خبر : لقاءات استكشافية عبثية ..رجب ابو سرية

الثلاثاء 17 يناير 2012 11:21 م / بتوقيت القدس +2GMT
لقاءات استكشافية عبثية ..رجب ابو سرية



لم يشفع وصف اللقاءات بين الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي في عمان، بالاستكشافية للقيادة الفلسطينية، أمام الرأي العام الفلسطيني شعوره بالمفاجأة وعدم قبول الخطوة السياسية، التي ترى فيها كثير من القوى "تراجعاً" فلسطينياً عما هو متوافق عليه داخلياً من عدم العودة للمفاوضات، دون إعلان إسرائيلي صريح بوقف الاستيطان، والموافقة على محددات للعملية التفاوضية بقبول أن تكون على اساس حدود 67 ووفق سقف زمني متفق عليه. صحيح ان اللقاءات بين الوفدين تتم ضمن إطار الرباعي الدولي وبرعاية اردنية، لكنها لا تجري عبر الوسطاء، كما كانت تجري من قبل جولات وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي أو غير مندوب دولي، فعلى طاولة واحدة يجلس الوفدان مع ممثلي الاردن والرباعي الدولي. السؤال الجوهري هنا يتعلق بالسبب الذي دفع القيادة الفلسطينية، حصراً، للموافقة على ما كانت ترفضه من قبل، هذا إذا ما قدرنا بأن الجانب الإسرائيلي طالما طالب بمفاوضات ثنائية دون شروط، الجواب له عدة جوانب، منها: أولاً _ أن اللقاءات ليست ثنائية، فهي تجري بحضور الأردنيين والرباعي الدولي، ولا ترتقي الى مستوى التفاوض، فالجانب الفلسطيني قدم تصوره للحل مكتوباً، وانتظر الرد الإسرائيلي. ثانياً _ لأن عين الفلسطينيين على الموقف الدولي، خاصة الموقف الأوروبي، وهو يسعى الى نزع حجج الأوروبيين برفض المطلب الفلسطيني في الأمم المتحدة، والذي سيق من قبل لتبرير تصويت الأوروبيين ضد ذلك الطلب في مجلس الأمن. الجانب الفلسطيني يغفل هنا، أن الأوروبيين حين أقترحوا مهلة ثلاثة أشهر، لمنح العملية التفاوضية فرصة أخيرة، انما كانوا يبحثون عن مخرج لهم، وليس للحل، لأن الطلب الفلسطيني في مجلس الأمن يضعهم في "مواجهة" سياسية مع الولايات المتحدة، ويحرف الأنظار عما يحدث في بعض الدول العربية من حراك شعبي. وهكذا، فإنه حتى يوم السادس والعشرين من الجاري، وفي حال لم تتوصل الأطراف الى توافق ما، فإن ذلك لا يعني أن الأوروبيين سيغيّرون موقفهم تلقائياً، وأنهم سينحازون الى الجانب الفلسطيني، ويصوّتون مع طلبه بالموافقة على عضوية فلسطين في الأمم المتحدة. وكان يمكن أن تكون هناك مؤشرات على هذا لو ان الأوروبيين وحتى الأردنيين يشاركون في مفاوضات جماعية، لكن، هم عملياً شهود صامتون، يشجعون الطرفين على تبادل الوثائق التي يقال إنها استكشافية، مع ان الجانبين _ الفلسطيني والإسرائيلي _ أمضيا سنوات طويلة يستكشفان معالم الحل بينهما! ما الذي سيكون عليه الحال بعد 26 من الجاري؟ سارعت واشنطن للتبشير بتمديد الوقت، وربما خلال عدة أيام، سيزيد الضغط على الجانب الفلسطيني ليقبل استطالة أخرى في المهلة، الذي يرجح هذا هو انه ليس لدى الجانب الإسرائيلي أي جديد، وقد لوّح الإسرائيليون فقط بتسهيلات للسلطة في الضفة الغربية، مثل: إطلاق سراح معتقلين، وإزالة حواجز، أي تحسيناً طفيفاً لمظهر الاحتلال، وهذا لم يتم لأنه من الواضح أن الجانب الفلسطيني قد رفض هذا. اقتراح تمديد المهلة، هو محاولة أميركية لقطع الطريق على إمكانية التحول في الموقف الأوروبي، وإبقاء الأمور أطول وقت ممكن على ما هي عليه، في انتظار ان تنتهي التحولات الجارية في المنطقة، بترتيب الأوضاع في مصر، وبالتغيير في سورية، ثم التحلل من مسؤولية الملف بعد ذلك بحجة الانتخابات الأميركية! الحقيقة أن الموقف الفلسطيني بعد ان وافق على المبادرة الأردنية، وبشكل مفاجئ لا يبدو موقفاً مطمئناً، وهو يغري الأميركيين والإسرائيليين بمواصلة التشبث بموقفهم المصرّ على انه لا حل الا عبر مفاوضات غير مشروطة، يسميها الجانب الفلسطيني مفاوضات عبثية، خاصة وان الموقف الفلسطيني حتى يكون قادراً على فرض شروطه ما زال بحاجة الى عاملي قوة لا بد منهما، سبق وفي أكثر من مناسبة وفي أكثر من مقال أن صرّحنا بهما: إنجاز فعلي وحقيقي وتام للمصالحة، ورص الصفوف الداخلية، وإغلاق كل الشقوق والنوافذ في الجدار الوطني، وإطلاق مقاومة شعبية سليمة، تضغط على الاحتلال الإسرائيلي، وتحيل احتلاله الى احتلال خاسر. فإذا كانت الموافقة الفلسطينية - دون وجود أية ضمانات، سوى تلك الرهانات التي أشرنا إليها، وهي الذهاب الى تقليب كل حجر، لإقناع الأوروبيين بتغيير موقفهم من المطلب الفلسطيني في الأمم المتحدة - قد تمت بما يعتبر "تنازلاً" او تراجعاً في الموقف، اي أن إجراء تلك اللقاءات لم يكن في صالح الفلسطينيين، بل على العكس، كاد يطيح في لحظة، بالمنجز الهش على طريق المصالحة، (نستذكر هنا منع "حماس" دخول بعض قادة "فتح" لغزة، قبل نحو أسبوعين)، وما كان يمثل "إنجازاً" عظيماً للإسرائيليين، فمن الرابح الأكبر من إجراء هذه اللقاءات؟ هذا سؤال مهم في السياق لإدراك ما يحيط بالملف الفلسطيني من تداخلات مهمة ومؤثرة، وربما لا يجد معها أي حل دون أخذها بعين الاعتبار. بعد اللقاء الأول الذي قدم فيه صائب عريقات التصور الفلسطيني للحدود والأمن، واللقاء الثاني الذي عاد فيه الإسرائيليون بالرد، كادت اللقاءات تتوقف عند تلك النقطة، لكن اللقاء الثالث، كان أخيراً من وجهة نظر الفلسطينيين، وقد أعلن الناطق باسم الرئاسة بهذا، لكن تراجعاً آخر حدث في الموقف الفلسطيني، حين تم الاتفاق على ما يبدو ان تستمر اللقاءات حتى يوم 25 من الشهر الجاري، اي استثمار كل الفترة المتفق عليها في تنبيش" والتفتيش عن بارقة توافق ممكنة. ما هو واضح ان الجانب الأردني هو المستفيد الأكبر من هذة اللقاءات، فهي أعادت للأردن دوره وحيويته التي غابت عن السياسية الإقليمية سنوات مضت، ومن الواضح ان الرئيس أبو مازن قدم للملك عبد الله تلك الهدية، اي موافقته على اللقاءات، من أجل المصلحة العليا الأردنية، التي يبدو انها بحاجة لهذه الخطوة، لمواجهة ما يحدث في المنطقة من حراك شعبي، بات مجاوراً للأردن _ في سورية _ حيث صار الأردن مرشحاً باستقراره للعب دور إقليمي، خاصة في ظل فراغ محتمل سيحدث مع تغيير النظام في سورية، بحيث يصبح الاردن، الدولة المركزية، في "سورية الكبرى" _ سورية، لبنان، الاردن وفلسطين _ كذلك محاولة من القيادة الأردنية لاحتواء اي حراك محتمل في الشارع الأردني يشارك فيه الفلسطينيون، حيث حينها، لن تكفي الإصلاحات المحدودة من نمط تغيير الحكومة ـ من البخيت الى الخصاونة ـ كافية. ولأن الأردن يتخوف جداً وفعلاً من انسداد الأفق بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومن لحظة اندلاع انتفاضة فلسطينية في الضفة الغربية، يكون من شأنها ان تخرج الشارع الأردني عن بكرة أبيه دعماً وتأييداً وتعاطفاً مع انتفاضة الضفة الغربية، بما يهدد النظام الأردني الحالي جدياً، خاصة وان المنطقة بأسرها تغلي، وسقوط النظام السوري، قد يفتح بعد ذلك بوابة الدخول للمرحلة التالية من الربيع العربي، لتشمل الدول ذات الأنظمة الملكية، ومنها النظام الأردني. فهل يعني انضمام الأردن للجانب الفلسطيني، في محاولته البحث عن حل لانسداد افق الحل على صعيد الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، يعني ان مثل هذا الحل بات ممكناً ؟ الجواب بالقطع هو: لا، وما لم يصل الحراك الى الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي معاً، حتى يحقق الربيع الفلسطيني مع الربيع الإسرائيلي حلاً إبداعياً، فإن أنظمة كانت جزءا من المشكلة لن تكون جزءا من الحل , وهكذا، فان أي مفاوضات لو استمرت الف سنة واتخذت كل المسميات الناعمة لن تكون الا عبثية , ودون أية نتيجة .