لعب المجتمع المدني ممثلاً بالمنظمات الأهلية والحقوقية وبعض النشطاء السياسيين والذين يلتقون سوياً بالرؤية الوطنية والديمقراطية دوراً في رفض الانقسام والدعوة لتحقيق المصالحة الوطنية وإعادة بناء المؤسسة الفلسطينية على أسس من المشاركة والديمقراطية عبر آلية الانتخابات على طريق تحقيق أسس سيادة القانون والفصل بين السلطات والقضاء المستقل واحترام الحريات العامة في إطار بنية مؤسسية فلسطينية موحدة .تنوعت مبادرات المجتمع المدني تجاه مناهضة الانقسام فمن لجان المصالحة والتي كانت تلعب دوراً في تقديم الرؤا وتقريب وجهات النظر بين الحركتين المتنافستين فتح وحماس إلى لجان الضغط والتأثير التي لعبت بها شبكة المنظمات الأهلية في كل من الضفة والقطاع دوراً بارزاً عبر تشكيل الحملة الوطنية للدفاع عن الحريات العامة وإنهاء الانقسام ، حيث نظمت الحملة العديد من الأنشطة والفاعليات والمؤتمرات بهدف تظهير مخاطر الانقسام وانعكاساته السلبية على وحدة النسيج السياسي والاجتماعي باتجاه ضرورة الحفاظ على الحريات العامة وصيانة حقوق الإنسان وعدم زج تلك القضايا المبدئية في اتون الصراع الثنائي .إن تراجع المكتسبات الحقوقية والديمقراطية الناتج عن الانقسام شكل مصدر إزعاج لدى نشطاء المجتمع المدني من خلال ملف الاعتقال السياسي والحد من حرية واستقلالية العمل الأهلي والحق بالتجمع السلمي والرأي والنشر والتعبير ، حيث جرت الانتهاكات لتلك الحقوق مرة بسبب تعطيل عمل المؤسسات الوحدوية وخاصة المجلس التشريعي جراء حالة الانقسام ومرة بسبب آليات الفعل ورد الفعل المبنى على التشاحن والاحتقان الحاد بين كل من حكومتي غزة والضفة وبالتالي فإن مسببات الانتهاكات كانت تعود للتعدي على مبدأ سيادة القانون وجراء دائرة الفعل ورد الفعل الناشئة عن الانقسام أيضاً .لقد استطاعت الحملة الوطنية للدفاع عن الحريات العامة وإنهاء الانقسام إدراك طبيعة المرحلة الناتجة عن الحراك الشعبي العربي والذي كان أداته الحركة الشبابية الذين استخدموا أدوات العصر مثل ” الفيس بوك ، والتوتير ” وقاموا بالحراك الشعبي عبر الاعتصام الدائم والمستمر بالميادين العامة بالعديد من البلدان التي ثارت من اجل إسقاط أنظمة الفساد والاستبداد وتحقيق الدولة المدنية والديمقراطية ، حيث كان من الطبيعي ان يتأثر الشباب الفلسطيني جراء هذه الحالة الأمر الذي أدى إلى قيام الحملة بتحفيز الشباب على التحرك وذلك من خلال المؤتمر الوطني الذي عقد في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بقطاع غزة بتاريخ 7/3 والذي أدى إلى تحفيز القطاعات الشبابية والشعبية الواسعة للتحرك الكبير في 15/3 تحت شعار ” الشعب يريد إنهاء الانقسام ” هذا الحراك الذي كان له أثراً بالضغط على صناع القرار لدى الحركتين ومن اجل تحقيق المصالحة الوطنية وطي صفحة الانقسام من تاريخ شعبنا .لقد دفعت التغييرات العربية والمحلية الفلسطينية قادة الحركتين الرئيسيتين المتنافسين فتح وحماس إلى اتخاذ القرار الاستراتيجي باتجاه تحقيق المصالحة والوحدة وإنهاء الانقسام وقد تم التعبير عن ذلك باتفاق القاهرة يوم 4/5 فالرئيس أبو مازن أصبح مدركاً ان مسار المفاوضات لن يحقق نتائج خاصة في ظل الاستيطان الذي تنفذه حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل، وكذلك أدركت حماس مدى الحاجة إلى الانخراط بالنظام السياسي الفلسطيني الرسمي بعد تفاعلات الحراك الشعبي العربي والذي أفضت لصعود تيار الإسلام السياسي على برلمانات العديد من البلدان وخاصة في تونس ومصر إلى جانب اهتزاز النظام السوري حيث تتواجد القيادة المركزية لحماس هناك ، الأمر الذي دفع الطرفين لإدراك أهمية الاهتمام بالعامل الذاتي الفلسطيني ، وعدم الاستمرار بالرهان على الخيارات الإقليمية أو الدولية والتي لا تبحث إلا على مصالحها وقد تستخدم الفلسطينيين كورقة لتحسين نفوذها ، هذا الإدراك قد دفع الطرفين إلى السير باتجاه اتمام المصالحة وتحقيق الوحدة الوطنية .وبعد المدة التي منحت للرئيس أبو مازن بسبب توجهه إلى الأمم المتحدة لنيل الاعتراف بالدولة المستقلة وعلى أثر اتضاح طبيعة الانحياز الأمريكي لإسرائيل ، أصبح من الملح انجاز المصالحة حيث تم ذلك في اجتماع القاهرة في 20/12/2011 .لقد جرت بعض الخطوات الإيجابية والهامة أبرزها تشكيل الإطار القيادي المؤقت ل م.ت.ف للاتفاق على تشكيل لجنة الانتخابات المركزية والتي أصدر الرئيس عباس مرسوماً بتشكيلها إضافة إلى لجنة المصالحة ولجنة المعتقلين السياسية والحريات العامة .وبغض النظر عن الملاحظات من هنا وهناك وأبرزها إعادة ترسيخ الطابع الفصائلي على معظم اللجان باستثناءات قليلة لها علاقة بحملة الحريات العامة ، والتي برز منها شخصيات حقوقية ذات ارتباط وثيق مع منظمات المجتمع المدني الأمر الذي همش الكفاءات المجتمعية المنتشرة بالقطاعات المختلفة سواءً كانت بالعمل الأهلي أو الأكاديمي أو النقابي أو الإعلامي ، إلا أنني أعتقد أن ما جرى شكل انجازاً مهماً ، خاصة في ظل الاتفاق على موعد زمني لتشكيل حكومة الكفاءات الوطنية يوم 31/ يناير /2012 والتحضير لإجراء الانتخابات العامة سواءً للمجلس التشريعي أو المجلس الوطني باتجاه إعادة بناءه وصيانة المؤسسة الوطنية ” م . ت . ف ” والخدماتية ” السلطة ” على أسس ديمقراطية .استناداً إلى ما تقدم فإنني أرى أهمية بالغة لإعادة استنهاض حالة المجتمع المدني الفلسطيني عبر الاستمرار بالرقابة على أداء صناع القرار السياسي باتجاه تطبيق بنود الاتفاق وعبر الضغط والتأثير من اجل انجاز ملف المصالحة المجتمعية والحريات العامة ، حيث أن هذين الملفين يشكلان البنية التحتية لإعادة بناء النسيج الاجتماعي على أسس من الوفاق والمصالحة والديمقراطية .من الهام العمل على تشكيل لجنة مشتركة بين كل من الضفة والقطاع تتكون من المنظمات الأهلية ومراكز حقوق الإنسان بهدف تنشيط أدوات الرقابة والمسائلة ومن أجل تحفيز الحكومتين على معالجة ملفات الانقسام وفق ما تم الاتفاق عليه وخاصة ملف المعتقلين السياسيين والحريات العامة والتي تشمل ” الجمعيات الأهلية والنقابات ، جوازات السفر ، والحق بالتنقل … إلخ ” من القضايا .أن دور المجتمع المدني يكمن بالضغط والتأثير والرقابة ، هذه مهمة أصبحت أكثر إلحاحية في ظل الحاجة إلى دفع الحكومتين وطرفي الانقسام ” فتح وحماس ” للالتزام والوفاء بما جرى الاتفاق عليه ، بما يشمل الدفع باتجاه إجراء الانتخابات وفق موعد واضح وعلى قاعدة قانون التمثيل النسبي الكامل والذي يعتبر قانوناً عصرياً وديمقراطياً يطبق بالعديد من بلدان العالم بما أنه يضمن أوسع تمثيل ومشاركة خاصة إننا نمر في مرحلة تحرر وطني وديمقراطي تتطلب مشاركة الجميع في البرلمان الفلسطيني .لقد بات ضرورياً العمل على استنهاض حالة المجتمع المدني من اجل الدفع في عجلة المصالحة إلى الأمام على طريق ترجمتها وتنفيذها بمضمون وطني وديمقراطي وعلى قاعدة تضمن الحقوق للمواطنين الأحرار المتساويين بالحقوق والواجبات بدون تمييز .