للوهلة الأولى تبدو قضية الرئيس الإسرائيلي السابق موشيه كتساف الذي تم اقتياده إلى السجن قضية دولة ديمقراطية يتساوى فيها المواطن والرئيس أمام القضاء، وإن كان ثمة فارق حتى في الاعتقال بين سجن "مسعياهو" المخصص لكبار السجناء من السياسيين وأصحاب المصالح وباقي السجون الجنائية الأخرى.. إلا أن التمييز الطائفي في إسرائيل يفرض حضوره في هذه القضية كما كان دائماً كجزء من منظومة العلاقات في هذه الدولة التي فشلت حتى اللحظة في أن تشكّل فرن الصهر لليهود الذين تجمعوا من ثقافات مختلفة. هناك ما يعزّز الاشتباه بقوة في سلوك النظام القضائي في إسرائيل على مدار السنوات الماضية، وهذا النظام لا يزال خاضعاً لسيطرة النخبة الأشكنازية وهم اليهود من أصول غربية، والذي حال كما كل مؤسسات الدولة في العقود الماضية دون إعطاء الشرقيين فرصة ـ أي الذين هاجروا من الدول العربية ودول الشرق ـ أن يمسوا بالثقافة الإسرائيلية الأشكنازية التي شيدها الأشكناز، والحيلولة دون تغيير أسس النظام الاجتماعي السياسي الذي بناه الأشكناز والذين قاموا بعملية هندسة للدولة منذ إقامتها والتي تكفّل بها يهود أوروبا الغربية. منذ التأسيس وضعت قيود على هجرة اليهود الشرقيين إلى إسرائيل بعكس يهود أوروبا، واستقدمت إسرائيل يهود الشرق ليقوموا بدور العرب كأيدي عاملة رخيصة، ولا تزال الذاكرة الشرقية في إسرائيل تحتفظ بذكريات الهجرة، حين تم رشهم بالمبيدات الحشرية وتم إسكانهم في تجمعات انتقالية (معباروت) ومن هنا كانت كل حركات التمرد الاجتماعي في إسرائيل حركات شرقية (تمر وادي الصليب) (حركة الفهود السود) (حركة الخيام ) تعبيراً عن ذروة الشعور بالغبن من الدولة الأشكنازية والتي تمت هندسة مؤسساتها بعيداً عن مشاركة الشرقيين ومنها الجيش والقضاء ورئاسة الأحزاب والاقتصاد والصحافة. بالعودة لقضية كتساف الرئيس الذي ارتكب جريمة الاغتصاب وأودع السجن ليستقبله هناك الوزير الشرقي السجين شلومو بن عزري وزير الصحة عن حركة شاس الشرقية وتعود الذاكرة للمقارنة بين انحياز النظام القضائي الأشكنازي للقيادات الأشكنازية وقسوته على الشرقيين الذين ساهم النظام القضائي بإنهاء حياتهم السياسية وكان آخرهم موشيه كتساف ذو الأصول الإيرانية وقبله إسحق مردخاي كردي الأصل وكذلك أرييه درعي السجين الأبرز سابقاً في سجن "مسعياهو" والذي نصبت حركة شاس الشرقية خيام الاحتجاج على بوابات السجن واستخدمت قضيته في الانتخابات العامة عام 99 لتستغل ببعدها الطائفي مصورة أرييه درعي كضحية للتمييز العرقي لتحصد آنذاك سبعة عشر مقعداً في الكنيست الإسرائيلي؛ ما يدل على أن هذه القضية تحظى بمصداقية لدى الشرقيين والذين نمت لديهم هوية خصوصية في مناطق أقل من حيث المستوى من غيرهم وتسعى المؤسسة الغربية بكل وسيلة لإقصائها. القضية الأبرز والتي ربما تظهر بوضوح الصراع السياسي ورغبة الغربيين بتدمير كل الرموز الشرقية وإنهاء حياة كل النجوم الشرقيين سياسياً هي قضية نائب رئيس الليكود ووريث إسحق شامير (دافيد ليفي) وهو عامل البناء المغربي الذي اقترب من رئاسة حزب الليكود وكان على وشك ترؤس الحزب ليكتشف فجأة أنه ليس أكثر من مقاول أصوات للحزب بعيداً عن قيادة الحزب الذي سلم لمندوب إسرائيل في الأمم المتحدة حينها بنيامين نتنياهو. وفي العام 96 أثيرت في إسرائيل فضيحة إلقاء دم المتبرعين الأثيوبيين في مصارف الصرف في المستشفيات الإسرائيلية لتقضي تلك الحادثة على مستقبل الشاب الأثيوبي الذي كان يطمح لدور سياسي (أديسو مسالا) الذي اختفى عن الأنظار. في المقابل كان انحياز النظام القضائي الأشكنازي للسياسيين الأشكناز على درجة من الدعم الذي أخفى كل قضايا الفساد والقضايا الجنائية واستمر في تصوير الرموز السياسية الشرقية كرموز فاسدة ومغتصبة ومجرمة كما مدير الشرطة في الستينيات أبو حصيرة، لكن الرموز الغربية كلها لم ترسل للسجن وصورت جرائمها على أنها أخطاء بسيطة وبرئت ساحتها في المحاكم بدءاً من قضية إخفاء الأموال في البنوك الأميركية لزوجة إسحق رابين عام 76 مروراً بملف باراك حول تمويل الجمعيات وكذلك يمكن السؤال كيف اختفى ملف شارون المعروف بملف الجزيرة اليونانية وكيف تمت تبرئة ساحة حاييم رامون الذي اتهم بقضية مشابهة تماماً لقضية الرئيس كتساف على الرغم من وجود الضحايا ومن اللواتي قدمن للمحكمة ما يدين حاييم رامون الأشكنازي المدلل. وفي العام 96 ضبطت الصحافية الإسرائيلية أيالا حسون رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو متلبساً بالصفقة الأكثر فساداً في المؤسسة السياسية الإسرائيلية حين أراد دعم تعيين صديقه المحامي بار أون ليطلب من درعي دعم حزبه شاس للتعيين مقابل شطب ملف درعي الذي أدانته المحكمة به لاحقاً وأمضى عقوبته بالسجن، كيف انتهت القضية بالنسبة لنتنياهو؟ ككل قضايا الغربيين وها هو يعود رئيس وزراء دون أية قضية على الرغم من الشبهات التي تدور حوله في قضايا سفريات رئيس الوزراء والمتهم بالفساد أيضاً. الرئيس الإسرائيلي عيزر وايزمن تمت مقايضته بتقديم استقالته مقابل إنهاء ملفه ولم يذهب أيضاً للمحكمة وهكذا يتم تصوير القيادات الشرقية بالمقابل تبدو القيادات الأشكنازية على درجة من الطهرانية والنقاء لتبقى المؤسسة القضائية مشاركة في ترسيخ الثقافة الغربية من حيث تعزيز رموزها وإدانة الرموز الشرقية. عندما سئل الشاعر اليهودي الروسي والذي سمي في بدايات القرن الماضي شاعر الصهيونية عن سبب كراهيته للعرب أجاب "لأنهم يذكرونني باليهود الشرقيين" هذا هو بالضبط موقع يهود الشرق في الثقافة الغربية هم رعاع وفاسدون ولا يصحون للسياسة وقد شهدت إسرائيل منذ تأسيسها عمليات إقصاء حيث يعتبر الغربيون أن وصولهم للحكم سيتسبب في تراجع ونهاية الدولة من حيث عدم قدرتهم على الحكم فهم (ذوو هوية شرقية) أقرب للعرب. بالعودة لقضية الرئيس السجين الذي أثبتت المحكمة بالدليل قيامه بعمليتي اغتصاب بالكامل فهو سيقضي كامل حكمه في سجن كبار السجناء (سجن خمسة نجوم) ولن يحظى بعفو من الرئيس ولا بتقصير مدة الحكم إلى الثلثين لأن هذه وتلك تشترط أن يكون المجرم قد اعترف بجريمته وندم عليها لكن كتساف حتى اللحظة يصر على إنكار التهم الموجهة إليه ومع غياب الندم من الواضح أنه لن يخرج قبل سبعة أعوام هي مدة حكمه. Atallah.akram@hotmail.com