خبر : الجنون فنون: الأسد "ينشق" عن نظامه!! ..

الأحد 11 ديسمبر 2011 12:23 م / بتوقيت القدس +2GMT
الجنون فنون: الأسد "ينشق" عن نظامه!! ..



باربارا والترز صحافية لامعة، معروفة ومشهورة، ولم تكن بحاجة إلى مزيد من كل ذلك كي تزحف للقاء بشار الأسد، وكذلك محطة "إيه.بي.سي" التلفزيونية الأميركية المرموقة، فهي من أعرق المحطات ذات الباع الطويل في التحقيقات و"الخبطات" الصحافية، مثل باربارا، لم تكن بحاجة إلى مثل هذه المقابلة، بقدر الأسد نفسه، المعزول والمحاصر والمتهم، كان ولا يزال بحاجة إلى من يلقي باعترافاته أمامه، فكانت باربارا من الـ "إيه.بي.سي" والتي لم تتوقف عند إجراء المقابلة، بل صورت تحقيقاً صحافياً عن الوضع العام في سورية، وطافت في شوارع دمشق، وصورت الناس وهم يجلسون بهدوء في المقاهي وعلى الأرصفة، وتجولت في الأسواق لتعكس حالة الناس هناك، لتقول إن العاصمة تعيش كالمعتاد تقريباً، مع أن ساعة زمنية ومسافة قريبة، لا تعكس هذه الأجواء، فهناك تظاهرات واحتجاجات ومواجهات بعيدة بعض الشيء، هكذا قالت باربارا، لتؤكد مهنيتها من ناحية، ولترد سلفاً على أي اتهام لها ـ محتمل ووارد ـ بعدم الإنصاف والمصداقية. إلاّ أن هذه الصحافية المرموقة، كانت تدرك حاجة الأسد إلى مثل هذا اللقاء، وما شاهدناه من المقابلة في "المقابلة" أن باربارا، استنسخت قاعة المحكمة في جرائم الحرب، أكثر من أن الأمر يجري في قاعة الضيافة في قصر الرئاسة الدمشقي، وهي لم تكن ملامة على هذا الوضع، إذ إن الرئيس نفسه، وجد نفسه متهماً يحاول الإنكار، وفي موقف الدفاع عن النفس وليس في وضع من يرد على أسئلة صحافية، في موضع التبرير لا في موضع الشرح والتفسير، ما جرى في هذه المقابلة من "تحقيق" ربما يشكل تهيئة لما قد تكون عليه الأمور، عندما يساق بشار إلى محكمة جرائم ضد الإنسانية، مهما اختلف اسمها أو الهيئة التي تنتمي إليها. وبعد انهيار الأسد في اعترافاته في هذا التحقيق، حاول مساعدوه في وزارة الخارجية السورية إصلاح ما يمكن إصلاحه، بعد ما تبين أن انهيار المتهم، قد يودي بقطيع من المساعدين النافذين، فبكل بساطة، الأسد لم يعترف على "التدخل الخارجي" هذه المرة، بل اعترف على بطانته وشركائه في الجريمة التي حاول التنصل عن مسؤوليته عنها، بالضبط، كما تتكفل بعض القوانين لدى بعض الدول، بإمكانية عقد صفقة مع المتهم، لتخفيف لائحة الاتهام، وبالتالي تخفيف الحكم، في حال اعترف ببعض التهم أو الإدلاء بمعلومات تؤدي إلى القبض على باقي المتهمين، وهذا ما يمكن فهمه لدى تصدي المتحدث باسم وزارة الخارجية السورية جهاد مقدسي، لما أفاد به رئيسه للمحطة "الإخبارية"، مفنداً أقوال الأسد، في سياق ما أسماه تفسير ما قاله رئيسه، مدعياً قيام المحطة بتشويه مضمون المقابلة، والواقع أن المقدسي كان يدافع عن مساعدي الأسد، أكثر منه دفاعاً عن الأسد نفسه، والدليل على ذلك، ما جاء في ردود المقدسي وتفسيراته عندما انشغل بنفي ما قاله الأسد من أن القوات الأمنية ليست قواته، بينما لم يتطرق الناطق باسم الخارجية السورية، في مؤتمرين صحافيين خلال 24 ساعة، إلى ما قاله الأسد في المقابلة ذاتها من أنه لم يعط الأوامر لتلك القوات باستخدام العنف ضد السوريين، أي أن من قام بذلك هم "آخرون" ليس للرئيس سلطة عليهم، وعدم نفي ذلك يعطي إشارة على أن المقدسي إنما أكد اتهامات الرئيس لأعوانه، مع أن الناطق الرسمي كان يحاول إثبات العكس، ووقع المقدسي كرئيسه في حبال التحقيق، والفارق أن الأول فشل في نفي التهمة، بينما الثاني اعترف بها، تخلصاً من جريمة ارتكبها، إلاّ أنه غير مسؤول عنها، لأنها من صنع آخرين أولاً، ولأنه في حالة عقلية لا تسمح له بالتصرف بعقلانية، وهي الإشارة إلى قوله إن من يقتل شعبه إنما هو مجنون، وحيث إنه قام بذلك، فهو في حالة جنون تجنبه المسؤولية عن أفعاله. يؤكد الأسد في هذه المقابلة، أنه ليس "شبّيحاً" كما وصفته لافتات المحتجين في حمص وحماة ودير الزور ودرعا وغيرها من مدن وقرى وأرياف سورية، بل إنه "منشق" عن النظام الذي يترأسه، وأعتقد أن هذه العبارات هي ما تلخص كل ما كان يريد أن يقوله في المقابلة، وقد نجح في ذلك تماماً، مع أنه يتهم نفسه بالجنون، فعين العقل فعلاً، أن يكون مع المنشقين وليس من الشبّيحة، فأين منه هذا الجنون الذي يحاول التستر خلفه؟! وانشقاق الأسد عن نظامه، يذكر بقول العامة "الجنون فنون" فبصفته منشقاً، بات الأسد من المعارضة، بما يمكنه من إجراء حوار معها، بعدما رفضت المعارضة السورية الحوار مع نظام القتل والاستبداد، إلاّ أن الأمر يختلف عندما يصبح الأسد منشقاً عن نظامه. هي حالة جنون حقاً، سورية، ربما البلد الوحيد، الذي لم يكن له شأن بتصنيع أو استيراد الغاز المسيل للدموع لقمع الاحتجاجات، فسورية، قبل 15 آذار الماضي، لم تعرف الاحتجاجات الجماهيرية على الإطلاق، عرفت، وبشكل مثير للسخرية، كل أشكال التظاهرات المليونية الداعمة للنظام، الشرطة السورية لم تقمع أحداً من قبل، إذ لم تكن بحاجة إلى ذلك في ظل هذه الحالة، وهي الشرطة السورية، غير المعتادة على قمع الجمهور، وليس لديها أية خبرة في هذا المجال، وعندما اندلعت ثورة الجماهير، فوجئ النظام، بأنه لا يملك مثلما تملك كل الأنظمة، أدوات القمع المعهودة، الغاز المسيل للدموع، ولم يكن لدى النظام جهاز شرطة لديه تجربة وخبرة في قمع الاحتجاجات الجماهيرية، فاضطر إلى اللجوء إلى أسهل الحلول، مواجهة الاحتجاجات بأجهزة المخابرات والقوات الجوية والأرضية والبحرية، ووسيلة القمع وهدفها هو القتل، فما الحاجة إلى متظاهرين يفرون من أمام بنادق إطلاق الغاز المسيل للدموع، بينما بالإمكان قتلهم!! في مثل حالة الجنون هذه، التي تجاوزت حدود جنون القذافي بما لا يقاس، من المتعذّر إيجاد حل للوضع الدموي في سورية، فالمسألة ليست بحاجة إلى وسطاء أو حكماء، بقدر ما هي بحاجة إلى خبراء في علم النفس، والأمر يحتاج إلى جلسات تتبعها جلسات، واسترخاء ومداولات، وربما هذا ما دفع واشنطن ولندن وباريس إلى إعادة إرسال سفرائها إلى دمشق بشكل مفاجئ، وحتى قبل اعتراف الأسد بعدم المسؤولية عن نزيف الدم في بلاده، ربما للوقوف عن كثب على هذه الحالة غير المسبوقة في ظل "الربيع العربي"، وربما استعاضت هذه الشعارات عن الجواسيس والعملاء الذين عادة ما يشكلون عصب العمل الدبلوماسي، بخبراء في علم النفس وسيكولوجية القيادة، بهدف وضع حد لتصرفات غير مسؤولة يقوم بها مجنون، أكثر مما قام به حتى الآن. وكأي حالة جنون، فالعقلاء ينصرفون عن المجنون، ولعل هذا ما يفسر بهروب الحلفاء الممانعين من دمشق، أو على الأقل محاولة الهرب بتمهل إلى أن ينجح البحث عن مجنون آخر، لم يعترف بعد بجنونه، إذ باتت يافطة "الممانعة" هي امتناع عن إحكام العقل ومواجهة المحتل، وفي هذا السياق، فإن إسرائيل هي الخاسرة من اعتراف الأسد بالجنون، إذ إن هذا الاعتراف يعني أن مهادنته الدائمة للاحتلال، بحيث لا تذكر مرتفعات الجولان إلاّ لماماً، لم يكن عن قصد، أو قراءة للموقف، بقدر ما كان تيهاً ونزقاً وجنوناً، ومع أن هذه الحالة خدمت إسرائيل طوال خمسة عقود تقريباً، إلاّ أن البحث عن مجنون آخر، في هذا الزمن، زمن "الربيع العربي" بالغ الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً، فخسارة إسرائيل لمجنون من هذا النوع هو الذي يضع الدولة العبرية في مأزق حقيقي، وهو ما يفسر إلى حد بعيد هذا التعاطف مع نظام الأسد والخشية من خسارته!!. Hanihabib272@hotmail.com- www.hanihabib.net  هاني حبيب