يفترض ان لا تمثل زيارة سيلفاكير الى اسرائيل مفاجاة لاحد فهى باتت برايى مسالة وقت فقط منذ اعلان دولة جنوب السودان اوائل العام الحالى ورغم ميل تل ابيب للوقوف جانبا وعدم الظهور بقوة فى مشهد الاعلان وما صاحبه من احتفالات وسجالات الا انها سرعان ما خلعت القفازات بعد ذلك واعلنت صراحة تاييدها القوى بل ورغبتها فى بلورة تحالف استراتيجى مع الدولة الوليدة .الملفات التى نوقشت اثناء الزيارة تمثل فى الحقيقة الخطوط العريضة لهذا التحالف وهى تضمنت تقديم مساعدات اسرائلية لجنوب السودان فى جوانب مختلفة تطال البنى التحتية المنهارة والبدائية بالاحرى اضافة الى مساعدات امنية ذات طابع تكنولوجى اما الدولة الوليدة فستساعد اسرائيل فى مواجهة ازمة اللاجئين الافارقة لديها وهذا فى الحقيقة ليس سوى الاسم الحركى لتحولها الى سمسار بل قاعدة امنية اسرائيلية فى افريقيا. قاعدة التحالف الاستراتيجى تتمثل اذن فى البنى التحتية المنهارة للدولة الوليدة وافتقادها الى الاسس الضرورية كى تكون قابلة للحياة وهذا ناتج عن اهمال وتقصير تاريخى وكارثى على المستوى السودانى والعربى علما ان الفترة الانتقالية التى نص عليها اتفاق نيفاشا والتى سبقت استفتاء الانفصال مثلت فرصة ذهبية لتجاوز هذا الاهمال والتقصير وبناء مقومات الحياة الكريمة للمواطن الجنوبى-كما الشمالى- فى ابعادها المختلفة التعليمية والصحية والاجتماعية ضمن استراتيجية وطنية شاملة تلحظ الاستثمار المناسب والناجع لمدخولات النفط المرتفعة كما المساعدات العربية والدولية الا ان هذا لم يحصل للاسف واكتفى حكام الشمال بمراقبة بل وتشجيع خلافات فساد وتبذير قادة الجنوب لميزانيات الاعمار والتنمية المخصصة لاقليمهم المنكوب ولم يقتصر الاهمال والتراخى تجاه القضايا المصيرية على ذلك بل تعداه الى الاستخفاف بفكرة الانفصال نفسها وتشجيع الاراء الانفصالية العنصرية وقصيرة النظر كتلك التى تبنتها وروجت لها صحيفة الانتباهة القريبة والمدعومة من السلطة اما عربيا فجرى تجاهل منهجى كارثى وماساوى لقضايا السودان بشكل عام والجنوب بشكل خاص-اتفاق نيفاشا لم يوقع للاسف لا فى القاهرة ولا فى اى حاضرة عربية اخرى- وفقط فى الامتار واللحظات الاخيرة من الفترة الانتقالية ارسلت الجامعة وفدا الى جوبا ولكن بعد ان سبق السيف العذل وبعدما بات الانفصال امرا واقعا ومحتوما ببساطة واختصار وبدون تذاكى او خداع للنفس قدمنا كسودانيين وعرب دولة الجنوب على طبق من ذهب لاسرائيل ,وبنينا بقصر نظرنا وغبائنا القاعدة المتينة لتحالفها الاستراتيجى مع الدولة العبرية . الجانب الثانى من جدول اعمال زيارة كير فى تل ابيب تضمن كيفية مساهمة دولته فى تخليص اسرائيل من مازق او تحدى اللاجئين الافارقة الذى كشف عن وجهها البغيض عنصريتها وميلها الغريزى الى انتهاك القوانين والمواثيق الدولية وبعدما عجزت عن منع وصولهم اليها تفتق عقلها الاستعمارى عن فكرة اقامة معسكر اعتقال كبير لهم الى حين ترحيلهم اواعادتهم مرة اخرى الى بلادهم علما ان جزء معتبرمن هؤلاء اللاجئين هم من السودان –الجنوب ودارفور- ونصفهم الاخر من دول افريقية اخرى خاصة من اريتريا وبعدما وافقت دولة الجنوب الوليدة على استعادة مواطنيها وفق جدول زمنى محدد وصلت اخيرا كما اعلن عضو الكنيست العنصرى ولمتطرف دانى دانون الى الموافقة على استضافة معسكر الاعتقال الكبير على اراضيها تمهيدا لاعادة اللاجئين الافارقة قهرا وبالقوة الجبرية الى بلادهم وذلك طبعا مقابل مساعدات مالية واقتصادية مع بذل جهود دولية لاستجلاب دعم مماثل من الولايات المتحدة ودول غربية اخرى .المعطيات الامنية والاقتصادية السالفة الذكرتمثل المدخل نحو تاسيس التحالف الاستراتيجى بين البلدين حيث اسرائيل الراعى الرسمى شبه الحصرى لدولة الجنوب الوليدة بينما ستكون هذه الاخيرة بمثابة القاعدة الامنية ومركز النشاط الاسرائيلى فى القارة السمراء بحجة خلق حاجز مسيحى يقف فى وجه الحزام الاسلامى الناشىء بعد الربيع العربى والذى تزعم تل بيب انه سميثل خطرا على الدول الافريقية كما على المصالح الغربية فى القارة السمراء . اذن تاسيس التحالف الاستراتيجى بين جنوب السودان واسرائيل هو العنوان العريض لزيارة كير الى تل ابيب والتى يفترض ان تمهد بدورها للزيارة المرتقبة لنتن ياهو الى جوبا اوائل العام القادم ضمن جولة افريقية اوسع تشمل كينيا اوغندا واثيوبيا هى الثانية لرئيس وزراءاسرائيلى فى القارة بعد الزيارة الشهيرة لبن غوريون منتصف القرن الماضى التى هدفت ايضا الى انجاز نفس الهدف وهو ما لم يتحقق اساسا بفضل السسياسة النشطة لمصر عبد الناصر ثم حرب الاستنزاف الطويلة التى فرضتها الثورة الفلسطينية على الدولة العبرية لنصف قرن تقريبا .من الصعب تخيل نجاح اى عمل عربى مضاد دون جهد مصرى سودانى مركز منسق يلحظ الدفاع عن المصالح العربية الحيوية فى عمقها الاستراتيجى كما دون قيام الفلسطيينين بواجبهم عبر خوض معركة استنزاف جدية متععدة الابعاد الاشكال الجبهات ضد الدولة العبرية ما يمنعها من المغامرة او العبث فى القارة السمراء التى يفترض ان تمثل مساحة للتفاهم العربى الافريقى الاسلامى المسيحى بعيدا عن تدخلات اسرائيل وميلها الغريزى لتاجيج النزاعات والخلافات وضمان بقائها وهيمنتها وفق القاعدة الاستعمارية التقليدية فرق تسد .. مدير مركز شرق الموسط للاعلام