خبر : عامُ الدَّولة أم نهايةُ مرحلة؟ ... بقلم: هاني المصري

الثلاثاء 03 يناير 2012 01:48 ص / بتوقيت القدس +2GMT
عامُ الدَّولة أم نهايةُ مرحلة؟ ... بقلم: هاني المصري



"عام الدّولة أم نهاية مرحلة" كان عنوان مقالي الأول في العام الماضي، وهذا العنوان استخدمته في هذا المقال الأول في العام الجديد. الأخبار عن لقاء فلسطينيّ – إسرائيليّ بحضور الرباعيّة، وآخر بحضور الأردن اليوم فألٌ سيئٌ لهذا العام، لأنه يميّع الموقف الفلسطيني ويضيّع الوقت، ويدل على أن الحبل السري الذي يربط القيادة الفلسطينية بالمفاوضات الثنائية المباشرة برعاية أميركية لم يقطع بعد، بالرغم من يأسها من هذا الخيار واتخاذها لعدد من الخطوات المعاكسة له، مثل: التوجه إلى الأمم المتحدة، والحصول على العضوية الكاملة في اليونسكو، والشروع في المصالحة، والتفكير في اتباع خياراتٍ جديدة. أكد العام الماضي بمجمله بما لا يدع مجالاً للشك إنّ مسار المفاوضات الثنائية أغلق، ومن الصعب جداً فتحه، على الأقل في عهد الحكومة الإسرائيلية الحالية التي ستبدو أنها ستكمل فترتها، والمؤشرات تدل على أن الحكومة المقبلة يمكن أن تكون أسوأ منها. إنّ اجتماعاً إسرائيلياً- فلسطينياً ينسف السياسة الفلسطينية المعتمدة منذ أكثر من عام، التي ترفض استئناف المفاوضات قبل موافقة إسرائيل على تجميد الاستيطان وعلى إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، لأن هذا اللقاء، مثله مثل اللقاء المقبل بين الرئيس "أبو مازن" وشمعون بيريس في الرابع عشر من هذا الشهر، وكذلك مثله مثل اللقاءات الثلاثة السابقة بينهما، واللقاء مع أيهود باراك تعطي إشارة سيئة جداً لإسرائيل، والعالم يفهم منها أنّ الموقف الفلسطيني الرافض للمفاوضات دون تلبية مطالبه قابلٌ للتراجع عنه، مثلما حدث في الفاتح من أيلول عام 2010 حين استؤنفت المفاوضات، بالرغم من مسرحية التجميد الجزئي والمؤقت التي أقدمت عليها حكومة نتنياهو ولم تؤد إلى شيء. لا يقلل من مساوئ استئناف المفاوضات أنها مفاوضات من أجل المفاوضات، وادعاء الناطقين الفلسطينيين بأنها ليست لقاءات تفاوضية، وإنما لدراسة إمكانية استئناف المفاوضات، في نفس الوقت الذي يصرح فيه صائب عريقات: إن اللقاء لبحث ملفي الأمن والحدود، وليس العودة إلى المفاوضات السياسية (أيُ تناقضٍ هذا). إن ما يقلل من التأثير السلبي للقاءين اللذين سيعقدهما عريقات – مولخو؛ أنّ جدار التعنت الإسرائيليّ من الصعب جداً اختراقه، وأنّ هناك سقفاً للانتظار حددته القيادة الفلسطينية في 26 من هذا الشهر، ونأمل الالتزام به وليس تمديده. إذا أردنا الحديث بصراحة، فإن لقاءات عمّان تشكل استمراراً للسياسة الانتظارية المتبعة فلسطينياً، التي كان عنوانها في الفترة الأخيرة انتظار مصير مبادرة اللجنة الرباعية؛ التي أدت إلى وقف التحرك الفلسطيني في الأمم المتحدة منذ 23 أيلول وحتى الآن من دون طلب التصويت ولا تقديم طلبات جديدة. إنّ تصوّر إمكانية قيام دولة فلسطينية في القريب العاجل عن طريق المفاوضات الثنائية، وعدم القناعة العميقة بوجود خيارات وبدائل أخرى، هو جذر الخلل في السياسة الفلسطينيّة المتبعة منذ أكثر من عشرين عاماً حتى الآن، ولا يمكن التقدّم على طريق دحر الاحتلال وإنجاز الحرية والعودة والاستقلال من دون التخلي عن هذا الوهم مرة واحدة وإلى الأبد، فهناك خياراتٌ أخرى يجب السير فيها قبل ضياع الوقت والندم حين لا ينفع الندم. إن ما منع قيام الدولة الفلسطينية أن إسرائيل (أشدد على إسرائيل وليس الحكومة الإسرائيلية الحالية أو سابقتها فقط) تعتقد أن بمقدورها رفض قيامها واستمرار الوضع الحالي، أو فرض أحد الخيارات الإسرائيلية المفضلة لحل الصراع. وما يجعل اسرائيل قادرة على منع قيام دولة فلسطينية حقيقية أنّ موازين القوى مختلة بشكل ساحق لصالحها، بحيث لا ترى ما يقنعها أو يضطرها لقبولها، فهي حققت إنجازات عديدة دون قيام دولة فلسطينية، والآن تعيش في ظل احتلال هادئ ومريح ومربح، لدرجة أنّ حجم القوات الإسرائيلية المتواجدة في الضفة الغربية هو الأقل منذ وقوع الاحتلال في العام 1967. إن المسألة ليست من البساطة، لنستنتج أن رابين كان يريد السلام وتم اغتياله، وأن ايهود أولمرت يريد السلام وتم إسقاطه، وأننا بانتظار تطورات إسرائيلية توجد "رابين" آخرَ يكون قادراً على صنع السلام. فالمطلوب حتى تقوم الدولة الفلسطينية أن يصبح الاحتلال مكلفاً لإسرائيل، أو تشعر أن إقامتها سيحقق لها أرباحاً أكبر من أرباحها من الاحتلال. اليوم، الدولة بعد التوسع الاستيطاني واستكمال بناء الجدار وفصل وتهويد القدس أبعد عن التحقق من أي فترة سابقة، وإسرائيل أبعد عن السلام من أي وقت آخر، وهي تستنتج من الربيع العربي عكس الاستنتاجات اللازمة، فهي تستنتج أنها بحاجة إلى الضفة، خصوصاً غور الأردن الذي يشكل 28% من مساحتها، لمواجهة ازدياد العداء لإسرائيل بعد صعود الإسلام السياسي في أكثر من بلد عربي، واحتمال صعوده في سورية والأردن، وزيادة النفوذ الإيراني في العراق بعد انسحاب القوات الأميركية منه، ما يعيد خطر إحياء الجبهة الشرقية في وقت تمضي فيه إيران للحصول على سلاحها النووي الذي تعتبره أوساط إسرائيلية كثيرة خطراً يهدد وجودها نفسه، ويعتبره كل الإسرائيليين خطراً يهدد دورها في المنطقة. لا يكفي وقف المفاوضات وانتظار نجاح الجهود لاستئنافها، ولا التهديد بالتوجه إلى الأمم المتحدة، وحل السلطة أو وقف التزاماتها، واستقالة الرئيس، أو بسحب الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل، أو أن تل أبيب ويافا لا تختلفان عن رام الله ونابلس، فأي تهديد لا يملك أي تأثير حقيقي ولن يكون له أي مصداقية إذا لم يكن جزءاً من إستراتيجية سياسية قابلة للتطبيق مع توفر الإرادة الفلسطينية لتطبيقها والسير فيها إلى النهاية. فالتهديد اللفظي يبقى تهديداً لا قيمة له، بل إذا تكرر يعتبر دليلاً على العجز واستمراراً لسياسة الانتظار، وهنا يمكن الرد على ما سبق، بأن الشروع في المصالحة على أساس برنامج سياسي مشترك يقود إلى بلورة الإستراتيجية الجديدة. هذا صحيح إذا قادت المصالحة إلى بلورة إستراتيجية جديدة، وليس إلى انضمام "حماس" إلى سياسة الانتظار، فعلى أهمية تأكيد "حماس" على هدف إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، وموافقتها على استمرار التهدئة في غزة وشمولها للضفة الغربية، وتبنيها للمقاومة الشعبية، وما يعنيه ذلك من قرب توفر الأساس السياسي للمصالحة، الذي من دونه كان من المستحيل إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية. إلا أن الأزمة العامة الوطنية الناجمة عن استمرار الاحتلال لا تحل بتوفر إجماع وطني على برنامج المفاوضات الذي أدى ضمن أسباب أخرى إلى ما وصلنا إليه من تعميق الاحتلال، وإلى الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني، وإهمال التجمعات الفلسطينية في الخارج وداخل 1948، بما يمس بوحدانية تمثيل منظمة التحرير للشعب الفلسطيني أينما تواجد. حماس "تعتدل" حتى تتم الموافقة العربية والدولية والإسرائيلية على مشاركتها في النظام السياسي الفلسطيني، وفقاً لنصائح حليفتها جماعة الإخوان المسلمين، حتى لا تكون عبئا على شقيقاتها اللواتي وصلن إلى الحكم، أو على وشك الوصول إليه، لذلك أبدت كل هذه المرونة وأصبحت أكثر استعداداً للمصالحة والشراكة وتقبل الآخر. وحتى تصبح مؤهلة لنقل مقر قيادتها إلى عمان أوالقاهرة أو الدوحة، فإن هذا الانتقال ليس انتقالاً جغرافيا وإنما هو انتقال سياسي أيضاً، فالتغير الإستراتيجي الذي يعتبر لصالح "حماس" والناجم عن الربيع العربيّ وصعود الإسلام السياسي شأنه شأن الشيك المضمون ولكن استحقاقَه بعيد الأجل. في الوقت الراهن، على "حماس" دفع ثمن الموافقة على مشاركتها في الحكومة والمنظمة وخسارتها لسورية، لذلك تحاول "حماس" أن تؤخر انتقال قيادتها لأطول مدة ممكنة، حتى تقلل من الثمن الذي ستدفعه. المطلوب لإنقاذ القضية الفلسطينية و"فتح" و"حماس" وكل الفصائل والشعب اعتماد إستراتيجية جديدة بديلة عن إستراتيجية المفاوضات الثنائية والمقاومة المسلحة، إستراتيجية تُبنى على ما تحقق من مكاسب ونقاط القوة، وتجمع ما بين التحرك السياسي والمقاومة على أساس أن التسوية المتوازنة مستحيلة من دون تغير موازين القوى بشكل جوهري، وهذا بحاجة إلى نضال طويل يرتكز على الشعب الفلسطيني أولاً، وعلى العرب ثانياً، وعلى أحرار العالم ثالثاً، وعلى أساس تعزيز مقومات الصمود وتنظيم مقاومة شاملة بكل أشكالها وجمع أوراق القوة والضغط على كل المستويات والمحافل الفلسطينية والعربية والدولية. عام 2012 ليس عام الدولة، بل يمكن ويجب أن يكون نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة من خلال قطع الصلة مع إستراتيجية المفاوضات الثنائية وكل الإستراتيجيات السابقة، واعتماد إستراتيجية جديدة متوافق عليها وطنياً، وليس يختارها من يحصل على الأغلبية في الانتخابات المقبلة، إستراتيجية قادرة على توحيد الشعب الفلسطيني وتحقيق الأهداف الوطنية التي لم تتحقق حتى الآن. Hanimasri267@hotmail.com