خبر : مصر أكثر من راعٍ للمصالحة ..رجب أبو سرية

الجمعة 23 ديسمبر 2011 08:11 ص / بتوقيت القدس +2GMT
مصر أكثر من راعٍ للمصالحة ..رجب أبو سرية



من كثرة ما توالت الحوارات بين الفصائل الفلسطينية وعلى مدار نحو اربع سنوات متتالية، لم تولَ لقاءات القاهرة الأخيرة " اهتماماً " بالغاً، أو حتى يذكر، خاصة على صعيد التحليل والتعليق من قبل كتاب الرأي، ومتابعي الشأن الفلسطيني، ولا يعود السبب الوحيد الى اهتمام الإعلام العربي، ومنه الفلسطيني، بما ما زال يحدث في الدول العربية من حراك شعبي، خاصة في سورية أولاً ومن ثم في بعض الدول العربية الأخرى، ولكن أيضاً بالنظر إلى أن حديث المصالحة الفلسطينية الداخلية بات حديثاً مملاً للغاية، من كثرة ما جرت حوله وفي سياقه من حوارات دون ان تطلق العنان لإنهاء ملف الانقسام .وفي الحقيقة فإن الحوارات التي جرت خلال هذا العام الذي يوشك على الانتهاء، هي غير تلك التي جرت قبل ذلك، وذلك لأسباب عدة، أهمها بالطبع، ظهور الربيع العربي كعامل مؤثر جداً على الملف الفلسطيني وعلى الوضع الفلسطيني الداخلي، ولأنه ـ بالصدفة المحضة ربما ـ كانت مصر هي راعي حوارات المصالحة، فإن التغيير الذي حدث خلال هذا العام وطال رأس النظام المصري، قد منح قوة دفع ما لملف المصالحة الفلسطينية، حيث كان طرف فلسطيني ينظر الى نظام الرئيس المصري السابق، حسني مبارك، على أنه نظام غير محايد، وانه أقرب في مواقفه الى "فتح" والسلطة والرئيس عباس، وأكثر من ذلك كان يحمله جزءا من مسؤولية حصار غزة، وفي أكثر من مناسبة، كان يطرح تساؤلا حول جدوى حصر رعاية الملف بمصر، وطرح "بدائل " للراعي المصري، مثل سورية وتركيا، وفعلا جرت لقاءات مصالحة في سورية، وجرت لقاءات أخرى في تركيا . التغيير في النظام المصري، ألقى هذا الأمر وراء ظهر الجميع، وباتت مصر هي الراعي الوحيد، لهذا الملف، تتابعه الى ان يغلق نهائياً، لكن الراعي، وكذلك بعض الأطراف الداخلية يبدوان بحاجة، إلى وقت لإنهاء هذا الملف، وذلك ارتباطا بترتيب الأوضاع الداخلية المصرية ذاتها .لو وضعنا جانباً، أن اللقاء الأخير المنعقد خلال ثلاثة ايام من 20 إلى 22 كانون الأول الجاري، لم يعلن أجندة تنفيذية دراماتيكية ـ تتعلق بالتشكيل الحكومي ـ فان اللقاء كان مهماً جداً وربما أهم لقاء يجري منذ توقيع اتفاق المصالحة في 4 أيار من العام الحالي، ذلك أنه كانت واضحة، حاجة الأطراف " لبعض الوقت " حتى تتضح صورة الأقليم "وحتى تنتهي مصر من إجراء انتخاباتها العامة وتشكل حكومة منتخبة، والى ذلك الحين، فإن الأطراف قد خطت خطوة تتجاوز كل ما جرى في السابق من إدارة للأزمة، إلى التقدم على صعيد صفقة الشراكة المتمثلة بالانتخابات مقابل حكومة التوافق، وربما لم يكن عبثاً تحديد موعد التشكيل الحكومي لما بعد انتهاء الجولة الثالثة من الانتخابات المصرية، وحتى تكون لجنة الانتخابات الفلسطينية قد تشكلت، مع أن "حماس" صارت أكثر قابلية من قبل لإجراء الانتخابات بالنظر لما يحققه " الإسلاميون " من انتصارات في صناديق الاقتراع في أكثر من بلد عربي . ما يشير الى أهمية لقاء القاهرة الأخير أنه كان شاملاً، وهذا لم يحدث منذ التوقيع على اتفاق المصالحة قبل أكثر من سبعة أشهر مضت، كذلك أنه تضمن ـ لأول مرة ـ تنفيذاً لاتفاق القاهرة عام 2005، أي اجتماع التشكيل القيادي الخاص بـ "م ت ف"، وبعد أن تم التوافق تقريباً ـ على البرنامج السياسي، بموافقة "حماس" على دولة مستقلة على حدود عام 67، عاصمتها القدس، وعلى التهدئة والمقاومة السلمية، وبعد كل ما يشاع عن إخوان وسلفيي مصر من " احترام " لاتفاقات كامب ديفيد، فإن ما بقي بين الطرفين الفلسطينيين من حاجز في هذا الشأن هو الجانب التنظيمي، لذا كان التوافق على عقد اجتماع الهيئة القيادية التي تجمع اعضاء اللجنة التنفيذية والأمناء العامين للفصائل، كشكل مؤقت، ذلك أن دخول "حماس" و"الجهاد" للمنظمة، مشروط بالموافقة على ميثاقها وقراراتها السابقة، ما لم يكن ذلك الدخول مترافقاً مع إجراء انتخابات للمجلس الوطني .على أي حال، يبدو أن نظام الشراكة الفلسطيني، وبعد تجربة الشراكة في الانقسام، سيعود " للتوافق " بين شريكي الحكم، وقد ظهر هذا واضحاً، في نظام الانتخابات المعتمد، والمستند إلى النظام المختلط " النسبي والدوائر " ( يشبه نظام الانتخابات المصري )، ولعل صورة الشراكة التي سيكون عليها نظام الحكم في مصر ـ بين العسكر والأخوان ـ سيتم تمثله من قبل الفلسطينيين، وبذلك فإن الجانب المصري ربما كان أكثر من راع لحوار المصالحة، فهو مؤثر في الحوار جداً، تتطابق مصالحه القومية، مع طبيعة ترتيب هذا الملف، نظراً إلى كون فلسطين دولة جوار، كذلك هو موحٍ للمتحاورين الفلسطينيين، بعد ان عقد العسكر صفقة الشراكة مع الأخوان في مصر . يتأكد مع الوقت ما كنا نقوله دائماً من أن الملف الفلسطيني ـ بشقيه السياسي والداخلي ـ يتأثر جداً بالتطورات الإقليمية، وأن المركز الكوني بات يفضل أن يتم حله بعد ان يهدأ الحراك الشعبي العربي، وكتتويج لإعادة ترتيب المنطقة بما يتوافق والنظام العالمي الجديد الذي نشأ بعد الحرب الباردة، لذلك تجد الأطراف الفلسطينية ذاتها غير قادرة على استخدام العصا السحرية التي يريدها الشعب الفلسطيني بإعلان فوري وتام ونهائي وفي لحظة للمصالحة وإنهاء الانقسام، وأخطأ الطرفان حين جعلا من قضية تشكيل حكومة التوافق عنواناً أو مرادفاً لإنهاء الانقسام، ذلك أن كل تقدم يتم تحقيقه على هذا الصعيد، دون إعلان حكومة مركزية واحدة، سينظر له الفلسطينيون على أنه جزء من جهود وحوارات ولقاءات إدارة الأزمة، وليس حلها، مع أن الأمر ليس كذلك، وعلى كل حال فإنه حتى إجراء الانتخابات وبعدها أو قبلها تشكيل حكومة فلسطينية واحدة لكل من الضفة الغربية وقطاع غزة ـ تقول بالإطار الخارجي على الأقل ـ بوجود ولاية فلسطينية واحدة على جناحي الوطن، لن تكون كافية لانتزاع الاستقلال الوطني، فمحظور على كل فلسطيني أن ينسى ولو للحظة واحدة أن المعركة انما هي مع الاحتلال، وأنه لا بد من أن تنتهي الوحدة الداخلية بإطلاق مقاومة سلمية للاحتلال في الضفة والقدس، وإلا فإن نظام الشراكة قد يكون ناجحاً وفعالاً فقط في إدارة ذاتية لسلطة الحكم الذاتي، التي بدأت بحركة فتح وتنتهي بحركتي "فتح" و"حماس"، وكما يمكن لحكومة " إسلامية " تحترم اتفاقات كامب ديفيد ان " تعدل وتحسن " من شروط الاتفاقية وحتى تعيد عقد اتفاقية الغاز بشروط أفضل، يمكن لشراكة بين "حماس" و"فتح" ان تحسن من أوسلو، وتجعل من السلطة، شكلاً جديداً بين الحكم الذاتي والدولة، هذا ما لم تهدف الشراكة الى إطلاق المقاومة لانتزاع الاستقلال الوطني .