تتزاحم المواضيع في رأسي, وأكاد أجزم أن شرارة الكتابة في عقلي قد بدأت تخبو, لكنني سرعان ما أتذكر أن للذاكرة تجاعيد, ليست كتلك الخاصة بالجلد, فالأولى لا علاج لها سوى الهروب منها ونسيانها, أما الثانية فما أكثر الاختراعات وما أكثر العلاجات لها..ثلاث سنوات مرت على المحرقة... تلك الخطة الإسرائيلية التي كان من أحد أهدافها القضاء على الفلسطيني الإنسان, بعدما غرق هذا الإنسان في انقسام طولي وعرضي ومائل فتته إلى أشلاء, لتأتي المحرقة وتكمل عليه فقط بمهمة سهلة وبسيطة وغير معقدة وتحرق هذه القطع..عاد المجتمع والشعب بكافة فصائله وأطرافه ليلتئم من جديد محاولا تجميع أشلائه وتضميد جراحه بيده, واجتمع قادته الممثلين بطرفي الصراع في وطن تم شطره إلى نصفين غير متساويين البتة!! التقوا في عدة أماكن هي الأقدس في العالم, لكن سرعان ما بدأ فتيل القتال على المناصب يشتعل بينهما!! اختلفوا على توزيع المهام وتوزيع الوزارات وبعض من القضايا الأساسية التي تحدد هوية وقضية الشعب الفلسطيني,, لم تفلح المبادرة وعادوا من جديدإلى أجنداتهم وأيدلوجيتهم المعتادة ومرت الأيام...هذه الأيام لم تكن هي الأيام نفسها في غزة, لم يكن الليل والنهار هما نفسهما, لم تكن السماء سماء, أعيد النظر في موضوع المعتقلين لدى المعتقلين, وأعيد إغلاق ملفهم من جديد وتم إضاعة المفتاح أو رميه في بحر غزة!! كما تم إخفاء الكثير من المفاتيح لكثير من القضايا والملفات في الشطر الآخر من الوطن..كثير من الجهود بذلت لرفع مستوى وسقف التفكير تجاه المصالح الوطنية المشتركة والنهوض بها من حفر الاحتلال وأخاديده إلى أعلى مستوى من الحرص والوحدة الوطنية التي باتت طارئة ومستعجلة أكثر من أي وقت مضى, وبالرغم من ذلك ظلت هناك أيضا قضايا عالقة بين الطرفين.. أذكر في ذلك اليوم الذي أعلنت فيه المصالحة بين أسدي القضية الفلسطينية!! أن الشوارع تم تغطيتها بألوان صفر وحمر,, وقليل من الأخضر !! ودراجات هوائية تسير بسرعة هائلة وأبواقها تكاد تنفجر من كثرة الضغط عليها,, أهذا كان المطلوب وما يطلب من المصالحة؟ أهذا ما كنتم تنتظرونه؟! فقط أن نرفع أعلاما صفراء وخضراء وحمراء؟؟ وإلى الآن لم أجد تفسيرا لندرة اللون الأخضر بين الرايات؟؟ومرت الأيام مرة أخرى وكانت المستشفيات كما أعلن أكثر من مرة تئن تحت وطأة نقص الأدوية وخصوصا أدوية الأمراض المزمنة, كما لم تزل في ذلك الوقت قضية السفر وحرية التنقل خارج غزة محدودة للغاية, وما زال الانقسام سيد الموقف في غزة, وما زالت الجرائم ترتكب بين أفراد الأسرة الواحدة لأن الجاني يظن أنه مدعوم بحزبه أو بفصيله أوغير ذلك من المسميات التي لم تسيطر على المجتمع الفلسطيني إلا في نصف العقد الأخير...هنا غزة,, هنا صوت الصمود والتضحيات,, هنا صوت الشهداء, هنا صوت الأرامل والثكالى, هنا صوت الحياة والموت, هنا صوت الحب والكراهية, هنا صوت المصالح والإيثار, هنا صوت من لا صوت له, لكنه ما زال أنينا ولم يرق إلى أن يكون صوتا..وأخيرا تم التوقيع... وتم إدراج حركة المقاومة الإسلامية حماس تحت إطار منظمة التحرير الفلسطينية وتم التعاطي معها على أنها جزء لا يتجزأ من هذه المنظمة وأنها شريك استراتيجي ورئيسي في هذه المنظمة وبالتالي فهي ستتم وستكمل ما بدأته المنظمة- بقيادة فتح- من مفاوضات واعترافات , كما تم التوصل إلى اتفاق على هدنة طويلة الأمد ترتاح فيها المقاومة من عناء المقاومة العسكرية, وتحرك بوصلتها قليلا باتجاه المقاومة السلمية, التي لم أعرف ولم أستوعب لهذه اللحظة ما هي خططها وما هي استراتيجيتها المتبعة مستقبلا, وما زالت حماس تصر على عدم الاعتراف بإسرائيل!!!!المجتمع الفلسطيني ينتظر وبفارغ الصبر تهدئة النفوس واستقرار الوضع في المنطقة, لأنه شعر بأنه وقع في شرك من الطرفين, طرف تخلى عنه وأقام مؤسساته في الضفة وطبعا كان له أتباعه ومنتفعيه ممن شفي غليلهم بسبب الرحى التي تدور وتسحق أرواح في غزة, وطرف حاول أن يشعره بأنه سيسترد حقوقه ومطالبه عبر سياسات معينة من خلال معتقدات أيضا معينة, لكن الطرفين فشلا في إقناع الشعب أنه هناك طرف أفضل من الآخر, كما أنه يرفض دخول طرف ثالث إلى الساحة حتى لا تنطبق عليه مصطلحات أخرى تؤكد أنه شعب خلق للتجارب...