خبر : العالم ينفلت.. وإسرائيل تتوحش ...بقلم: هاني عوكل

الإثنين 12 ديسمبر 2011 11:48 ص / بتوقيت القدس +2GMT
العالم ينفلت.. وإسرائيل تتوحش ...بقلم: هاني عوكل



فقط وحدها المصالح هي التي تحرك هذا العالم في يومنا الحاضر، خصوصاً في ظل حالة الحراك الثوري والسياسي التي تتبوأ عدداً من الدول العربية، وحالة الشد والجذب في موضوع العلاقات الإيرانية- الغربية، وبين هذا وذاك، موضوع الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. بسبب المصالح، يتدخل الغرب بشكل سافر في الشؤون الداخلية لبعض البلدان العربية، على اعتبار أن قلبه مع الشعوب المظلومة، وأنه يريد لهذه الشعوب أن تنال حريتها وتقرر مصيرها، بينما هناك دول عربية وغير عربية، تفعل ما تشاء ولا يستطيع أحد أن يعاقبها أو حتى ينتقد مواقفها. في ليبيا تدخل الغرب بالناتو ليس لحماية الشعب، ذلك أن الأخير فقد أرواحاً كثيرة بضربات الناتو، لكن هذا التدخل الغربي يأتي لتأمين وحماية "برميل النفط"، وربطه بهذه الدول وفق اتفاقيات اقتصادية لاحقة لنهاية الثورة، هذا فضلاً عن إعادة إعمار هذا البلد المنكوب بالشركات الأوروبية والأميركية. وفي العراق قبل ذلك، جندت الولايات المتحدة دولاً كثيرة، من أجل ضرب العراق و"تكسير رأسه" أيام صدام حسين، على أساس أن لديه برامج نووية ويمتلك أسلحة محظورة دولياً، وسقط النظام هناك، وتمكن الغرب بقيادة أميركا من السيطرة على العراق، ولم يجدوا تلك الأسلحة التي سوقوا أن العراق يمتلكها. والآن الخارطة الجيوسياسية مختلفة، فهناك بلدان عربية يتدخل فيها الغرب بالدعم اللوجستي والمادي والعسكري، بينما تجد دولاً أخرى تناصب الغرب مصالح مشتركة، وعلاقاتها به جيدة، حتى أن علاقاتها بهذا الغرب تفوق علاقتها ببعض جيرانها من الدول العربية، وأغلب منتجاتها هي من الغرب، ناهيك عن القواعد العسكرية الموجودة على أراضيها وبجنسيات متنوعة. أيضاً يمكن الحديث عن العلاقات الإيرانية- الغربية، فهناك عداء يعود لاختلاف جذري في بنية هذه الأنظمة، ولأن إيران تسعى لامتلاك النووي، فإنها في "بوز المدفع"، على أساس أنها من دول محور الشر، كما صنفها سابقاً جورج بوش الابن، ومثل ذلك كوريا الشمالية التي تنتمي إلى المعسكر الشيوعي. وفي حين تسعى إيران لامتلاك النووي من أجل تأمين مصالحها وإحداث توازن في معسكرها، نجد دولاً مثل الباكستان والهند تمتلك فعلاً السلاح النووي، وخرجت من معادلة المطالب والممانعات الدولية، ليس لأن الباكستان والهند دول شريرة، وإنما لأن مصالحها منسجمة مع المصالح الغربية. هذا يحدث مع إسرائيل التي تمتلك السلاح النووي بكثافة، ولا أحد يقول لها شيئاً، وهي تصول وتجول في المنطقة، لا بل إن الولايات المتحدة الأميركية تزود تل أبيب بأحدث الأسلحة والتجهيزات العسكرية، بحكم العلاقة القوية بين الدولتين، ولأن إسرائيل الدولة الأهم في المنطقة بالنسبة لأميركا، كونها رأس الحربة في مواجهة مشروعات التمكين والتطور العربي. لقد وقفت الدول الغربية مع إسرائيل في مواجهة المطلب الفلسطيني بإقامة الدولة استناداً إلى حقوقه المشروعة والمقرة في مواثيق الأمم المتحدة، وتمسكت بخيار المفاوضات الثنائية بين الطرفين الفلسطيني- والإسرائيلي، ولم تقل رأيها الصريح في موضوعات كثيرة، بينها الاستيطان الذي يهدد مستقبل الدولة الفلسطينية. كان يفترض أن تقوم الرباعية الدولية بحراك كبير، من أجل إعادة إطلاق المفاوضات والأخذ بعين الاعتبار موقف السلطة الفلسطينية الرافض للاستيطان، وظلت إسرائيل تتحرك وفق سياستين، أنها مستعدة للتفاوض مع الفلسطينيين، لكنها ليست مستعدة لتجميد الاستيطان أو النقاش الجدي في ملفات الحل النهائي. هناك من يقول إن إسرائيل ستعاند أكثر، خصوصاً بعد اللقاء الذي جرى مؤخراً، بين الرئيس عباس والمسؤول الأول في "حماس" خالد مشعل، والذي اتفق فيه على التأسيس لشراكة وطنية، لكن الحقيقة أن إسرائيل تعاند في كل الأحوال، وتصعيداتها حاضرة دائماً، سواء في حال دخلت في مفاوضات مع السلطة، أو حتى في ظل عدم وجود مفاوضات وإعادة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني. آخر ما قامت به إسرائيل هو المصادقة على بناء 14 وحدة سكنية استيطانية في حي راس العمود في القدس الشرقية، ضمن مخطط معروف لتهويد القدس، مع العلم أن سياسة مصادرة الأراضي وتكثيف الاستيطان زادت خلال السنوات الأخيرة إلى حوالي 40%، حسب تصريحات للمفاوض د. صائب عريقات، و"على فكرة" الاستيطان تكاثر خصوصاً في فترة المفاوضات الثنائية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وأكثر من ذلك، تصعد إسرائيل الآن من عدوانها على قطاع غزة، وعلى الأرجح أنها تريد رداً فلسطينياً قوياً يمكنها من زيادة التصعيد ضد قطاع غزة، لتعطيل جهود المصالحة الفلسطينية الداخلية، في ظل انشغالات العالم بالأوضاع الاقتصادية الصعبة، والحراك الثوري والسياسي الحاصل في بعض البلدان العربية. إن موقف العالم يتحدد أساساً بالمصالح، فلم تعد قصة تصدير الديمقراطية فعالة من جانب الدول الغربية، لأن هناك تحالفات بين دول مختلفة في البرامج والتوجهات الفكرية والعقائدية، وتجد هذه التحالفات عميقة إلى أبعد الحدود، وتستند إلى مصالح، بينما هناك دول تعاني من تدخل الدول الغربية، ارتباطاً بالهيمنة وإيجاد موطئ قدم سياسي واقتصادي...إلخ. طبعاً دولة مثل إسرائيل، ترتبط بعلاقات قوية مع أوروبا وتحديداً مع الولايات المتحدة الأميركية، ولذلك فإن لا أحد ينتقد إسرائيل، بل إن الرباعية الدولية خرجت لمساعدة الدولة العبرية في إدامة المفاوضات وإعادة إطلاقها في حال فشلت، والأمم المتحدة ليست سوى قطعة دومينو يحركها كبار العالم الذين تلتقي مصالحهم مع بعضها البعض. ولعل توحش العالم وانفلاته سيوفر لدولة عنصرية مثل إسرائيل، كل الذرائع لوأد الدولة الفلسطينية، فهي ماضية في هذا المخطط منذ إطلاق المفاوضات السرية وصولاً إلى اتفاق أوسلو، وحينما تقرر الأمم المتحدة أن لفلسطين دولة، تكون ذهبت هذه الدولة بسياسة تقطيع الأوصال وفرم الجغرافيا وخلق المزيد من الكانتونات.    Hokal79@hotmail.com