بدأ الغزل السياسي بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل منذ اعجاب الأخير بخطاب عباس في الجمعية العمومية للامم المتحدة، من العاصمة الإيرانية طهران والذي جعل علاقة مشعل بالجمهورية الإيرانية متوترة. ووصلت علاقة الرجلين مع بعضهما إلى حد لم يكن متوقع في السابق نتيجة الانقسام والصراع الدائر بين الحركتين اللتين يرأسهما كل منهما، وبرغم ذلك بدا واضحاً أن مسار المصالحة الفلسطينية لا يتقدم إلى باجتماع بينهما، حيث أعطى مشعل الضوء الأخضر لعباس في خيار المفاوضات بل تجاوز ذلك بدعم خيار المقاومة الشعبية التي ينادي بها عباس، للمرة الأولى في تاريخ الحركة الإسلامية، برغم تأكيدات قيادات حمساوية بعكس ذلك وبرز خلال خطابات مهرجان انطلاقة الحركة "الخضراء" في كانون الأول/ديسمبر الماضي. "إعلان الدوحة" كان اتفاقاً بين "عباس" و"مشعل" بامتياز، ولكن هذا الاتفاق غفل الكثير من القضايا ونسي أو تناسى التراكمات الخطيرة التي سببتها سنوات الانقسام العجاف، وأبقى الأبواب مشرعة أمام تساؤلات خطيرة وكثيرة برغم عدم وجود دعم حقيقي لهكذا اتفاق حتى من فصيلي الاتفاق. وبدت ردود الفعل مختلفة ومتنوعة وكان أبرزها رد فعل بعض قيادات حماس أنها ترفض تولي عباس رئاسة الحكومة وتم تتويج تلك التصريحات المعلنة وغير المعلنة، بتقرير لكتلة التغيير والإصلاح التابعة لحركة حماس في المجلس التشريعي بإنطواء الاتفاق على مخالفة قانونية وتشريعية. أما ردود الفعل "الفصائلية" كانت في غالبها مؤيدة ولكن على خجل، بسبب عقدة " عدم مشاركتها" في المشاروات والاتفاق، وذهب بعضها إلى ايجاد مبررات لضعف الاتفاق كعدم شمول الاتفاق على جدول زمني، ولام البعض الآخر على رعاية "الدوحة" له. الشارع الفلسطيني بلغ رده على اتفاق "الحكومة الانتقالية" حد "الشزوفرينيا"، ففي حين كان يطالب ويضغط على طرفي الانقسام بإنهائه من خلال "قرع للطناجر"، برزت التناقضات بعضها كانت نتيجة عدم اعجابه بعباس رئيساً كونه يجمع رئاسة معظم المؤسسات الفلسطينية، وبعضها الاخر اتفق مع الاحزاب في لومه على الدوحة في اخراج "المولود العسير" إلى العلن بعد مخاض استمر لسنوات طوال في عواصم "عربية" عدة. ردود الفعل الأولية على الاتفاق أعطت مؤشراً بشكل أو بآخر عن حجم الصعوبات والعقبات التي ستواجه الرئيس عباس وحكومته وقدرتها على مواجهة كل الضغوط شرقيها وغربيها، داخلها وخارجها. من اول تلك الحواجز التي ستواجه تلك الحكومة عدم رضى فصيلي الاتفاق بكامل اجسامهما عليه، فمعارضي حماس سيعملون بكل السبل على تعطيله سواء بالطرق "التشريعية" أو بتعزيز الصعوبات على الارض التي تمنع تطبيقه، اما معارضي فتح لاسيما خصوم عباس السياسيين وأبرزهم "الدحلانيين" سيعملون على تعطيل تنفيذ الاتفاق وتشكيل الحكومة بوسائلهم الميدانية أو الإعلامية. المعضلة الكبيرة التي ستتعقد عندها كثير من القضايا – في حال نجح تشيكل الحكومة – الوضع الأمني وجهازي الأمن القائمين في الضفة الغربية وقطاع غزة، والسؤال هل سيستطيع رئيس الوزراء ووزير داخليته على توحيد "العقيدة" الأمنية و"الايدلوجيا المتناقضة" بين الاجهزة الامنية؟ وكذلك وضع اسس لعلاقتها مع إسرائيل. ولا يخفى على أحد، الوضع المالي للفلسطينيين، مما يطرح العديد من الاسئلة على قدرة "الحكومة الموحدة" على استلام الملفات المالية "المأزومة" من حكومتي فياض وهنية، وهل ستقبل الدول الممولة كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي على دفع رواتب موظفي "حماس" المدنيين والعسكريين؟ وهل المال العربي وخاصة القطري منه قادر على سد الفجوة ؟!! ويعاني المجتمع الفلسطيني بشقية "الضفاوي" و "الغزاوي" من شروخ كبيرة نتيجة انقسام دام لسنوات في ظل تعزيز "للحقد" المتبادل إعلامياً وميدانياً، الذي وصل إلى حد الانقسام الاجتماعي بين عناصر الفصيلين المتصارعين. وفي حال موافقة الآلة الإعلامية لمؤيدي الاتفاق، هل ستقدر على إعادة اللحمة إلى شروخ الوطن الملئ بالأزمات، وأهمها معالجة "الدماء" التي سالت بسلاح فلسطيني – فلسطيني، وإغماد نار الفتنة التي قد تودي بحياة أي اتفاق سلام فلسطيني داخلي، لاسيما في ظل تولي شخص كان ينادى فيه على منابر المساجد بأنه "الشيطان الأكبر"؟!! ومع ذلك وبالرغم من كل العقبات والصعوبات التي قد تواجه "الوليد صعب المخاض"، وبغض النظر عن الراعي للاتفاق... فأنا مع اتفاق المصالحة الفلسطينية ....