خبر : في انعكاس صورة الشعب على وجه الزعيم: سورية وأزمة الأربعين ... حسين حجازي

السبت 14 يناير 2012 09:53 ص / بتوقيت القدس +2GMT
في انعكاس صورة الشعب على وجه الزعيم: سورية وأزمة الأربعين ... حسين حجازي



تشكّل وجوه القادة والرؤساء والملوك.. المرآةَ التي يمكن أن نرى من خلالها واقع الحال لدى شعوبهم، والمزاج العام لدى هذه الشعوب. هكذا كانت صورتهم، هي الصورة الانعكاسية لشعوبهم. الزعماء السوفييت الطاعنون في الشيخوخة والمرض، قرب انهيار الاتحاد السوفيتي. بخلاف بوتين الذي يفيض حيويةً وطموحاً بنظرته الثاقبة والمتحدية، تشي باستعادة روسيا تحديها. رؤساء الولايات المتحدة المتعاقبون، على غرار أباطرة الرومان، أسياد العالم: ريغان في صورة الشرير العدواني الصلف والمتغطرس المتأهب دوماً للانقضاض والهجوم. ونيكسون البارد والخبيث، وحتى بيل كلينتون في صورة الإمبراطور اللعوب. وبوش الابن الكلب المسعور الذي غزا العالم. جمال عبد الناصر في صورة مصر المنبعثة من جديد، في عصرها الذهبي، بابتسامة تأسر القلوب، كانعكاس لمصر الستينيات، التي تنضح بالتنمية والتصنيع والبناء، كما بالفن والغناء. القامة المديدة لزعيم ورجل وبطل، بعينين ساحرتين كأنما يعانق السماء. مصر المرفوعة الرأس على النقيض من مبارك المغرور والعنيد، الغرور الأجوف لرجل قزّم مصر. وانظروا إلى وجه عرفات، لكيما تكتشفوا قوة الإرادة، البأس العظيم للفلسطينيين، وقوة التصميم والكرامة. وهل نلقي بلمحة أخيرة إلى ساركوزي الحار والمتسرّع في تقلب السياسة الفرنسية. هيا نقارب إذن الأزمة السورية من زاوية اقتراب أخرى. أي مزاج، واقع الحال يشي بانعكاس صورة سورية على وجه رئيسها الشاب بشار الأسد اليوم، رئيس بدا في خطابين، قبل أيام، ثابتاً واثقاً من نفسه، قادراً على بسط القضايا أمام شعبه، في خطاب أشبه بخطاب أثيني، كان عفوياً، صريحاً دونما إثارة، وفي الوقت نفسه متسقاً ومثابراً. فما هو ظل الانعكاس الشعاعي المغناطيسي، بين هذا الرجل وشعبه؟ ولماذا تقوم ثائرة البعض من شعبه عليه مطالبين برأسه، وكيف لنا أن نفسر من جهة أخرى الصورة المقابلة في الإعلام له، والتي يُبذل جهد واضح لتصويره فيها، باعتباره الشيطان، والعدو الأوحد في العالم اليوم. في حرب دعائية إعلامية وسياسية، قل مثيلها. ولكن هنا بالضبط تكمن المفارقة بل المعضلة السورية. هذه سورية بعد حكم آل الأسد، لها أربعون عاماً، في عمر رئيسها تحاول البحث من جديد عن هويتها، ووعيها بذاتها، تدافع في وقفة أخيرة، عن آخر حصن للقومية العربية، التي استنزفت الجزء الأكبر من خطاب رئيسها لإعادة تعريفها، وإزالة الالتباس حولها. كآخر حلقة، في السلسلة الممتدة من ناصر وصدام حسين، وياسر عرفات مروراً بأبيه، في مواجهة الشيخ. أو لهذا السبب بدا خالد مشعل ممزق الوعي في محاولته المصالحة، التسوية، بين القومية العربية والإخوان، بين الشيخ يوسف القرضاوي وبشار الأسد؟ مختاراً الوسط. ولكن من قال إن العدو هو الإخوان حتى في سورية؟ وإذ نمضي في هذا التحليل التجانسي وثمة في الطب نظرية أخرى هي "الطب التجانسي"، هل ثمة صلة، علاقة بين أزمة الأربعين، منتصف العمر، لسورية العربية البعثية تحت حكم آل الأسد، وبين فتاها حكيم العيون، الذي دخل للتو أزمة منتصف العمر، أزمة الأربعين. إن سورية تبدو معه، مصطحباً زوجته وأولاده إلى ساحة الأمويين. يداً بيد بين شعبه، أكثر نضارةً وشباباً في نظرتها إلى المستقبل. ليس الحل أن تتزوج سورية بعد الأربعين من زوج آخر، وتتنكّر لتاريخها، حذار لئلا تصاب بالجلطة في القلب، وهي قلب العروبة. لكن إلى الإصلاح تقويم العمود، "عمود السماء" كما قيل عنها قديماً. ليس لها أن تتزوج فكرة أخرى، أو تخضع، تنهار وتستسلم للطالبين، ويعود الصراع عليها، فيما آل الأسد، استطاعوا أن يجعلوه معها، إعادة تقويم الاعوجاج، لكي يبقى عمود السماء شامخاً، وبوابة دمشق بوابة الشرق العظيم. شاب في الأربعين، وسيم وهادئ وحكيم، لم تستطع قناة الجزيرة، أن تقتطع جملةً واحدةً شاردةً لكي تضعها، عنواناً في الحملة. قال لشعبه أتيت لكي "أستمد القوة منكم، لئلا أضعف"، بعد أن عبر عن دهشته "الله أكبر ما هذا الحشد". لمَ بدا الرئيس الشاب وكأنه يلقي خطاب النصر؟ قالت صحيفة (هآرتس) إنه نصف انتصار وهذا دقيق فعلاً، وقال روبرت فيسك، إنه خطاب العام، ولكن هيلاري كلينتون وصفته بالخطاب الأسود، بينما كانت تستقبل رئيس الوزراء القطري حمد، الذي قال إنه لم يفرج عن المعتقلين. أمضى المعتقلون السوريون في سجون الأسد أشهراً وأياماً، لكن ألم يكن المعتقلون الفلسطينيون يستحقون إشارة في هذا اللقاء وقد أمضى الكثيرون منهم ثلاثين عاماً في السجون يا شيخ حمد؟ هل أدركنا الآن لماذا يبدو الأسد منتصراًَ في هذا النزال؟ لأن الخصوم المحركين هم في الأصل مشتبهون. هذه هي الجامعة العربية، وهذه هي سورية. هذا هو النظام، وها هم آل الأسد، وها هي المعارضة، من يعارض لا يذهب إلى السفارات، والعروبة لا تكون باستبدال هيئة المقاطعة العربية لإسرائيل بمقاطعة سورية، ولا المطالبة بالمعتقلين السوريين بديلاً عن المعتقلين الفلسطينيين في سجون إسرائيل. بدا منتصراً لأنه يعبّر عن كرامة سورية وكرامة شعبه، فمن هم حلفاء المعارضة، والثورة السورية اليوم؟ ومن هم حلفاء النظام السوري، وأي سورية لو سقط نظام الأسد؟. هاكم زاويةً أخرى للمقاربة، كما أن الأبناء البكر الذكور يمضون في اتجاه معاكس لآبائهم، على النقيض منهم حتى في الهيئة. كذلك النظم السياسية التي ترث الحكم إثر انقلاب أو ثورة. المنصف المرزوقي وحزب النهضة في تونس على نقيض بن علي، الثوار الليبيون والقذافي وحزب الإخوان في مصر ومبارك، وهكذا تونس وليبيا ومصر، على النقيض من المعارضة السورية، مقابل نظام الأسد العروبي. دونما هوية، والفلسطينيون ضحايا، مرة أخرى كما العراق. لكن ليس لهذا السبب يبدو كما لو أننا نفضّل بقاء النظام الحالي، وإن يكن حتى هذا السبب وجيهاً فليس ثمة مشروعية، لثورة لا ترفع العلم الفلسطيني، باعتبار قضية فلسطين هي التي تختزل مفهوم العدالة والظلم، والحرية. ولكن لأنه لا يمكن تجاهل الحقائق المادية على الأرض، وهذه الحقائق التي استوقفتنا مبكراً لاعتبار هذه الثورة مشروعاً فاشلاً وأن السوريين هم ضحايا ليس للعبة أمم قذرة فحسب، وإنما للعبة دم يشارك فيها وسائل إعلام ومحللون، كتاب وساسة ومتآمرون، ليس الهدف إصلاح سورية، وإنما قتل سورية. أين ميادين الثورة؟ أين الإجماع الشعبي على غرار تونس وليبيا ومصر؟ الإجماع الذي نجده في الواقع حول النظام حتى في استطلاعات أجنبية وعربية، معادية للنظام. ويخرج علينا بصورة خبيثة رئيس الأركان الإسرائيلي ضمن الجوقة، الحرب النفسية، ليضفي مصداقية، حول التكهنات بقرب انهيار النظام، إنه يتوقع استيعاباً إسرائيلياً للاجئين علويين، يفرون من سورية. انظروا كيف الدس لإذكاء النزعة الطائفية في سورية، يجب أن نفهم كفلسطينيين وعرب، أن سقوط سورية اليوم يعني سقوط الشرق، ودق سكين جديد يفصل جناحي الوطن العربي الكبير، المشرق والمغرب. بين مصر أرض الكنانة وبلاد الشام. هل تعرفون ماذا قال شكري القوتلي، في العام 1958 بعد أن عقد اتفاق الوحدة مع عبد الناصر "إن ما بين سورية ومصر ليس حدوداً، وإنما جروح". جروح سكين "سايكس بيكو" التي رسمت حدوداً مصطنعةً بين الدول العربية. وما يحدث اليوم يريدون إعادة تعميق هذه الجروح والتي حاول شكري القوتلي وناصر دملها. واليوم ليس سوى على رفقاء السلاح مصر وسورية الوقوف معاً في وجه هذه المحاولة.