خبر : إعلان الدوحة: الموقف والقرار الحكيم..د. أحمد يوسف

الأربعاء 08 فبراير 2012 03:59 م / بتوقيت القدس +2GMT
إعلان الدوحة: الموقف والقرار الحكيم..د.  أحمد يوسف



قد يكون "إعلان الدوحة" مفاجئة للجميع، لكنه القرار الصائب الذي انتظرناه طويلاً ليخرجنا من متاهات ما نحن فيه. لقد تعبنا من الحديث عن المصالحة ومخاطر الانقسام، ولكن كلما حاولنا الخروج من النفق وجدنا من يعيدنا إليه. نعم؛ قد يكون الأخ (أبو الوليد) اجتهد ولم يقم بتوسعة دائرة المشورة بالشكل الذي اعتادت مؤسساتنا التنظيمية العمل به للحفاظ على حالة الإجماع داخل الحركة، بحيث ألا يذهب المرء بعيداً في اجتهاده عن دائرة إخوانه مهما كانت الصلاحيات التي لديه. هذا صحيح، وهذا منطق لا نختلف معه، ولكن القرار الذي اتخذه الأخ (أبو الوليد) باعتباره رئيساً للمكتب السياسي لم يخرج عن كل ما ذكرناه.. فمن المعروف أن الموقف من المصالحة وإنهاء الانقسام كان قراراً استراتيجياً تبنته بالإجماع مؤسسات الحركة في الداخل والخارج منذ زمن بعيد. لا شك أن المداولات التي جرت بين الرئيس (أبو مازن) والأخ خالد مشعل تناولت شخصيات أخرى لرئاسة الحكومة، ولكن يبدو أن محاولات الطرفين في الاتفاق على شخصية توافقية لم تكلل بالنجاح، وهذا ما جعل القبول بالرئيس (أبو مازن) رئيساً للحكومة مخرجاً من استمرار حالة المراوحة القاتلة في المكان. لقد كان التحفظ الوحيد هو على استمرار د. سلام فياض في موقعه، لكونه والسيد إسماعيل هنية يمثلا رأسين لحكومتين مطلوب استبعادهما، وتشكيل حكومة جديدة على أساس من التوافق الوطني وبروح الشراكة السياسية. بالطبع لم يكن هذا هو السبب الوحيد، ولكنه – بلا شك – كان الأكثر أهمية بالنسبة لحركة حماس، التي تريد أن تحفظ لرئيس وزرائها الأخ إسماعيل هنيّة هيبته ومكانته، وبما أن الرئيس (أبو مازن) أضحى شريكاً لنا في ترتيبات المرحلة القادمة أي أنه يحظى بالقبول لدينا، فإن وجه الاعتراض عليه غير مفهوم، وكل ما حدث من قلق وارباك في صفوف الحركة على إثر الإعلان سينتهي بعد أن تتضح المبررات. حقيقة، إن القيادات يتم انتخابها لاتخاذ القرارات الصعبة والتعامل بحكمة مع مجريات الأمور.. قد تكون هذه المحطة واحدة من بين المحطات الصعبة التي تمر بها الحالة الفلسطينية، وهذا القرار - وسرعة اتخاذه – جاء في لحظة كان لا بدَّ من استثمارها. لماذا الدوحة..؟؟ بعد زيارة الأخ أبو الوليد للأردن، وردته أنباء عن نيّة الرئيس (أبو مازن) التوجه صوب الدوحة، فوجد الرجل أن الفرصة مواتية لحسم موضوع تشكيل الحكومة مع الرئيس، ليس تجاوزاً للترتيبات السابقة بأن يلتقيا في القاهرة مع بداية فبراير للبحث في مخارج أزمة تشكيل الحكومة، وإنما استثماراً للوقت، فضلا عن  انشغالات مصر الكبيرة في وضعها الداخلي، وما يقع على كاهلها من حمل ثقيل لتسوية أوضاعها الداخلية بعد الانتخابات البرلمانية، كما أن غياب الأمن وحالة عدم الاستقرار - الذي شاهدنا ملامحه المأساوية في أحداث بورسعيد الدامية - أعطت المبرر لاغتنام الفرصة في الدوحة، على أن يكون العرس الكبير للإعلان عن الحكومة في القاهرة في 18 فبراير القادم. في الواقع، يجب أن لا ننسى أن قطر اليوم هي لاعب مركزي في عالم الربيع العربي، ولها تأثير على السياسة الدولية من خلال علاقاتها القوية بأمريكا ودول الاتحاد الأوروبي، وهي ثقل سياسي كبير يمكن المراهنة عليه لتأمين حاضر ومستقبل المصالحة الفلسطينية. لقد شاهدنا مساعي سمو الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بين الأشقاء العرب، وعطاياه السخية في لبنان والسودان، كما أن دعمه المادي والمعنوي لثورة الشعب الليبي هي وراء النجاح الذي تحقق هناك، وأيضا ما قدمه لكل من ثورتي تونس ومصر، وأخيراً تعهده للأخ إسماعيل هنيّة خلال زيارته الأخيرة للدوحة، بإعادة إعمار كل ما دمرته الحرب على قطاع غزة في ديسمبر 2008. مصر حاضرة في الدوحة ما كل ما سبق لا يقلل من دور مصر المركزي، الجميع يعلم بأن هذا الانجاز هو لمصر قبل قطر، وقد باركت القاهرة إعلان الدوحة، ولم يكن ما كان سوى بفضل جهود الوساطة المصرية ليس فقط في توقيع اتفاق المصالحة في مايو الماضي، بل باحتضان جميع فصائل العمل الوطني والإسلامي في القاهرة، وتهيئة المناخ للمباشرة في جمع الصف وتوجيه المواقف نحو تحقيق كل ما كنا نتطلع اليه خلال السنوات الست الماضية. لقد كانت أيادي مصر تقف خلف ما تمَّ انجازه في كثير من الملفات الصعبة، ومنها صفقة "وفاء الأحرار"، وتسهيل دخول احتياجات قطاع غزة من السلع الاستهلاكية والمستلزمات الحيوية؛ كالغاز والبنزين ومواد البناء بمختلف أنواعها. لقد أظهرت مصر كم هي عظيمة، وهي تمد يدها الحانية لاحتضاننا جميعاً حتى وهي في أشد الظروف صعوبة عليها.. وكما كانت مصر عظيمة في ثورتها كانت عظيمة في مساعيها لإخراجنا من وهدتنا وطيش الصواب الذي غاب عنا. إن ما كان ينتاب حماس وحكومتها من شكوك بصدق التوجهات المصرية في ظل النظام السابق تبددت بعد سقوطه، فهرعنا للقاهرة - بعد الثورة - ووقعنا الاتفاق، لأن ثورة مصر أعادت لنا الثقة والاطمئنان بمصر وبقيادتها الجديدة. لقد حضرت لقاءً في القاهرة بحضور السيد عزام الأحمد والأخ (أبو الوليد)، وكانت رسالة الأخير أننا نريد إعطاء صدقيّة لما اتفقنا عليه، وإن شعبنا الفلسطيني يريد أن يرى حقائق ملموسة على الأرض، وتشكيل الحكومة هو الدليل على ذلك، وأشهد بأن الأخ (أبو الوليد) كان حريصاً – أيما حرص - أن يتم ذلك بأسرع وقت ممكن، وكان هذا أيضا طلب إخواننا في جمهورية مصر العربية.. وفعلا؛ بدأ التحرك لتأكيد أن ما تمَّ الاتفاق عليه في لقاءات القاهرة هو قيد التنفيذ، وجرى الإعداد لوفد الوساطة المصرية برئاسة اللواء نادر الأعسر للقيام بزيارات ميدانية لكل من الضفة الغربية وقطاع غزة، ولكن تعثر انجاز بعض ملفات بناء الثقة خلق حالة من القلق أرجأت تحركات الوفد. مشعل الرشيد  قبل أسبوعين، كتبت مقالاً بعنوان: "الوطن والرجل الرشيد" أوردت فيه أن الأخ (أبو الوليد) يتمتع بحس سياسي ذو بعد رشيد، ولذلك تشهد هذه المواقف والقرارات الحكيمة بأن الرجل – فعلاً - سابق لزمانه، وإذا كان هناك في الساحة الوطنية والإسلامية من يرى غير ذلك، فليقل لنا ما هي الخيارات البديلة لقطع الطريق على الاحتلال وسياساته المتسارعة لتهويد القدس وتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية. إن إسرائيل - بسبب وضعية الانقسام - أعطت لنفسها كامل الحق في الإجهاز على مشروع الدولتين الذي كان قراراً دولياً، وهي تعمل الآن لجعل أمل الفلسطينيين في قيام دولة لهم مجرد سراب أو أضغاث أحلام. إن الكل في الشارع الفلسطيني يدعو لإنهاء الانقسام، ويطالب بتعزيز جبهتنا الداخلية ورصّ الصفوف لمواجهة مخططات عدونا المحتل، الكل – في الشارع الفلسطيني - يلوم قيادات فتح وحماس على استمرار الانقسام، والكل يتهم فتح وحماس بأنها المستفيد الوحيد من حالة التشظي وتهتك الجغرافيا والديموغرافيا الفلسطينية في الوطن المحتل. إن الكل الوطني والإسلامي يعلم بأن إسرائيل هي العدو الذي يستهدف مستقبل وجودنا، وهي الوكيل الحصري لكل متاعبنا، وإنه لا عذر لأحد داخل فتح أو حماس في مناصرة ما هو قائم على الأرض.. من هنا، تأتي براعة القائد وحكمة الرجل الرشيد للأخذ بزمام المبادرة وتوجيه السفينة إلى بر الأمان. إعلان الدوحة: خطوة في الاتجاه الصحيح سيادة الرئيس (أبو مازن) وأخي (أبو الوليد) امضيا على بركة الله، إن مساعيكم الحميد سوف تعيد الثقة لهذا الشعب ولقياداته الوطنية والإسلامية.. إن الخطوة الثانية هي العمل على إصلاح نسيجنا الاجتماعي بتحقيق المصالحة المجتمعية، وكذلك في تضافر الجهود لإعادة هيكلة منظمة التحرير وتفعيلها لتصبح - بحق - مظلة الجميع وحاضنته الوطنية. أنتما الآن أمل الأمة في قيادة شعبنا نحو التحرير والعودة، أنتما - الآن - تستجيبان لمناشدة مناصرينا في كل بقاع العالم كي نُعجّل بإنهاء حالة الانقسام، والتفرغ كصفٍّ واحد لمواجهة إسرائيل ومقارعتها في ساحات الوغى وداخل أروقة المحافل السياسية الدولية، حتى نستعيد مكتسباتنا ونراكم منها المزيد. سيادة الرئيس (أبو مازن) أخي (أبو الوليد).. لا شك أنه كلما تقدمتما في فرض حقائق المصالحة على الأرض فإن آلات التشهير والتراشق الإعلامي ستتوقف، وستضعف لغة التحريض الذي يمارسها البعض لتكريس مظاهر الحقد والكراهية داخل الشارع الفلسطيني، وستنمو - بالتأكيد - مفردات وطنية ودينية أخرى تعزز من وحدة الشعب وقدراته على مواجهة المحتل الغاصب، وتحقيق الانتصار في معركة الحرية والاستقلال.