خبر : سورية : لا حل منظوراً ... صادق الشافعي

السبت 17 ديسمبر 2011 03:01 م / بتوقيت القدس +2GMT
سورية : لا حل منظوراً ... صادق الشافعي



تبدو الأمور فيما يطلق عليه البعض المسألة السورية في غاية التشويش واللاوضوح، بل إن الأمور تتفاقم على الأرض بشكل مقلق ومنذر. لقد تراجع أو بالأحرى انتهى الحديث عن الحوار بين النظام الحاكم وقوى المعارضة الذي كانت الجامعة العربية قد أعلنت نيتها تنظيمه في رحابها وبإشرافها.ووصل دور الجامعة عموماً إلى حالة من السكون والمراوحة بما يؤكّد فشلها وعجزها عن إنجاز حل عربي للمسألة. والنظام الحاكم تناسى ما كان أعلنه منذ فترة على لسان أحد مسؤوليه عن نيته الدعوة إلى حوار وطني في سورية يرئسه الرئيس نفسه. ومن الناحية الواقعية، فقد انقطعت كل خيوط التواصل والحوار بين النظام وقوى المعارضة الخارجية، منذ أن تمسّكت بشعار إسقاط النظام. وضعفت هذه الخيوط، أيضاً، مع قوى المعارضة الداخلية باستطالة الزمن وسيادة الحل الأمني وسقوط المزيد من الضحايا على الرغم من أن شعار هذه المعارضة لا يزال تغيير النظام. ولكن الحقيقة المتصدرة للمشهد السياسي هي أن هناك إصراراً، وربما قراراً، غربياً بالمضي قدماً في الأمر حتى إسقاط النظام القائم وتركيب نظام بديل له على مقاس تصورات الغرب لعموم المنطقة وأهدافه فيها. وليس مهماً في سبيل ذلك عدد الضحايا، وليس مهماً لو تخلخل المجتمع السوري وتفككت وحدة الدولة ووصلت تأثيرات ذلك إلى بلدان المنطقة بأسرها.إن هذا الإصرار يتم التعبير عنه عبر كل وسائل الإعلام وبكلام واضح وصريح إلى حد الوقاحة التي يجيز معها مسؤول من الدرجة الثالثة لنفسه استعمال تعبيرات من مثل "يجب" و"عليه أن"... وكأنه يملي أوامره، بما يستثير ليس فقط الكرامة الوطنية بل والشخصية أيضاً.إن الغرب يجيّش من أجل تحقيق هدفه كل القوى والهيئات التي تسير في ركابه من بعض الهيئات الدولية إلى العقوبات الاقتصادية إلى محاولات العزل السياسي إلى التلويح بالتدخل الخارجي المباشر وبالقوة العسكرية إذا أمكنه ذلك.وتتساوق المعارضة الخارجية تماماً مع الغرب في إصراره أو قراره. بل إنها ممثلةً ببعض هيئاتها ورموزها، تستحث الغرب على التدخل، وبالقوة، بشكل لا يخلو من التبجح والوقاحة ونفخ الذات والقدرات والاستقواء بالغرب إلى درجة قبولها التفريط بسيادة الوطن وكرامته، إلى جانب إهدارها كرامتها الشخصية. بما يذكر بتجربة "الجلبي" وغيره من رموز المعارضة العراقية حين دعت دول الغرب لغزو العراق.ليس من باب كرم الأخلاق أن الغرب لا يجازف حتى الآن بالتدخل المباشر بالقوة بل من باب حساباته للوقائع على الأرض أول هذه الوقائع، أنه يعرف حقيقة أوضاع المقاومة الخارجية وقوتها ويعرف أنها على الرغم من كل ادعاءاتها لا تمثل سوى نسبة ضئيلة من أهل سورية وأن وزنها على أرض الواقع يكاد لا يذكر إضافة إلى أنها ليست منسجمةً فيما بينها ولا تملك برنامجاً موحداً لمستقبل سورية، وهي بذلك لا يمكن الاعتماد عليها.وثاني هذه الوقائع، أن النظام القائم في سورية لا يزال قوياً ومتماسكاً. فقد نجح في أكثر من مرة في حشد تظاهرات بأعداد كبيرة جداً في أكثر من مدينة في وقت واحد تأييداً له، في تأكيد على امتلاكه قوةً جماهيريةً واسعةً ومنتشرةً على امتداد البلاد. ويمكن القول في هذا المجال بالتحديد إن نسبةً لا بأس بها من الذين خرجوا في تظاهرات التأييد للنظام فعلوا ذلك بدافع الغيرة على سيادة الوطن وكرامته في وجه تطاول الغرب والمرتبطين معه بما شكّل استفزازاً لوطنيتهم.كما استمر تماسك قوى النظام العسكرية والأمنية بصرف النظر عن المبالغة الكبيرة والفبركة في الإعلان عن انشقاقات في صفوف تلك القوى وعن حجم تلك الانشقاقات. وأيضاً لا تزال تحالفاته الإقليمية والدولية على مستوى من الثبات والفاعلية يمنع حتى الآن من تشكيل موقف دولي جامع يسعى إليه الغرب ويعيق استصدار قرار دولي يؤمن غطاءً وشرعيةً للتدخل والعدوان.وثالث هذه الوقائع، عدم وجود دولة مجاورة لسورية تقبل أن تكون أرضها قاعدةً ومنطلقاً للتدخل الأجنبي بالقوة، وقادرة على أن تشكل رأس الحربة لذلك التدخل. لقد تراجعت وخبت إلى حد كبير الهبّة التركية وعنفوانها التهديدي ضد سورية، وأعلنت، مؤخراً، على لسان أحد مسؤوليها أنها لا تقبل أن تكون منطلقاً لأعمال عسكرية ضد سورية. وقد جاء هذا التراجع في الموقف التركي نتيجة حسابات داخلية تركية بالدرجة الأولى، ثم حرصا على أسواقها التجارية في دول المنطقة. في خضم ذلك تبقى الأمور في وضع المراوحة بلا حل منظور. وتبقى الحقيقة الأهم الواضحة وضوح الدم أن هناك ضحايا سوريين يقتلون يومياً، ولا قيمة بعد ذلك لأسئلة من نوع ما عدد من قتلوا ولا بيد من قتلوا ولا بأي ذنب قتلوا ؟.ويبقى خوفنا حتى الفزع على سورية الأهل والوطن والدولة والدور والتاريخ والتراث.