خبر : موسم انطلاقات الفصائل ... بقلم: رجب أبو سرية

الجمعة 16 ديسمبر 2011 01:54 م / بتوقيت القدس +2GMT
موسم انطلاقات الفصائل ... بقلم: رجب أبو سرية



بالكاد يلحظ المرء تحركات الرباعية الدولية بين رام الله وتل أبيب، ولا ينتاب المراقب المحايد أدنى شك في أن تلك التحركات وسواها يمكن أن تنتهي إلى شيء مهم، على الرغم من الطريق المسدود الذي وصلت إليه العملية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وعلى الرغم من نذر التوتر بين الجانبين، خاصة مع المحاولات الإسرائيلية المتواصلة لتسخين الأوضاع سواء أكان ذلك في قطاع غزة من خلال مواصلة سياسة الاغتيالات، والتوغل في المناطق الحدودية، أو عبر إطلاق المستوطنين لاستفزاز الفلسطينيين بكافة الطرق والوسائل الممكنة، بما في ذلك تلك التي تمس عقيدتهم الدينية. ولم ينته الصخب الذي رافق توجه الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة دون إطلاق انتفاضة شعبية فلسطينية فحسب، بل إن ولاية الرئيس الديمقراطي الأميركي باراك أوباما تكاد تنتهي دون أن يحدث شيء ذو بال، ليس بمستوى ما كان بشّر به من قبل بتنفيذ حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية "الناقصة" في المنظمة الدولية فحسب، بل دون أن ينجح في مواصلة التفاوض بين الجانبين والذي كان قائماً، في ظروف أصعب، إبان تولي إيهود أولمرت ومن بعده تسيفي ليفني مقاليد الحكومة الإسرائيلية. الربيع العربي أنقذ الإدارة الأميركية من المأزق، حيث انشغل الشارع العربي بما يحدث في بعض الدول العربية داخلياً من أحداث أدت إلى إسقاط أنظمة حكم، فيما الاهتمام بالشأن الفلسطيني تراجع كثيراً، على الرغم من محاولات الفلسطينيين، على صعيد القيادة الإبقاء على هذا الاهتمام من خلال "دراما" الذهاب للأمم المتحدة، أو من خلال التصعيد الشعبي الذي حاول الانخراط في الحراك الشعبي العربي، من خلال تسيير مسيرات العودة وفي مناسبتي النكبة في أيار ومن ثم في حزيران من العام الماضي. وربما كان للانقسام الداخلي فعل المعطّل لإطلاق الحراك الشعبي الفلسطيني، الذي لم يذهب بعيداً في إطلاق الربيع الفلسطيني، على الرغم من أن القيادة ممثلة بالرئيس شخصياً شجّعت على هذا الأمر، أولاً من خلال الحراك المنادي بإنهاء الانقسام، وتالياً من خلال الرد على التعطيل الأميركي للمسعى الفلسطيني بانتزاع قرار بضم فلسطين كعضو في الأمم المتحدة. يمكن القول دون مجازفة إن الملف الفلسطيني بات ملفاً على الرف بانتظار أن تنتهي المنطقة من إعادة ترتيب أوضاعها الداخلية، وعلى الرغم من اهتمام المصريين بتفاصيل هذا الملف الداخلية، على صعد استكمال ملف تبادل الأسرى و المصالحة، فإن العام القادم، الذي سيكون عام انتخابات أميركية لن يحمل في طياته، على الأقل حتى نصفه الأول أي تحريك محتمل للملف الفلسطيني، حتى فيما يتعلق بالشأن الداخلي، الذي أقصى ما يمكن الوصول إليه هو إنهاء الانقسام بالذهاب للانتخابات العامة، وهذا أمر مهم ليس بالمعنى السياسي فقط، بل لأنه يمثل، أيضاً، استحقاقاً داخلياً بالنظر إلى أن الشرعيات الفلسطينية قد انتهت (ولاية الرئيس وولاية التشريعي) ومن المعروف أنه لا يمكن تجديد هذه الشرعيات دون ضغط دولي على إسرائيل، حتى تجري العملية الانتخابية، ولا يمكن الحصول على هذا الضغط الدولي دون ضغط فلسطيني داخلي، أو حتى دون أن يقدم الفلسطينيون "تنازلات" لأوروبا وأميركا!. يبقى المفتاح في جيب الفلسطينيين، إذا ما توافقوا على إطلاق طاقة الشعب الفلسطيني الكفاحية، وعلى الرغم من التقدم على صعيد التوافق السياسي، فإن القيادة الجماعية، الميدانية ممثلة بالفصائل، لم تظهر حتى اللحظة القابلية للقيام بهذا الدور، وهذا الواجب، وربما كان الأمر يعود ليس فقط لاعتبارات الاختلاف في المصالح السياسية من إطلاق مثل هذا الحراك الشعبي، بل أيضاً لما انتاب هذه الفصائل من "ترهّل" تنظيمي، أهم مظاهره أن القوة المركزية للفصائل باتت ومنذ التحول فيها الذي بدأ منذ العام 2000 إلى فصائل شبه مسلحة، غاب الطابع الجماهيري عنها على الرغم مما يتمتع به بعضها من ثقل جماهيري. والآن وعلى الرغم من أن نهاية العام عادةً ما تشهد موسم انطلاقات الفصائل ـ الرئيسة منها: "شعبية" أولاً، "حماس" ثانياً و"فتح" ثالثاً، حسب تواريخ انطلاقاتها، وفي هذا فرصة التصعيد، لو كان هناك برنامج موحد ومشترك يهدف لإطلاق انتفاضة الاستقلال الفلسطيني، حيث يمكن لموسم الانطلاقات أن يشكل حتى لهذه الفصائل الفرصة لمراجعة شاملة تحتاجها هي أيضاً في سياق الربيع العربي، إلا أن ما يحدث لا يشير إلى هذا، بل على العكس، تتسابق الفصائل في مناسبات انطلاقاتها لإظهار حجم قوتها الذاتية في الشارع، حتى لو اتبعت كل وسائل "الفبركة" الإعلامية!. لابد من تغيير في منهج عمل الفصائل، يرتكز إلى تحويل الجهد التنافسي فيما بينها، إلى التنافس على تعبئة الشارع الفلسطيني وتحشيده ضد المستوطنين ومظاهر الاحتلال، ولابد هنا من أن تتقدم الفصائل ولمناسبة انطلاقاتها للشعب الفلسطيني بجردة حساب، تظهر من خلالها ما حققته على صعيد التقدم بالعلاقات الديمقراطية الداخلية، لأن فصائل أو أحزاباً لا تأخذ بمنهج العمل الديمقراطي الداخلي، لا يمكن أن تتعامل بشكل ديمقراطي مع الشعب الفلسطيني وعلى الصعيد الوطني، كذلك تقديم جردة حساب حول ما حققته على صعيد إنهاء الاحتلال، وليس فقط إلحاق الخسائر بالعدو، بل أيضاً الاعتراف بما ألحقته من خسائر في المقابل بالشعب الفلسطيني، فالمواجهة لم تكن من جانب واحد، ولا الخسائر البشرية كانت قسراً على العدو الإسرائيلي، كذلك لابد من أن يحاسب الشعب وعبر صناديق الاقتراع الفصائل منفردةً ومجتمعةً على ما ارتكبته بحقه من خطيئة الانقسام والصراع المدمر والذاتي على السلطة، أي أنه حان الوقت لأن يحاسب الشعب الفصائل، وليس السلطة فقط، فالناخب المصري لم يسقط النظام السابق فقط، ولكنه عاقب الأحزاب التقليدية التي عجزت خلال نحو ثلاثين سنة عن الوقوف في وجه النظام المستبد. على هذه الشاكلة، يمكن لشعبنا أن يتقدم بالاتجاهين: مقارعة الاحتلال بطرق وأساليب تنتمي للربيع العربي ـ عصر الديمقراطية، إسقاط الأنظمة بفعل الاحتجاج الشعبي، حيث يمكن للشعب الفلسطيني أيضاً أن ينهي الاحتلال الإسرائيلي بالوسائل نفسها ـ تقريباً ـ وفي الوقت نفسه بدمقرطة أدواته الكفاحية، وفي مقدمتها ـ المنظمة والسلطة والفصائل ـ التي تقود كفاحه منذ نحو خمسة عقود مضت. Rajab22@hotmail.com