لمغادرة مواقعها المركزية في سورية، دون أن تستقر على مكان، فضلاً عن الاعتقاد بأن الداخل بدأ يعتمد على ذاته مالياً ولوجستياً أكثر مما كان عليه الحال سابقاً. ويعتقد هؤلاء أن حديث مشعل العلني عن عدم رغبته في ترشيح نفسه لولاية أخرى على رأس الحركة، إنما يشجع على رفع وتيرة التعارضات داخل الحركة ولمواقف رئيسها على وجه التحديد. في الواقع ثمة قضية، وثمة خلافات، غير خاضعة للتحليل والاستنتاجات، ولا يلزم المرء لرؤيتها، وتلمّسها، البحث عن مصادر خاصة، وتآمرية، ما يعني أن تجاهلها، أو نفي وجودها، من شأنه أن يقوّض مصداقية المدّعين بأن الأمور طبيعيّة. على أن نفي أو إثبات وجود خلافات داخل حركة "حماس" شيء، والمبالغة في تحليل أبعادها ونتائجها إلى الحدّ الذي تتولّد معه جملة من الأوهام والمراهنات على انقسامها شيء آخر. الكل يعرف ويدرك أن حركة "حماس" حركة أيديولوجية متماسكة، وأنها خاضعة ضمن ارتباطاتها التنظيمية، لهيكلية تصل إلى المرشد العام لحركة الإخوان، وبالتالي فإنها تحظى بضمانة كبيرة، وقوية، للمحافظة على وحدتها، ولمنع وقوع أي انشقاق أو انقسام في داخلها. فضلاً عن ذلك، يدرك كل فرد، كادر أو قاعدي أو قيادي في حركة "حماس"، أن أي خلل يصيب وحدة الحركة، من شأنه أن يُضعفها، ويُؤثّر سلبياً على دورها، وبرنامجها وحتى على وجودها في وقت هي أحوج ما تكون إلى الوحدة، لضمان نجاحها في تحقيق برنامجها وأهدافها، خصوصاً وأن زمن التغيير العربي، يقدم لها فرصة كبيرة لتحقيق المزيد من الإنجازات لصالحها. وأخيراً، فإن الكل يعرف ويُدرك أن الحركة تتسم بالبراغماتية وهي مستعدة وقادرة على التكيّف، مع متطلبات العصر، في هذا الإطار ينبغي أن لا يستبعد أحد أن هذه الخلافات العلنية، التي تبدو حادّة أحياناً قد تكون أحد التعبيرات عن رياح الديمقراطية التي تتعرض لها الحركة في داخلها وتجعلها تتقبل الرأي والرأي الآخر، واستيعاب الخلاف في المواقف، ولكن ضمن الحرص على وحدة الحركة والتزامها بالموقف الأخير الذي تتخذه القيادة، أو قيادة جماعة "الإخوان المسلمين".