بعد خمسة لقاءات وصفت بأنها استكشافية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، رعتها العاصمة الأردنية، استقبلت عمان، أول من أمس، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، واضعةً بذلك حداً لقطيعة سياسية بين الأردن وحماس دامت بضع سنوات، وبصرف النظر عن إن كانت هذه الخطوة ستؤدي إلى "نقل" مكاتب الحركة من سورية إلى الأردن، كما يشاع، فإن استقبال مشعل من قبل قمة الهرم الأردني، يعتبر إعلاناً عن علاقة ليست عادية، بل ومتميزة بين الجانبين، ذلك أنه يبقى في كل الأحوال أن مشعل لا يتمتع بأية صفة رسمية مرتبطة بالسلطة الفلسطينية أو المنظمة، مما يعني أن عمّان إنما تستقبل حركة حماس، وذلك لتحقيق أكثر من هدف. لعل عمّان أرادت بهذه الخطوة أن تخفف من حدة رد الفعل على مبادرتها رعاية اللقاءات الاستكشافية الخمسة التي جرت برعايتها وعلى أرضها بين الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي، في محاولة لإحياء المفاوضات بين الجانبين، والتي تثير "حنق" وحتى رفض معظم الفصائل والقوى الفلسطينية، ولا تجد قبولاً لها في الشارع الفلسطيني، وهكذا من شأن استقبال مشعل في عمّان أن يخفف مما حدث من رد فعل على ما سبق وأن بادرت إليه عمّان. ثم يبدو أن الأردن ـ أخيراً ـ ذهب باتجاه موازنة مواقفه تجاه الفلسطينيين، نقصد طرفي المعادلة السياسية الداخلية، وذلك بعد أن أدخل الربيع العربي معادلة سياسية جديدة في المنطقة، كان من شأنها وصول الإسلاميين للحكم وفي مقدمتهم الإخوان المسلمون، الذين تنتمي إليهم حماس، وقد سبق للأردن أن أحدث تغييراً حكومياً يستجيب لهذا التطور الإقليمي، وصار ممكناً استقبال حماس في عمان، بعد إشارات التحول التي تبديها الحركة على طريق انتقال علاقة التحالف من محور الممانعة إلى محور الحكم الإسلامي الذي يتشكل في المنطقة. ثم يبدو أن الأردن وبعد أن "انكفأ" داخلياً لعدة سنوات، يجد أن الظروف تفتح له الأبواب لعودته فاعلاً سياسياً في إطار ما يسمى بلاد سورية الكبرى، فعلى الرغم من أن العرب مجتمعين حاولوا التأثير في الموضوع الفلسطيني، فإن انشغال مصر خلال العام 2011 بشأنها الداخلي جعل الفلسطينيين بحاجة إلى طرف آخر، وإن كان من الصعب على الأردن الدخول في ملف المصالحة كون هذا الملف قد "سجل" باسم مصر منذ سنوات، فإن دخول الأردن على خط الشأن التفاوضي كان أسهل. وفي محاولة من العرب لإحداث حالة توازن في الموقف تجاه الملف السوري، بين تدخل إيراني متحقق وبين تدخل تركي مرتقب، حاول العرب من خلال جامعة الدول العربية إحداث هذا التوازن، لكن ما زال الأمر بحاجة إلى فاعلية ميدانية، إذ إن انشغال سورية أيضاً بشأنها الداخلي يؤهل الأردن للعب دور في الملف السوري، حيث إن الأردن الآن هي الدولة الوحيدة تقريباً من بين أربع دول تشكل سورية الكبرى (سورية، الأردن، لبنان، فلسطين) التي تشهد استقراراً ولا تعاني من مشاكل داخلية واضحة. أو متفجرة. من يريد أن يلعب دوراً سياسياً إقليمياً، عليه أن يدخل الملعب بلياقة عالية، تتحدّد في حالتي التوازن والحيادية بين الأطراف، وهذا ما تظهر عليه السياسة الأردنية الجديدة، خاصة فيما يتعلق بالشأن الفلسطيني. طبعاً كان من الضروري على مشعل أن يؤكد الفصل بين الشأن الأردني الداخلي والشأن الفلسطيني، وكان على الملك أن يؤكد وقوف الأردن إلى جانب الحقوق الوطنية الفلسطينية، وخيار المفاوضات، حتى لا يفهم أحد خطأً أهداف اللقاء بين الطرفين. تعتبر إذا زيارة مشعل لعمّان مهمةً جداً على صعيد العلاقة بين حماس والأردن، وأيضاً على صعيدي الوضع الداخلي الأردني، حيث إن استقبال مشعل في عمان أثلج صدر إخوان الأردن، وبالتالي يخفف من رغبتهم في تحريك الشاعر الأردني، على طريقة الربيع العربي، والوضع الداخلي الفلسطيني، الذي كما سبق وأشرنا، تعتبر الخطوة فعلاً موازناً لخطوة رعاية اللقاءات الاستكشافية، بما يخفف من رد فعل حماس تجاه السياسة الأردنية بالاتجاه الفلسطيني، ويبعد عنها "شبهة" الانحياز لطرف السلطة كما كان حال النظام المصري السابق في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك. لكن في الحقيقة، فإن أهمية الخطوة ستتأكد من خلال الخطوات اللاحقة، وسيظهر إن كانت مجرد خطوة كان من شأنها الانحناء للعاصفة، وتهدئة الخواطر، خاصة أنها جاءت في سياق ضغط قطري على الأردن، تأكد من خلال مرافقة ولي عهد قطر لخالد مشعل، والكل يعلم ـ الآن ـ من هي قطر، التي تملك "الجزيرة"، والتي بمجرد تلويحها أو إشارة من إصبع أميرها، تبث الرعب في أوصال أي زعيم عربي. هل ستتبع الزيارة إقامة علاقة بين الأردن وحماس، تصل إلى حد انتقال مكاتب الحركة من دمشق لعمان، أو توزيع مكاتب هذه القيادة بين عمان والقاهرة، حتى تكون على اتصال بين تنظيمها في كل من غزة والضفة الغربية، أم إن استقبال عمان جاء بعد أن أحرجت تل أبيب الأردن، بإفشالها اللقاءات الاستكشافية، أم إنها جاءت كورقة للضغط على طرفي التفاوض الفلسطيني والإسرائيلي معاً. ما يحدد ترجيح أي من الاحتمالات هو ما يمكن الكشف عنه مما تم خلال الزيارة وإن كانت مجرد، ترطيب للعلاقة، وفتح أبواب عصر جديد من العلاقة بين الحركة والأردن أو أنها تذهب لما هو أبعد بما يأخذ وجهة إستراتيجية، فهل اتفق الجانبان مثلاً على خطوات عملية محددة أو حتى إطارات عامة للمواقف السياسية، غير ما أعلن عن تأكيد على عدم تدخل الحركة في الشأن الأردني الداخلي؟ إن غداً لناظره قريب، وستكشف للجميع الأيام القليلة القادمة، إن كان الأردن أصبح قادراً وجاهزاً للقيام بدور إقليمي على صعيد أكثر من ملف، بسبب انشغال كل من مصر وسورية بقضاياهما الداخلية أم إن الأمر لا يتعدى كونه تحركات ضمن العلاقات بين الأطراف، كل بهدف الحفاظ على وضعه الداخلي، أي أن الطموح الآن بات لا يتعدى الحفاظ على السيطرة الداخلية، في حين أن طموح التأثير الإقليمي إنما هو أمر يقتصر فقط على دول إقليمية ذات وزن وفاعلية : مثل إيران، تركيا، إسرائيل، ثم قطر، وفقط. وأن العصر قد تغير، حيث لم يعد مثلث (مصر، سورية، السعودية) هو مثلث الفعل العربي، في عصر تشهد فيه المنطقة انقلابات، ثورات، أو تحولات عميقة وتاريخية وحاسمة بكل معنى الكلمة. Rajab22@hotmail.com