لأن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، سبق وأن رفض مؤخراً توصيات وزيري الأمن الداخلي والعدل، بأن يتم التعامل مع نشطاء اليمين المتطرف في الضفة الغربية، كأعضاء في منظمات إرهابية، لأن ذلك قد حدث، فقد كانت المفاجأة كبيرة عندما قال "يورام كوهين" رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي – الشاباك، في سياق اجتماع لعدة سفراء في وزارة الخارجية، إن نشطاء اليمين الذين يقومون بأعمال "تدفيع الثمن"، إنما هم أعضاء تنظيم إرهابي ليس إلاّ!!. وعلى الرغم من إحكام قبضة نتنياهو على حكومته، فإن أخطاراً حقيقية هددت وحدتها وتماسكها جراء فشلها في التصدي للعديد من المشكلات الخطيرة، والتي برزت خلال ولايتها، فمن أزمة غلاء المعيشة وأسعار السكن وثورة الخيام، إلى فضيحة الفشل في إطفاء حريق الكرمل، وكذلك الحصار السياسي الذي فُرِض على إسرائيل إثر الفشل في إقناع حكومتها بالتخلي عن خططها الاستيطانية، مما أفشل كل المحاولات الدولية لاستئناف العملية التفاوضية مع الجانب الفلسطيني، إلى الشغب والإرهاب المتمثل بـ"تدفيع الثمن"، والذي تحول من مواجهات مع الفلسطينيين، إلى مواجهات بين المتطرفين الإرهابيين والجيش الإسرائيلي نفسه، وبحيث تحولت البؤر الاستيطانية التي تعتبرها أوساط إسرائيلية عديدة غير شرعية، إلى مستوطنات تعد مستوطنيها بشن حرب توراتية على الحكومة والنظام السياسي الإسرائيلي، الذي يحاول أن يسوق نفسه كنظام مدني علماني، وأخذت الأصوات ترتفع، من أن التهديد الوجودي للدولة العبرية، لم يعد موجهاً من الخارج، من العرب، وربيعهم، ومن إيران وتسلحها النووي، ولا من القاعدة وتفرعاتها، بل من "يهوديتها المفرطة"، والتي تتشارك في تسويقها مجموعة من الحاخامات المتطرفين وعتاة الإرهابيين في مستوطنات الضفة الغربية بما فيها القدس، أي التهديدات الداخلية، باتت تؤرق أوساطاً مختلفة ومتباينة، لكنها تدرك معاً، أن هذا الخطر يتجاوز كل الأخطار الخارجية التي كانت تهدد وجود كيان الدولة العبرية من أساسه!. ولا يعتبر التيار المتدين في بيت شيمش، مركز التوتر الأخير، أنه من المتطرفين، بل هم متدينون أرثوذكسيون، والذين يشكلون عشرة بالمائة من السكان اليهود في إسرائيل، كما أن هؤلاء لم يجنحوا إلى هذا التوتر الداخلي، إلا بعد أن ظنوا أن التشكيل الحكومي الحالي أكثر قدرة على الاستجابة لمطالبهم المتعلقة بالفصل بينهم وبين العلمانيين في المدينة، لأسباب عقائدية، والواقع أن هؤلاء نجحوا في إشعال التوتر قبل عامين بعد احتكاك متعمد لفرض الفصل بين النساء والرجال في كل مكان، بحيث تسير النساء على أحد جانبي الشارع، بينما الجانب الآخر مخصص للرجال فقط، وكما في الشارع، كذلك في المواصلات العامة والخاصة والأسواق، وفي كل مكان، وتقدم عضو مجلس المدينة، حينذاك، ريتشارد بيرس من حزب العمل، باقتراح يقضي بتقسيم المدينة إلى سلطتين، معتبراً أن التجربة أشارت إلى أنه لا يمكن التوفيق بين المتدينين والعلمانيين في المدينة، الفكرة لم تلق استحساناً من الأصوليين، وهم الأكثر تشدداً من المتدينين، لأن هؤلاء اعتبروا أن المدينة مدينتهم وعلى الأطراف الأخرى، إما الالتزام بأفكارهم، أو الرحيل. في بيت شمس، الاسم الأصلي الفلسطيني لمدينة النزاع هذه، لا يزال اقتراح الفصل قائماً، ولكن هذه المرة، من قبل رئيس الحكومة نتنياهو بالذات، الذي تداول الأمر مع وزراء شاس في حكومته، وزير الداخلية ايلي يشاي، ووزير الإسكان ارئيل اتياس، كما تباحث مع وزير الداخلية بشأن تغيير رئيس البلدية، إلاّ أن نتنياهو على الأرجح تراجع عن هذا الاقتراح بعد عاصفة من الانتقادات من قبل الأوساط العلمانية، وبعض أطراف حكومته، خاصة حزب إسرائيل بيتنا بقيادة ليبرمان، حيث اعتبر أمر تقسيم المستوطنة، ما هو إلاّ استجابة لإملاء قادة المتعصبين الحريديم المتزمتين، وخضوعاً لسياسة الإكراه التي باتت تهدد ما تبقى من مزيج المجتمع اليهودي في فلسطين المحتلة، من خلال تأسيس دولة المتزمتين داخل الدولة العبرية، فهم لا يصوتون في الانتخابات، مع أن ميزانيات الدولة تذهب في معظمها، أو في جزء كبير منها، لصالح تأكيد هويتهم الدينية الخاصة، وهم يهاجمون الجيش الإسرائيلي والشرطة مع أنهم لا يتجندون في الجيش الذي يطالبون بحمايته عندما يلزم الأمر، هم عملياً دولة داخل دولة، وما اقتراحات الفصل معهم، إلا الدليل والاعتراف بهذا الأمر، الذي لا يحب نتنياهو وحكومته الاعتراف به. وكي تقوم مثل هذه الدولة في الداخل الإسرائيلي، فإن للمتزمتين ما يشبه الحكومة، وخاصة في مجال الأمن والتخطيط للمواجهات، فقد كشفت تحقيقات الشرطة الإسرائيلية وجهاز الأمن العام – الشاباك، عن شبكة تابعة لهذه الجماعة من اليمين الديني المتطرف، تقوم بمتابعة نشاطات وتحركات قوات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، بهدف الاستعداد لأية مواجهة، والتشويش على ما تسميه إسرائيل "إخلاء" النقاط الاستيطانية، وقد تم اعتقال ستة من هؤلاء الذين تم القبض عليهم على مفترقات الطرق من أجل مراقبة تحركات الشرطة والجيش، ويستخدمون الأطفال واليانعين لهذا الهدف، كما تم القبض على مجموعة أخرى في إحدى الشقق السكنية وبحوزتهم مواد وأجهزة بغرض الرصد والمراقبة والاتصال. إلاّ أن دولة الحريديم، والتي تعجز حكومة نتنياهو عن التصدي لها، خشية من سقوط الحكومة، تواجه بالتظاهرات والاحتجاجات على نطاق واسع، وتشن حرباً باسم الديمقراطية، دون أن تعي كافة هذه الجهات، على اختلاف تلاوينها وعقائدها الدينية والسياسية، أن اندفاع هذه التيارات لتأكيد هويتها، غير معزول البتة، عن الطبيعة العدوانية التي أقامت عليها إسرائيل وجودها ومواقفها وسياستها، وإذ تتشدد حكومة نتنياهو مطالبة الفلسطينيين والعالم، بالاعتراف بها كدولة لليهود، فإن اليهود أنفسهم، هذه المرة، يطالبون اليهود الآخرين بأن يصبحوا مثلهم، أو يرحلوا، ذلك أن استقواء نتنياهو بأحزاب اليمين المتطرف عند تشكيل حكومته، يجعله عاجزاً عن مواجهة اليهود المتشددين، كما أن المسألة الاستيطانية، التي توجت سياسة حكومة نتنياهو، باتت تشكل خطراً على وجود الدولة العبرية ذاتها، فهذه السياسة التي تسطو على أملاك الفلسطينيين، تكررت هذه المرة، لكي يتم السطو على الدولة ذاتها من قبل المستوطنين الأكثر تشدداً وتزمتاً، وإذا كان الاستيطان، سيغير من الخارطة الجغرافية والسياسية والتوسعية للدولة العبرية، فقد بات يهدد النسيج الاجتماعي لسكان الدولة. ولعل التوترات ذات الطبيعة المذهبية الأصولية ليهودية دولة إسرائيل، هي التي ستعكس حقيقة هذه الدولة التي أعطت انطباعات خادعة باعتبارها واحة الديمقراطية والنظام المدني، بينما تحكمها مجموعة من الحاخامات المتطرفين، الذين لا يتورعون عن تجاوز الدعوة إلى معتقداتهم الدينية إلى فرض هذه المعتقدات بالقوة، حتى لو كان ذلك في مواجهة مع الجيش الذي كان يعتقد أنه يملك دولة هي إسرائيل، بينما هذه الأخيرة لها جيش وشعب واحد، هم المتدينون المتزمتون الأكثر تشدداً ودموية!!. Hanihabib272@hotmial.com- www.hanihabib.net