لا نكاد نلاحظ في الكيلومترات المعدودة التي تفصل بين المطار والعاصمة حواجز. وهناك القليل جدا من الشرطة. والنظام، وقد يكون هذا صحيحا الآن على الأقل، لا يخشى تهديدات لدمشق. واجهزته الامنية قد أوكل اليها ان تتعقب "الأعداء من الخارج". مع هبوطي في يوم الثلاثاء ليلا لاحظت مدينة هادئة كثيرا. يشتكي سائقو سيارات الأجرة عدم وجود سياح وازدياد اعمال العنف في الضواحي، لكن لا يوجد شيء يشبه ما خبرته في ليبيا أو في تونس في السنة الماضية، ففي دمشق يمكن ان تتحرك بلا مشكلة في الثالثة فجرا ايضا وهو شيء يصادق على ما يقوله قادة الثورة السورية الذين يمكثون في تركيا ومصر: "نحن نعمل في القرى والضواحي أما المدن الكبيرة فبقيت في يد النظام". وافق صحفيون ومحللون محليون على الحديث معي بشرط ألا يُكشف عن أسمائهم. وقالوا لي "ان 25 مليون سوري منقسمون تماما، فـ 30 في المائة على الأقل أكثرهم شيعة علويون يؤيدون الرئيس ومعهم نصارى كثيرون يخشون ازدياد الاخوان المسلمين قوة. وهناك 30 في المائة آخرون أكثرهم سنيون يؤيدون النضال لتبديل السلطة لكنهم منقسمون. واذا استثنينا هاتين المجموعتين فهناك الكثرة الصامتة التي تنتظر ان تؤيد من ينتصر". يزعم منظمو الثورة ان 6.200 سوري قتلوا منذ آذار واعتقل 14 ألفا. ويزعم النظام ان "الارهابيين" قتلوا 2000 جندي على الأقل. وترشد السلطات مراسلين اجانب الى عدم التجول وحدهم في الشوارع. "أنظروا ما حدث لمراسل التلفاز الفرنسي الذي قتله ارهابيون في الاسبوع الماضي"، قال متحدثو النظام. وأثار هذا القول شكوكا عند المخلين بالنظام الذين هم على ثقة بأن القتل تم على أيدي اجهزة الاستخبارات السورية. ان الانترنت يعمل هنا لكن توجد رقابة. ويستعمل النشطاء السكايب والفيس بوك والتويتر استعمالا حذرا. "ان الحكم الاستبدادي لا يقطع الانترنت لانه ضروري له من اجل ان يجمع معلومات عن المعارضة"، يقولون لي في مقهى انترنت. من حمص الى درعا تنحصر الثورة في سوريا في قصة 18 فتى من مدينة درعا. وهم يقصون قصتهم في جميع أنحاء الدولة. وقد سمعت أمس القصة مرة اخرى في مدينة حمص التي قتل فيها بعد اسبوع بحسب ما تقول منظمات المعارضة والمتمردون، مئات المدنيين ونشرت صور فظيعة من المذبحة في العالم كله. "بدأ التجنيد الجماهيري الاول هنا بين شباط الى آذار من السنة الماضية حينما علم ان 18 طالب ثانوية من مدينة درعا، غير بعيد من الحدود مع الاردن، اعتقلتهم القوات الخاصة للرئيس بشار الاسد بعد ان رشوا على الجدران كتابات تأييد للربيع العربي. وزاد غضبنا حينما جاءت أنباء أنهم عُذبوا وبخاصة ازاء تصريحات عاطف نجيب رئيس قوات الامن وابن خال الاسد الذي قال للعائلات ان تنسى أبناءها، لكنهم اذا أرادوا مع ذلك استعادتهم فليأتوا بالنساء الى الشرطة كي يُحبلهن رجال الشرطة". يُحدثني بهذا حسن، وهو طالب جامعي التقيت به قرب ميدان الساعة، وهو المكان الذي أُعدم فيه مئات من المتظاهرين في نيسان. وسكان حمص معنيون بالحديث بخلاف ما حدث هنا الى ما قبل سنة. بل ان آلاف القتلى في مدينة حماة في 1982 ما عادوا أمرا محظورا لا يتم الحديث عنه. فقد كان يكفي ذات مرة ان تهمس باسم "حماة" كي يعتقلوك أو ربما يُخفونك الى الأبد، حتى ان يوسف، وهو طبيب آشوري يؤيد الاسد تقع عيادته في حي الحميدية في حمص، قال أمس: "مات في حماة أكثر من 20 ألف سني أو ربما 30 ألفا من أعداء النظام. ماذا يعني؟ يجب ان تدافع الدولة عن نفسها من اولئك الذين يحاولون المس بها وفرض الاسلام المتطرف". طلبت جنى مقدسي، وهي في الثامنة والثلاثين ومدرسة للغة الانجليزية في الثانوية المحلية، طلبت بعينين دامعتين الى صحفيين اجانب "ان يكفوا عن التحدث بالسوء عن الرئيس الانسان الذي يمثل أمننا الوحيد في مواجهة القاعدة". ووقف الى جوارها صاحب حانوت منتوجات كهربائية من أهل السنة وعبر عن أمل ان يسقط حكم الاستبداد قريبا، لكنه أضاف حينما سمع رصاص الرشاشات في منطقة مجاورة: "يجب ان يبقى الاحتجاج سلميا. فالعنف من قبل المنشقين عن الجيش الذين يلطخون الآن أسماء الذين ينادون بالحرية يضر فقط بالحركة الديمقراطية". ان زيارة مراكز المواجهة تكشف عن دولة ممزقة خائفة. ان حمص مدينة تغلق أبوابها في الظهيرة: ففي الثانية ظهرا يدخل الناس ببساطة الى بيوتهم. وقطع تيار الكهرباء جزء من الحياة اليومية. وجرى على الأحياء المختلطة تطهير عرقي. والعنف في درعا أمر يومي يكون دائما تقريبا قُبيل حلول الظلام. وفي ظهيرة ايام الجمعة تُجرى مظاهرات مع خروج المصلين من المساجد. وقد قاد المظاهرات الاولى في آذار الشيخ ذو الشعبية السياسنة. "انه زعيمنا التاريخي"، يقول شابان في العشرينيات من أعمارهما، "لكن الشرطة قتلت ابنه واعتقلته مدة ستة اشهر. وحينما تم الافراج عنه هددوه بأن يقتلوا ابنه الثاني ايضا. وقد وافق الشيخ على ان يذيع للتلفاز تصريح تأييد للاسد وصمت منذ ذلك الحين، بل انه لا يأتي لصلوات يوم الجمعة". ان الغضب على النظام كبير هنا. "يجب عليكم أنتم الصحفيين ألا تصدقوا أكاذيب الحكم الاستبدادي الفاشي الفاسد"، يقول لي شيخ محلي صاحب حانوت لمولدات الكهرباء. "ان رجال السلطة يقتلوننا ويعذبوننا كل يوم. وقد قضت خطواتهم على كل امكانية لحل الازمة بالتحادث. لو وافقنا نحن الأحياء على محادثة الاسد ومواليه فسيخرج أمواتنا من قبورهم ليتوسلوا الينا ألا نفاوض قتلتهم. أُصيب ابن عمي برجليه وحُمل في سيارة وبعد ثلاث ساعات أصبح جثة نكلوا بها مع عضو جنسي منتفخ نازف. وفي النهاية رموه في مزبلة". ان المحافظ محمد خالد الذي عينه النظام بعد ان نفذ سلفه في نيسان مذبحة بدم بارد في أكثر من 160 متظاهرا يطلق تصريحات نارية نحو المتمردين: "هؤلاء ارهابيون تدفع اليهم الولايات المتحدة واسرائيل. وهم يريدون الشر لسوريا لكننا سنخضعهم. وقد قضي عليهم الآن بالفعل". ان مقولته تناقض ما قالوه لي قبل ذلك بثلاثة ايام في الزبداني وهي مدينة عدد سكانها 35 ألفا كلها أو أكثرها من السنيين على مبعدة 30 كم شمالي دمشق: فالمتمردون هناك يزعمون انهم أخضعوا قوات النظام. والخوف الكبير هو من ان تدعو دمشق العصابات المسلحة الشيعية لحزب الله من لبنان كي تقوي الجيش السوري. "لسنا ارهابيين، نريد الحرية والديمقراطية. قولوا للعالم إننا لسنا ارهابيين"، يصرخ شبان يلوحون بأعلام. ولا يوهم هؤلاء الشباب الذين يمسك فريق منهم بسلاح (اشتروا بنادق كلاشينكوف في السوق السوداء بألفي دولار لكل بندقية)، لا يوهمون أنفسهم: "في القريب سينظم الجيش نفسه من جديد ويسيطر على مدينتنا. والموت مؤكد بالنسبة الينا". وفي مدينة دومة المجاورة لدمشق يزعم المتمردون ان المكان حُرر من قوات السلطة، لكن هذا غير صحيح في واقع الامر. فالجنود يسيطرون على مركز المدينة ويقومون قرب البلدية وفي المستشفى وفي منطقة المقبرة. "انهم لا يسمحون لنا حتى بدفن أعزائنا"، يقول السكان في تنهد. تدعوني عائلة من العائلات الى الشاي والكعك. نوافذ الشقة مغلقة والبيت مضاء بالشمع. ويستمر اطلاق النار طول الوقت ونسمعه في الخلف طول الوقت مثل بكاء الطفل في الطبقة الى أعلى. مار موسى تم التنديد بالأب باولو ديل أوليو في السنة الماضية من قبل رؤساء الكنيسة المحلية على أثر انتقاد صدر عنه لقمع المظاهرات العنيف على أيدي قوات شرطة الاسد. ومن اجل لقائه صعدت الى مركز عزلته في شقوق صخور مار موسى. كان الأب الذي ولد في روما في 1954 وعاش في سوريا أكثر من ثلاثين سنة كان غاضبا لقتل رجل دين نصراني ارثوذكسي وقع قبل ذلك بيوم في ضاحية مدينة حماة وقال: "هذه حادثة خطيرة وعنف مشحون بالكراهية على رجل دين. يجب ان يكون هذا اشارة تحذير للمجتمع الدولي". عند الأب ديل أوليو انتقاد شديد على القلة النصرانية في سوريا. "هؤلاء الناس يحكمهم الخوف"، يقول. "انهم مستعدون لاغماض عيونهم عن الفظائع التي نفذها رجال الجيش بوحشية بشرط ألا يخسروا مكانتهم المفضلة وحقوقهم المحفوظة لهم عند السلطة العلوية الشيعية. انهم يفهمون جيدا ان معنى الديمقراطية هو فوز الاسلام السني وهم يخافون هذا كخوفهم من وباء. وفي مقابلة هذا يختار النصارى الحداثة حتى لو لم تكن ديمقراطية كي لا يلزم أحد النساء ان يتحجبن". انه يعيش منذ بضعة اشهر وحده في دير يبعد نحوا من 100 كم عن دمشق. "أصدروا أمرا بطردي من سوريا"، يقول، "لكنهم أجازوا لي في النهاية البقاء في الدولة بشرط أن اعيش هنا بعيدا عن المركز. ولم تكن الكنيسة المحلية معنية بأن أبقى. لم يكونوا في الماضي راضين عن الانتقاد الذي وجهته على ظواهر مختلفة كاللواط واغتصاب الصغار بين ناس الرهبانية الكبار. وأصبح انتقادي الموجه على النظام سلاحا ممتازا للتخلص مني لكن رد اصدقائي في سوريا وخارجها أنقذني. فوافق النظام على منحي عفوا فأُبيح لي البقاء مقابل العيش في السر، لكن يصعب جعلي أسكت تماما". حينما نتبين الانتقاد على الأب من قبل الرهبان ندرك عمق الحلف الذي عُقد بين نظام الاسد والقلة النصرانية. "هناك اشاعة أنه جاسوس امريكي فقد وجدوا عنده وسائل للرؤية الليلية"، يزعم رجل الدين جبرائيل داود في كنيسة سان جورج في وسط المدينة القديمة في دمشق. لكن بعد ان نلقى الأب لا يمكن سوى التبسم ازاء هذا الزعم. اذا كان بقي لديه شيء من أثر ماضيه في صفوف اليسار المتطرف في ايطاليا فانه يعبر عنه بتوجه معاد لامريكا متطرف وهذا لا يقنع منتقديه. "ان الأب باولو يعيش في يوتوبيا"، يزعم الكاهن حياض (؟) عبود. "انه لا يفهم ان معارضي الرئيس الاسد استأجرتهم أوامر من العربية السعودية. أيطلبون اصلاحات؟ لقد وعدت بها حكومتنا. وهي تعد بدستور جديد وانتخابات حرة في شهر حزيران بحيث ان مطالب المعارضين قد تم تلبيتها". القرداحة ان المتحف المصور في مركز القرية يشبه تذكارا لموت مأساوي وهو في الوقت نفسه حنين الى ماض أسعد. فالرخام الاسود – الابيض يجلوه كل يوم حراس محليون. والقبب المستديرة تذكر بالمساجد الايرانية. ويوجد في المركز قبر حافظ الاسد والد الأمة، بطريرك سوريا الحديثة، السياسي الذي حظي بالمجد بفضل قدرته على احلال القوة محل الضعف حتى لقد فرض على الأكثرية السنية (أكثر من 70 في المائة من السكان) حكومة قلة علوية (ليست أكثر من 12 في المائة). ودُفن الى جانب الرئيس ابناه اللذان ماتا صغيرين – مجيد الذي مات بمرض قبل سنتين، وباسل الذي قتل بحادث سير في 1994. وقد عُلقت في الجدران الخارجية صور الرئيس الحالي بشار الاسد، لكننا نرى هناك في الأساس صورا للأب حافظ يحتضن باسل الذي يرتدي البزة العسكرية، وقد غُطي صدره بالأوسمة والميداليات وقد سفعت الشمس وجهه وابتسامته واسعة. كان باسل الابن المفضل عند حافظ وكان يفترض ان يرث عنه مقعد الرئاسة. ويتحدثون في دمشق الى اليوم عن أن فقدان الولد الحبيب أصاب الأب بكآبة عميقة. كان تعيين بشار مصالحة. فالابن الآخر ماهر، وهو لواء في الجيش، يعتبر متشددا كثيرا لكن كثيرين في سوريا كانوا يفضلون ان يكون رئيسا اليوم. وتمكث أرملة حافظ الأسد أنيسة اوقاتا طويلة في البيت العائلي الكبير في قرية القرداحة ويبدو انها ما تزال تؤدي دورا مهما في القبيلة. والتقديرات أنها ما زالت تفضل بشار على ماهر. وحينما يأتي الأبناء لزيارتها ترتدي القرية كلها لباس العيد. جئت الى القرية حينما كانت الاضطرابات قد أصبحت حربا أهلية عنيفة. وأعلنت الجامعة العربية أنها تدعو مراقبيها الى مغادرة سوريا. حتى الاسبوع الماضي وقف عدد المراقبين على 165، وآنذاك استقر رأي دول الخليج على اعادة ممثليها فتضاءل العدد الى 111. "في ضوء الوضع الصعب في الدولة والعنف الطاغي استقر الرأي على وقف عمل المراقبين"، كما جاء في بلاغ. وقد زعم قادة الثورة في سوريا وخارجها ان المبادرة كانت ترمي الى التمكين من استمرار اعمال النظام الوحشية. قبل يومين في بلدة الرستن قرب العاصمة نجحت في ان أرى بأم عيني عدم جدوى المراقبين. فقد اكتفى سبعة منهم انتقلوا بسيارتي مرسيدس سوداوين لاجهزة الامن بالاصغاء الى شهادات رجال النظام. وفي حاجز عسكري عرضوا علينا جثتين يعلوهما الغبار وزعم الجنود قائلين: "رماهما الارهابيون من سيارة مسرعة". وسألت محمد الدابي المراقب السوداني في المنطقة: "لماذا لا تمضون للحديث مع المتظاهرين؟". فأجاب: "لأنهم يصدرون الكثير من الضجيج. كلهم يصرخون معا وهم ليسوا منظمين، فاستقر رأينا على ان لا نصغي اليهم بعد". بعد ذلك بقليل رأيت ثلاثة جنود مرؤوسين لنقيب، يضعون سبع قنابل يدوية ورشاشين قديمين في صندوق سيارة بيجو قرب المستشفى العسكري. وكان على الصندوق الذي وضعت فيه القنابل اليدوية كتابة بالعبرية. "هذا هو الدليل على ان اسرائيل تحرض وتشجع الثورة"، صاح الجنود نحو المراقبين. "هذه سيارة عملائكم التي ضبطناها". يصور المراقبون السيارة ويهزون رؤوسهم. وفي الاثناء لا ينقطع العنف فالجيش يعاود الهجوم. وبحسب ما يقول قادة الاضطرابات زادت موجة الضحايا زيادة كبيرة جدا في الايام الاخيرة وتقف على مئات القتلى من بين المتظاهرين. ويزعم النظام ان "الارهابيين" ينظمون الآن في عصابات مسلحة. ويتم استعمال المدافع في منطقة دمشق ايضا. وتتركز المواجهات الآن في مدن حماة وحمص وإدلب. ويُبين العلويون في القرداحة هذا بكلمة "مؤامرة". وهم غير مستعدين للاستماع عن الاقتصاد السوري المتهاوي ولا عن التنديد الدولي بمظاهر العنف. "كل ذلك مؤامرة تقودها الولايات المتحدة واسرائيل والعربية السعودية"، يزعمون. ان كل اجنبي يصل يشتبه فيه انه عميل سري وجاسوس. لا يُمكّنونني من زيارة المسجد المحلي المخصص لناعسة أم حافظ الاسد. وعُلقت على جدران مسجد آخر في منطقة السوق اعلانات حداد على سكان القرية الذين قتلوا اثناء الاضطرابات والذين بلغوا 200 شخص في الحاصل العام. "النقيب اسامة محمد احمد، في الثانية والثلاثين، قتل في إدلب"، جاء في اعلان من الاعلانات. "علي مروان احمد، في الخامسة والعشرين، قتل في حمص"، جاء في اعلان آخر. وحينما طلبت ان أتحدث الى واحد من السكان طلب ان أعرض عليه جواز سفري كي يتحقق من أنني لست جاسوسا. وفي مرات كثيرة يستدعي السكان الشرطة محذرين من أنه "يوجد هنا اجنبي مريب". في الخروج الى الشارع الرئيس لا توجد حركة تقريبا. فالجنود في مواقعهم لا يتزحزحون ولا يكادون يخرجون لاجراء تفتيش. أخرج من المدينة باتجاه دمشق وتغيب قبة متحف أبناء عائلة الاسد في الضباب. دمشق تبدو الحرب على دمشق في الأساس كصراع مأساوي على سلاح لم يُقسم تقسيما متساويا بين الطرفين. فالجيش السوري يحافظ بعنف مفرط على تفوقه العسكري واللوجستي. وقوات المعارضة – وهي مفرقة وغير منظمة ولا تنسيق بينها في المستوى الوطني – تهاجم وتتفرق بحسب الظروف. في الصباح في سفر من مركز دمشق الى المطار الدولي، لاحظت آثار التجنيد الجديد الذي استعمل في الايام الاخيرة. فقد زاد عدد الحواجز ونرى في الشوارع صفوف جنود يتحركون. وقد لقيت عند واحدة من اشارات المرور سيارتين محملتين بعاملين في جهاز الامن بلباس مدني؛ وقد لوحوا ببنادقهم ثم زادوا السرعة وطلبوا الى السيارات التي مرت قريبا منهم ان تخلي لهم الطريق. ورأيتهم في مرحلة ما يُقلون رجلين شابين مقيدين وأعينهما مغطاة ووجهاهما ولباسهما ملطخان بالدم. وبدا أحدهما فاقدا الوعي واهتز رأسه من جهة الى اخرى في كل مرة زادت فيها السيارة سرعتها وكان فمه فاغرا. الاسبوع الاخير تعمل اليوم في سوريا آلتا دعاية رئيستان – آلة المتمردين من جهة وآلة نظام استبداد الرئيس بشار الاسد من جهة ثانية – وتجري بينهما حرب قوية على تحديد عدد الضحايا. ولهذا يمكن ان نشاهد ونتأثر بأفلام الفيديو القصيرة التي توثق الأحداث وتعرض في الانترنت، لكن ينبغي ألا نسارع الى تبني الأرقام. ان ما يمكن استنتاجه من أحداث الاسبوع الاخير في سوريا هو القدرة السريعة الناجعة للحركة الثورية على اطلاق المواد التي تملكها ونشرها في الشبكة بصورة تعرض وحشية نظام الاستبداد السوري. والرئيس الاسد من جهته لم يأمر بقطع شبكة الهاتف محاولا ان يحافظ على نوع ما من الحياة الطبيعية في دولته. وما يزال الانترنت يعمل في مدن كثيرة، وعلى كل حال ينجح النشطاء في ان ينقلوا سريعا المواد الى الحدود مع تركيا أو لبنان للاهتمام من هناك بنشرها. كان فقدان النظام السيطرة في الصراع الدعائي هو الخطوة الاولى في الطريق الى عزلته الدولية وبعد التصويت في الاسبوع الماضي في مجلس الامن واستعمال النقض الصيني الروسي أصبح السوريون يدركون ان التدخل العسكري ليس قريبا. ان نظام الاسد قد يهتز زمنا طويلا بعد وسيظل دم سوري كثير يُسفك في الشوارع.