خبر : نكبات "الربيع العربي" الثقافية! .. حسن البطل

الثلاثاء 20 ديسمبر 2011 10:00 ص / بتوقيت القدس +2GMT
نكبات "الربيع العربي" الثقافية! .. حسن البطل



ازدادت شكوكي في دقة روايات المؤرخين المسلمين حول حريق مكتبة الاسكندرية، أوائل "الفتح الاسلامي" لأرض الكنانة، وكذا في روايات المؤرخين العروبيين التي تنسب الى الفاتح المغولي هولاكو رمي كتب المكتبات البغدادية في نهر دجلة، فاصطبغت مياهه بلون الحبر سبعة أيام. قال عضو مجلس إدارة المجمع العلمي المصري، عبد الرؤوف الريدي إن حريق المجمع "نكبة" مصرية. وقال وزير الثقافة شاكر عبد الحميد إنها "كارثة".. لكن تقرير وكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) عن "الكارثة" و"النكبة" أن وثائق ثمينة تحولت رماداً لم تثر اهتمام أحد، وأن مراهقين راحوا يلهون بأوراق تناثرت على الرصيف أو برك مياه تشكلت من إخماد الحريق.. وأن متطوعين حاولوا انقاذ ما يمكن إنقاذه. في مستهل "تحرير العراق" نهبوا المتحف العراقي، وفي مستهل "ربيع يناير" المصري حاولوا نهب أهم متحف عالمي، المتحف المصري.. والآن، حريق المجمع العلمي، وسبقه 2003 حريق مكتبة بغداد ومكتبة "الآباء البيض" 2010 بتونس. ويطالب السلفيون من "حزب النور" بجلببة تمثال أبو الهول وباقي التماثيل الفرعونية. بعد قرابة 1400 عام من حريق مكتبة الاسكندرية اعيد بناء صرحها بشكل هندسي وحضاري بديع حقاً، لكن الاسكندرية التي كانت منارة نافست روما وأثينا وأنطاكيا (راجعوا كتاب "عزازيل")، لم تعد مدينة "الثغر" المصرية، في نتائج الانتخابات الأخيرة. من بين 200 ألف كتاب أتى عليها حريق مكتبة المجمع، خصوا بالذكر موسوعة "وصف مصر" الأصلية، التي ألفها علماء فرنسيون رافقوا نابليون بونابرت في حملته عام 1798، ولعل علماء هذه الحملة كانوا خميرة نهضة مصرية قادها محمد علي الألباني، وفي نتيجتها ضاقت الفجوة التكنولوجية بين مصر وأوروبا الى 30-40 سنة. تحطم مشروع نهضة مصر، بفعل تدخل عسكري أوروبي، عندما حلم محمد علي وابنه ابراهيم ذلك الحلم القديم" امبراطورية عربية" تشمل سورية، وتنهي الخلافة العثمانية.. فإلى العام 1952 حيث كان ناصر أول حاكم مصري صميم منذ نهاية الحضارة الفرعونية وذيولها.. وتحطم المشروع الناصري للأسباب التي حطمت مشروع محمد علي.. ويبقى من "الإحياء الثقافي" الناصري حلم "إعادة كتابة تاريخ مصر".. وربما، أيضاً، "مشروع الألف كتاب" وسلسلة "كتاب الشعب" لجريدة "الجمهورية". نكبة فلسطين كانت سبباً في الانقلاب الناصري، لكن "حريق القاهرة" 1952 كان سبباً آخر، ولم يصبح هذا الحريق "أغنية" مثل أغنية "حريق لندن" أو لندن تحترق. أمة "اقرأ" لا تقرأ، ومتوسط قراءة المواطن العربي 6 دقائق في السنة، بينما 30 بالمائة من المصريين أميون، وثورة يناير التي أشعلها "جيل الفيسبوك" صبت في سلة الاسلاميين، واسطورة "شباب التحرير" انتهت الى صبية صغار أميين يتبادلون قذائف المولوتوف مع قوى الأمن، و"ضاعت الطاسة" حول أسباب الحريق أو "الكارثة" و"النكبة". وزير الآثار محمد ابراهيم، يقول إنه سيطلب من السلطات الفرنسية المساهمة في ترميم المبنى.. وربما ترميم الكتب المحروقة إن أمكن. سوف تتجاوب فرنسا على الأغلب، لأن "مصر ولع فرنسي" ثقافي وحضاري، كما يقول عنوان كتاب فرنسي. مكتبة الاسكندرية الحديثة، وقناة السويس، وعلماء الآثار الفرنسيون.. وأيضاً "هرم زجاجي" فرنسي في باحة "متحف اللوفر".. وأيضاً، ولع الرئيس فرانسوا ميتران في قضاء إجازات الميلاد في مصر، بما فيها إجازته الأخيرة قبل موته. يبقى السؤال: ما هو سر كراهية دهماء عامة العرب حالياً للكتاب، بينما كان المؤلفون العرب أرسوا مبادئ صرامة البحث العلمي. ربما يعود بعض السبب الى اكتشافي الشخصي أن الأصوليين الاسلاميين يعيدون طباعة أمهات كتب التراث بعد تنقيحها، بدلالة أن كتاباً بطبعة قديمة لـ "تفسير الجلالين" يختلف عن طبعة جديدة في تفسير بعض آيات القرآن الكريم. "الربيع العربي" قد يكون خطوة الى الوراء من أجل خطوتين الى الأمام.. لكن الخطوة الى الوراء تتضمن "كوارث" و"نكبات".. وأخبرني صديقي من غزة أن خطبة المساجد في الجمعة الفائتة، تركزت حول ذم وهجاء وتكفير العلمانيين. العلمانيون ملمون بالتراث الاسلامي، لكن معظم السلفيين يحاولون تفسير كل تقدم علمي باجتهاداتهم القرآنية؟ يأتي معظم السياح الى اسبانيا لرؤية حضارة إسلامية، والى مصر لرؤية حضارة فرعونية لا فضل للمسلمين في إحيائها إلا مؤخراً.