هنية ومشعل يتصارعان على رسم طريق حماس رئيس المكتب السياسي لحماس، خالد مشعل، الذي يتبوأ منصبه منذ منتصف التسعينيات، يعتزم اعتزال منصبه. فقد أبلغ مشعل قيادة المنظمة بأن ليس في نيته العودة للتنافس على منصبه في الانتخابات القادمة التي ستجرى في الاشهر القريبة في اوساط عشرات اعضاء مجلس الشورى. وأطلع مشعل على خطته كبار رجالات المنظمة في لقاء عقد قبل نحو ثلاثة اسابيع في الخرطوم، عاصمة السودان. وحضر اللقاء اسامة حمدان، موسى أبو مرزوق، رئيس الوزراء اسماعيل هنية ومحمود الزهار. وجاء اعلان مشعل على خلفية الشرخ المحتدم بين قيادة حماس في غزة وقيادة المنظمة في الخارج. في الضفة وفي القطاع يعتقدون بأن مشعل فهم في الاسابيع الاخيرة بأن وزن قيادة غزة يتعاظم، في أعقاب الازمة بين حماس وسوريا وايران. وحسب التقديرات، يعتقد مشعل بأن في نية القيادة في غزة منع اعادة انتخابه الى المنصب، وعليه فقد سبقهم وأعلن بأنه لن يتنافس. الى جانب ذلك، يحتمل ان تكون هذه خطوة ترمي الى ممارسة الضغط على قيادة المنظمة في غزة التي تطالب بزيادة قوتها في اتخاذ القرارات، وتعارض التغييرات السياسية التي يقودها مشعل. بين القيادات في غزة وفي الخارج نشبت خلافات في عدة مسائل: الموقف من اسرائيل، المصالحة الفلسطينية الداخلية، السعي الى اقامة الدولة، وفوق كل شيء – الموقف من سوريا وايران. يبدو ان هنية وكبار رجالات حماس في غزة قرروا الاثبات لكبار مسؤولي المنظمة الذين فروا مؤخرا من دمشق بأنهم لن يوافقوا بعد الآن على تلقي القرارات التي تنزل عليهم من فوق ولا يكونوا راضين عنها. موقف قيادة غزة لاقى الاسناد حين حاول مشعل تغيير استراتيجية الكفاح لحماس، وقيادة المنظمة نحو مصالحة تاريخية مع فتح والتركيز على ادارة الكفاح على نمط الربيع العربي. كل هذا في الوقت الذي بقي هنية من جهته، متمسكا بموقفه ومطالبا بتوحيد الصفوف مع الجهاد الاسلامي. رئيس الذراع العسكري لحماس في القطاع، احمد الجعبري، لم يعلن بعد أيا من الطرفين يؤيد. التوتر الشديد بين هنية ومشعل بدأ في أعقاب لقاء المصالحة بين رئيس المكتب السياسي ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) في تشرين الثاني في القاهرة. وقبل ذلك، في أيار، اضطرت قيادة غزة الى ان تسمع مشعل يعلن بأن حماس "مستعدة لاعطاء فرصة اخرى للسلام". في تشرين الثاني أضاف بأن المنظمة تؤيد اقامة دولة فلسطينية في حدود 1967، الانضمام الى م.ت.ف، ومعنية بالتركيز على "الكفاح الشعبي" فقط، دون استخدام السلاح الناري. رد فعل هنية على هذا المذهب لم يتأخر. في البداية شرح بأن الكفاح المسلح هو خيار استراتيجي، وعمليا هو الامكانية الوحيدة لحماس لتحقيق أهدافها. وفي زيارته الاخيرة الى مصر، تركيا والسودان، أوضح هنية بأن الدولة الفلسطينية ستقوم على أي سنتيمتر من فلسطين، من النهر حتى البحر، وان حماس لن تعترف باسرائيل أبدا. ونالت المواجهة بين هنية ومشعل الزخم ايضا في لقاء قيادة المنظمة في الخرطوم، حين انتقد هنية مشعل علنا. وهكذا، في غضون اسابيع معدودة فقط تحول رئيس حكومة حماس من أحد الزعماء الذين يعتبرون الأكثر براغماتية في قيادة المنظمة، الى صقر يحاول شق طريق مشعل الى الخارج. بالمقابل، طرأ تخفيض في مكانة مشعل، ينبع من ضعف العلاقات مع سوريا وايران. فضعف نظام الاسد والاضطرابات في الدولة أدت الى تقليص في حجم المخصصات التي حولتها سوريا الى حماس، وبالتوازي الى المس بتدريبات نشطاء حماس في اراضيها. وفضلا عن ذلك، قلصت ايران ايضا حجم الاموال التي تحولها الى حماس. الفوارق بين المنظمتين بارزة ايضا من ناحية السلوك تجاه الجهاد الاسلامي. وهكذا في كانون الاول الماضي اعتقل رجال حماس في غزة نشطاء من الجهاد وحققوا معهم للاشتباه بالتخطيط لاطلاق صواريخ قسام على اسرائيل. ورغم ذلك، يوم الثلاثاء الماضي التقى هنية مع أحد كبار مسؤولي الجهاد، محمد الهندي، أثنى على منظمته ودعا الى الوحدة بين المنظمتين. الفوارق بين موقف المكتب السياسي من الجهاد وبين موقف قيادة غزة من المنظمة تحتدم على خلفية موقف المنظمتين من السيدين ايران وسوريا. فحماس تحاول ابعاد نفسها عن الحكم في دمشق، وعائلات كبار رجالات المنظمة غادرت في الاشهر الاخيرة الدولة، فعائلة نائب رئيس المكتب السياسي موسى أبو مرزوق، أُخليت الى مصر، عضوان آخران في المكتب السياسي أخليا هما ايضا العاصمة السورية هذا الاسبوع. وأفادت مصادر فلسطينية بأن عائلة مشعل تتواجد في معظمها في قطر، ولكن بعضها لا يزال في سوريا. وهكذا فان عدد النشطاء الكبار المتبقين في سوريا قل. بالتوازي مع العلاقات المتضعضعة مع سوريا سجل توتر ذروة ايضا بين قيادة حماس والحكم في طهران، بعد عدم استجابة حماس لمناشدات ايران عدم ترك سوريا. أما الجهاد الاسلامي في المقابل فتقترب بشكل متسارع من نظام بشار الاسد. في نهاية كانون الاول الماضي بعثت المنظمة بعشرات النشطاء للتدرب في سوريا وفي ايران. وأفادت مصادر فلسطينية بأن الخطوة جاءت بعد ان ضغط الايرانيون على قيادة الجهاد لادارة سياسة تأييد علنية للنظام السوري. بل ان طهران ألمحت بأنها ستوقف المساعدات المالية للجهاد اذا لم تبعث هذه بنشطائها الى التدريبات.