خبر : من السابق لأوانه إعلان خيبة الأمل..!! ..من السابق لأوانه إعلان خيبة الأمل..!!

الثلاثاء 20 ديسمبر 2011 09:59 ص / بتوقيت القدس +2GMT
من السابق لأوانه إعلان خيبة الأمل..!! ..من السابق لأوانه إعلان خيبة الأمل..!!



من السابق لأوانه إعلان خيبة الأمل ونفض اليد من الثورات العربية. سيجد أشخاص يصعب حصرهم في صعود الإسلاميين في الانتخابات بعد ثورات لم يشعلوا شرارتها الأولى، ولم يكونوا في قيادتها، ما يبرر نفض اليد وإبداء خيبة الأمل. وسيجد الأشخاص أنفسهم في تردي الأوضاع الاقتصادية والمجابهات الدامية في مصر، وصراع الميليشيات على السلطة في ليبيا، وفوضى المشهد اليمني، ومخاطر الحرب الأهلية في سورية، ما يبرر الوصول إلى النتيجة نفسها. في نفض اليد والتعبير عن خيبة الأمل ما يدل على فشل في فهم حقيقة وطبيعة ما حدث ويحدث. جزء من الفشل مرده المخيال السياسي السائد. فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية شهد العالم العربي انقلابات عسكرية أطلق عليها أصحابها تسمية الثورة، لذا اقترنت كلمة الثورة بالبيان الأوّل، والقيادة الواضحة، وآليات صريحة للضبط والسيطرة. وبين كل تلك "الثورات" والثورة بالمعنى الحقيقي للكلمة ما بين الأرض والسماء من بعد واختلاف. لذا، يجب التشديد على حقيقة أن ما حدث ويحدث:أولاً، يمثل ثورات شعبية هي الأولى في تاريخ العالم العربي. ثانياً، أن الثورة في حد ذاتها ليست إيجابية تماماً أو سلبية تماماً، فكل ما تعنيه البحث عن أفق جديد بالعنف والقوّة (قوة النيران أو قوّة الشارع). ثالثاً، وعلى الرغم من حقيقة أن ثورات كثيرة اخترعت لنفسها تاريخاً يتسم بالتسلسل المنطقي، إلا أن الثورة الفرنسية، وثورة أكتوبر، والثورة الأميركية، وثورات أميركا اللاتينية مرت بفصول مختلفة من الفوضى والاضطراب. كما أن استيلاء قوى لم تكن في صفوفها عليها لم يكن بالأمر النادر أو غير المتوّقع. الشعوب تصنع ثورات على صورتها. وكل الثورات لا تنجو من تشابك الوضعين الداخلي والخارجي، أي من الهوية الأيديولوجية والطبقية للقوى المشاركة في الثورة، ومن الضغوط أو المحفزّات الإقليمية والدولية. لذا، لا يمكن فهم الثورات في بلدان المعسكر الاشتراكي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي دون وضع هذين العاملين في الاعتبار. وبناء عليه لا يمكن فهم ما يجري في مصر، مثلاً، دون التفكير في تشابك الوضعين الداخلي والخارجي، ودون التفكير في حقيقة الرهانات والضغوطات الإقليمية. مصر هي مفتاح المنطقة. ورياح التأثير التي تهب عليها نفطية خليجية وأميركية وإسرائيلية، أما في الداخل فإن تحالف الجهل والفقر والمرض واليأس مع الرجعية والمحافظين يخلق قوّة لا يُستهان بها. وفي السياق نفسه لا يمكن فهم صعود الإسلاميين دون التفكير في حقيقة أن مشروع الأسلمة بدأ في الواقع على يد النظم القائمة، وبالتالي فإن صعود الإسلاميين في الانتخابات لم ينجم عن قناعة لدى الناخبين بصلاحية برامجهم السياسية والاجتماعية، بل نجم عن أربعة عقود من أسلمة جهازي التعليم والإعلام. الثورات الشعبية في العالم العربي، التي سيتوّجها إسقاط نظام آل الأسد في سورية، تعني فتح الأفق السياسي، وإعادة الاعتبار إلى الحقل السياسي باعتباره حلبة للصراع بين قوى ومصالح وطبعات وبرامج اجتماعية وأيديولوجية مختلفة. هذا لا يعني أن الحقل السياسي أصبح مفتوحاً بطريقة آمنة ومضمونة وسيبقى كذلك. فمن السذاجة التفكير في احتمال أن يتخلى الإسلاميون عن السلطة بعد الاحتكام إلى لعبة ديمقراطية نزيهة. سيعمل هؤلاء على خلق آليات ولغة ومفاهيم تبرر احتكارهم للسلطة. على أية حال، لن يطول الوقت حتى نتمكن من اختبار هذه الفرضية. ومع ذلك مجرّد تحرير الحقل السياسي من أنظمة وطغاة أغلقوه وصادروه على مدار عقود طويلة، يعني خلق سابقة تاريخية. القوى التي أطلقت الشرارة الأولى للثورات الشعبية لم تختف من الوجود رغم أن حجمها الانتخابي لا يوازي الحجم الانتخابي للإخوان والسلفيين. والرهان الحقيقي يقوم على أمور منها: أولاً، لن تفشل أيديولوجيا الإسلام السياسي قبل فشل تصوراتها السياسية والاجتماعية في الواقع، وقبل توطين هذه القناعة لدى قطاعات مختلفة من المواطنين. ثانياً، لن يحدث ذلك، للأسف، في وقت قصير. ثمة الكثير من المعابر الإجبارية ومن المحزن أن التاريخ يتحرّك بهذه الطريقة. وربما تصح العودة إلى عبارة شائعة لماركس مفادها أن الناس لا يصنعون تاريخهم على هواهم بل على أساس ظروف يُواجَهون بها. ثالثاً، الاحتكام إلى صندوق الاقتراع يعني محاولة البرامج الانتخابية نقد ونقض بعضها للفوز بأصوات الناخبين. وهذا يعني نقد ونقض أيديولوجيا الإسلام السياسي للمرّة الأولى منذ تحوّله إلى قوة انتخابية يعتد بها. وهذا أمر جديد في الحقل السياسي العربي. رابعاً، لنفرض جدلاً أن قوى اليسار والقوى الليبرالية هي التي حصدت أصوات الناخبين بعد الثورات الشعبية، هذا لا يعني أنها ستنجح، ولا يعني قدرتها لمجرد أنها يسارية وليبرالية وعلمانية..الخ على حل المشاكل الاقتصادية والديمغرافية والاجتماعية القائمة في مجتمعات تعرّضت للتدمير على يد الطغاة. وهذا أحد أوجه الاختلاف بين ثورات العالم العربي وثورات بلدان الكتلة الاشتراكية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. خامساً، بدأ بالفعل فصل جديد في تاريخ العرب. واستناداً إلى قول شائع مفاده أن التاريخ يدخل الفصل الجديد وعلى وجهه قناع الفصل السابق، ينبغي التفكير في الحاضر باعتباره فترة انتقالية، وبالقدر نفسه محاولة استشراف المستقبل. الانقلابات العسكرية لم تعد مُقنعة. الكذب على الناس بثورات وهمية لم يعد مُقنعاً. تبرير القمع في الداخل باسم قضية قومية في الخارج لم يعد مُقنعاً. وعمّا قليل لن تكون التقوى وسياسات الهوية مُقنعة، فالخبز والكرامة والعدالة أهم من الشعار حتى وإن قطرت من أهدابه التقوى. المهم ماذا تفعل وليس ما تقول. أخيراً، في كل مأساة صافية عناصر كوميدية رفيعة وبديعة. ومجرد بحث العرب في مطلع قرن وألفية جديدين عن مواطنة وحرية وكرامة وديمقراطية وحقوق إنسان ينطوي على كل عناصر المأساة، ومع ذلك في الكاريكاتير القطري ما يحيل إلى الكوميديا باعتبارها جزءاً عضوياً من المشهد. وهذا وذاك ومن طبائع الأمور.