خبر : حول المصالحة الفلسطينية المتعثرة والمؤجلة ..د. سعيد زيداني

الأحد 15 يناير 2012 04:32 م / بتوقيت القدس +2GMT
حول المصالحة الفلسطينية المتعثرة والمؤجلة ..د. سعيد زيداني



ويسأل سائل من أهلها: لماذا لم يتم بعد إنجاز المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية المرجوة، على الرغم من التفاهم الذي تمّ والاتفاق الذي وقع بين حركتي فتح وحماس، وما رافق وأعقب ذلك من لقاءات ومصافحات وعناق "إخوة أعداء"؟ وما الذي يقف عائقاً أمام تشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة وفاق وطني من جهة، وأمام إعادة إحياء وتفعيل المجلس التشريعي الذي يعاني من الشللّ الكلي منذ بداية دورته من جهة أخرى؟ ومن منا مقتنع، أصلاً، بأن الخلاف على شخص رئيس الوزراء هو إحدى العقبات الكأداء في سبيل إنجاز مصالحة يتوق إليها الكثيرون ويلحّون في طلبها؟ ومن منا مقتنع حقاً بأن إجراء الانتخابات العامة، التشريعية والرئاسية، في أيار القادم، إذا انعقدت، هو عصا الساحر أو حبل الخلاص من انقسام كانت نتائج الانتخابات التشريعية السابقة سبباً رئيساً في إحداثه؟ إذا كنت أعدّ رأسي، حين تعدّ الرؤوس، من أشدّ أنصار المصالحة ومن ألحّ المطالبين بإنجازها، إلا أنني أعتقد في الوقت نفسه أن هناك أكمات حقيقية ما زالت تعترض الطريق وتحجب الرؤية، علينا التعرف إليها، واستكناه ما وراءها، وذلك قبل ومن أجل تحديد فرص وسبل تجاوزها. فتعالوا نتكاشف: 1. ليس متيسراً، في اعتقادي، إنجاز المصالحة المنشودة دون التوافق أولاً بين الفصائل / الأحزاب الفلسطينية (أساساً فتح وحماس) على برنامج عمل سياسي ونضالي يكون أيضاً برنامج عمل حكومة الوفاق الوطني حيث يتم تشكيلها. غني عن القول إن مثل برنامج العمل هذا يجب أن يكون متساوقاً مع شروط ومقومات "العملية السياسية" كما تحددت عربياً (المبادرة العربية لعام 2002) ودولياً (قرارات مجلس الأمن الدولي أساساً). هذا يعني أن على حركة حماس، وليس فقط حكومة الوفاق الوطني، أن تقبل صراحة بهذه الشروط والمقومات. وهذا ليس متيسراً الآن، كما نعرف ذلك جيداً. وفي غياب ذلك، لا أتوقع لقطار المصالحة أن ينطلق، وبالسرعة اللازمة، نحو الهدف. 2. وكيف لقطار المصالحة أن ينطلق أيضاً، وبالسرعة اللازمة، في ظل المخاوف الحقيقية لكل من الطرفين الرئيسين (فتح وحماس)، الواحد من الآخر، بانتخابات عامة أو دونها؟ هناك مخاوف حقيقية لدى فتح بخسارة الضفة الغربية أيضاً، مثلما هناك، في المقابل، مخاوف حقيقية لدى حماس بخسارة غزة أيضاً. أضف إلى ذلك، أن خسارة حماس لغزة قد تعني نهايتها كقوة سياسية / نضالية مؤثرة، تماماً مثلما قد يّعني خسارة فتح للضفة الغربية نهايتها كقوة سياسية / نضالية مؤثرة (وربما نهاية منظمة التحرير الفلسطينية معها أيضاً). 3. وكيف ينطلق قطار المصالحة، وبالسرعة اللازمة، في ظل "ربيع عربي" وضع المنطقة برمتها في دوامة من عدم الاستقرار، من المفاجآت ومن فوضى المراهنات والتداعيات؟ حماس، أساساً، تتوقع الكثير من نتائج عملية التحول الديمقراطي في كل من تونس ومصر وغيرها من الدول المتأثرة، في الوقت الذي أصبح وجودها في سورية غريباً ومزعجاً، لها وللدولة المضيفة على السواء. أما السلطة الفلسطينية، وفتح في عصبها وصلبها، فما زالت حائرة وتنتظر. في ظل ربيع طويل كهذا، أستبعد كثيراً أن ينطلق قطار المصالحة، بالسرعة اللازمة، نحو المحطة الهدف. على خلفية الاعتبارات أعلاه، وهي مرتبة حسب أهميتها، أودّ أن أخلص إلى الآتي: أ‌. أن تحقيق المصالحة الحقيقية ليس وشيكاً. ب‌. أن الربيع العربي المستمر، وما له من تداعيات وما يخبئ من مفاجآت وما ينطوي عليه من مراهنات، لا يحفز على التسريع في إنجاز المصالحة الحقيقية. ت‌. أن التوافق على برنامج عمل سياسي ونضالي تلتف حوله الفصائل المختلفة (ومن ضمنها حماس) يظل بعيد المنال، خاصة إذا أريد له أن يكون متوافقاً مع مبادرة السلام العربية والقرارات الدولية (لمجلس الأمن أساساً). وفي غياب توافق كهذا يتعسرّ إنجاز مصالحة حقيقية، أي مصالحة ذات مضمون وذات جدوى (وليس مصالحة تنذر بحصار سياسي ومالي). إذن، ما العمل؟ أعتقد أن للأفكار الآتية فضيلة تبيان الطريق لمصالحة حقيقية، وإن لم يكن بالسرعة المرجوة: 1. الاتفاق على إجراء الانتخابات التشريعية في أقرب فرصة ممكنة، وعلى أساس التمثيل النسبي. 2. الاتفاق على إجراء الانتخابات الرئاسية في أقرب فرصة ممكنة، واعتبار نتائجها بمثابة استفتاء على برنامج العمل السياسي والنضالي الملزم للجميع (يشمل حماس). 3. الاتفاق المسبق، أي قبل إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، على الآليات والمبادئ التي تحكم عملية إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية. 4. الاتفاق على أن يظل برنامج العمل السياسي والنضالي الذي يتم على أساسه عقد الانتخابات الرئاسية نافذاً إلى أن يتم تعديله من قبل منظمة التحرير الفلسطينية بعد إعادة بنائها، والتأكيد على صفتها كمرجعية وطنية عليا، للسلطة الفلسطينية كما للمفاوضات مع إسرائيل. هذا كله، بالطبع، إضافة إلى الاتفاق على شخص رئيس الوزراء، تحريم الاعتقال السياسي وإطلاق سراح المعتقلين على هذا الأساس، حظر ممارسات الثأر وتصفية الحسابات، إعادة بناء الأجهزة الأمنية على أسس الكفاءة والمهنية (ودمج العناصر المسلحة فيها)، وهكذا. وفي هذا الصدد، قد يكون التعاطي مع فكرة الفدرالية بين غزة والضفة الغربية حافزاً إضافياً لدفع قطار المصالحة إلى الأمام وبأمان. وفي ظني، أنه لا يجوز استثناء فكرة الفدرالية دون التداول المتأني والتفكير المتروي، لما قد يكون لها من مآثر عديدة في تبديد مخاوف أو إسكات هواجس كثيرة، آنياً ومستقبلاً على حدّ سواء. * أستاذ الفلسفة المشارك ـ جامعة القدس.