عقدت أمس، اجتماعات بين المسؤولين الأردنيين ومسؤولين فلسطينيين وإسرائيليين، وممثلين عن "الرباعية الدولية"، واجتماعات فلسطينية ـ إسرائيلية منفردة، وأخرى بين الفلسطينيين والإسرائيليين بحضور أطراف اللجنة الرباعية الدولية، بناء على مبادرة الملك عبد الله الثاني ملك الأردن، التي يحاول من خلالها استكشاف إمكانية العودة إلى طاولة المفاوضات، وتقديم ما يمكن من مساعدة للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي للمساهمة في جسر الهوّة بين الموقفين المتباعدين من مسألة التفاوض. الموقف الفلسطيني الذي يدعم المبادرة الأردنية الإيجابية والمحاولة التي يُراد لها أن تكسر حالة الجمود في العملية السياسية، يتعامل بشكوك عميقة تجاه الموقف الإسرائيلي المعلن الذي يرى في استمرار البناء الاستيطاني في مختلف المناطق المحتلة مع التركيز بصورة خاصة على القدس الشرقية لتهويدها بصورة كاملة، مصلحة استراتيجية وذات أولوية عليا في سياسة حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة. كما ينظر بالكثير من الشك لقدرة اللجنة الرباعية الدولية على اتخاذ موقف يلزم إسرائيل باحترام المرجعيات الدولية المتفق عليها للعملية السياسية، ويعتقد الفلسطينيون وخاصة القيادات السياسية الرسمية أن "الرباعية الدولية" في ظل تراجع الولايات المتحدة عن مواقفها السابقة، وانكفائها داخلياً استعداداً للانتخابات العامة القادمة التي ستجري بعد حوالي أحد عشر شهراً، لا يمكنها أن تفعل أكثر من التعبير عن مواقف عامة لا تملك أي رصيد أو قدرة فعلية على التأثير وتغيير قواعد اللعبة السياسية لجهة إعادتها إلى مسارها الصحيح. الجهد الأردني المبارك، والمحاولة الإيجابية ضرورية جداً للطرف الفلسطيني لأن الخاسر الأكبر في لعبة إضاعة الوقت هم الفلسطينيون وبطبيعة الحال السلام والأمن والاستقرار في المنطقة. فمع الوقت تفرض إسرائيل المزيد من الوقائع والحقائق التي ليس من السهل تغييرها أو تجاهلها عندما تسنح الفرصة لاستئناف العملية السياسية بشكل صحيح، وعندما تعود المفاوضات إلى النقطة التي وقفت عندها. الأفضل في هذه المرحلة هو عدم الخوض في شروط استئناف المفاوضات، وانتظار أن تعلن إسرائيل عن وقف الاستيطان، لأن هذا على الأغلب لن يحصل، وحتى لو حصل لفظياً، لن تلتزم به حكومة نتنياهو عملياً، وهي لا تستطيع وقفه حتى لو في إطار إعلان شكلي الآن، بل الذهاب إلى تفاصيل مواقف الطرفين من القضايا الجوهرية. ولا مانع من أن يجري التفاوض بتدخل ورعاية أردنية وإشراف من "الرباعية الدولية". فنحن بحاجة حقيقية لكشف الموقف الإسرائيلي الحقيقي تجاه العملية السياسية، وهل ترغب حكومة نتنياهو كما تدعي أن تقدم مواقف إيجابية يمكن البناء عليها والتوصل إلى حل لمسألتي الحدود والأمن أم لا؟ هذه المحاولة والمساعي الأردنية فرصة جدية لاستيضاح واستجلاء الموقف الفعلي لبنيامين نتنياهو وحكومته. صحيح أنه لا يوجد أمل كبير في إحداث اختراق جوهري في العملية السياسية أي التوصل إلى صيغة اتفاق حول الحدود والأمن، ولكن من الضروري أن نصل والعالم معنا إلى نهاية الطريق في محاولة الكشف عن الحقيقة. فإذا استطاعت إسرائيل مفاجأة الجميع وقدمت موقفاً يتسم بالإيجابية، فهذا سيكون مكسباً للسلام ولكل الأطراف، وإن لم تقدم وظلت تختبئ وراء شعارات يمينية متطرفة تقوم على لاءات شاملة لكل شيء تقريباً. عندها يقول الفلسطينيون للجنة "الرباعية الدولية" ولكل الجهات الإقليمية والدولية إننا لن نشارك لاحقاً في أي مفاوضات أو محادثات أو أي مساعٍ لاستئناف العملية السياسية مع هذه الحكومة. وعندها تستطيع القيادة الفلسطينية أن تبني استراتيجية سياسية مختلفة، تقوم على أساس استبعاد إمكانية التوصل إلى حل دائم للصراع في المدى المنظور، وعلى أساس تعزيز الوحدة الداخلية وحشد كل طاقات الشعب الفلسطيني في مواجهة مع الاحتلال والاستيطان بطرق سلمية تحظى بقبول دولي، وتساعد الأطراف العقلانية داخل إسرائيل لتنهض من جديد وتقوم بدورها من أجل حماية مستقبل السلام والأمن في المنطقة. وقد يكون من المفيد كذلك التفكير بصيغة انتقالية تضمن الحفاظ على الأرض، والسماح بعودة أكبر عدد من اللاجئين والنازحين إلى الوطن، وبناء مؤسسات الدولة المستقلة، مع بقاء كل قضايا الصراع مطروحة على الطاولة، بانتظار أن تتغير الظروف وتسنح لاستئناف عملية سياسية ناجحة. يجب عدم استبعاد أية فكرة يمكن أن توقف التآكل في الأراضي الفلسطينية وتسمح بوقف العملية الاستيطانية وتحقق لشعبنا فرصة ولو لزمن معين في استرداد عافيته وتوفير مقومات المعركة الأكبر على قضايا الحدود والقدس واللاجئين والأسرى والمياه والأمن وغيرها. الشعارات والمواقف الجامدة لا يمكنها أن تغير الحقائق على الأرض، بل السياسات والتكتيكات المتحركة التي تأخذ بالحسبان موازين القوى، وتعمل على تغييرها بصورة مواظبة في إطار التخطيط الواعي. وهناك مساران منطقيان للعمل السياسي مسار داخلي يهدف إلى تعزيز قوة وإمكانيات الشعب وبناء مؤسساته وتنظيماته وأطره المختلفة، ومسار خارجي ساحته الأمم المتحدة على اتساعها لتثبيت حقوق شعبنا وتحقيق المزيد من الإنجازات السياسية على طريق فرض تسوية عادلة ودائمة للصراع، وهذا المسار لا يستثني الدول العربية التي لا بد أن يكون لها دور كبير في دعم القضية الفلسطينية.