خبر : فلسطين : إقليم جديد و عالم مختلف ...ماجد عزام

السبت 10 ديسمبر 2011 08:38 ص / بتوقيت القدس +2GMT
فلسطين : إقليم  جديد و عالم مختلف ...ماجد عزام



 لم يكن من قبيل الصدفة على الإطلاق أن تتزامن صفقة تبادل الأسرى بين اسرائيل وحماس مع ما عُرف بـ"استحقاق أيلول"، ونيل فلسطين العضوية الكاملة في منظمة اليونسكو؛ لأنني أعتقد أن الأحداث الثلاث-بعيداً من التفاصيل الخبرية-  تتشابه في كونها نتاجاً للربيع العربي من جهة، و تتكامل من جهة أخرى لتقديم صورة عن الإقليم الجديد، حيث مصر اللاعب المركزي  واسرائيل المقيّدة والمعزولة، والعالم المختلف والأكثر تقبّلاً  للرواية الفلسطينية،  واهتماماً  بالرأي العام العربي وتطلّعاته .تضمّنت صفقة التبادل،  برأيي، عدة دلالات ذات طابع استراتيجي، أهمّها: تراجع أو بالأحرى، تآكل قدرة الردع الإسرائيلية بشكل تدريجي وبطيء ولكن متواصل، وشلل الآلة العسكرية والعجز عن استخدامها بشكل حرّ ومطلق كما في الماضي البعيد والقريب. علماً أن إسرائيل عجزت عن استرداد شاليت بالقوة، وهو ما مثّل  الخيار الأول على جدول أعمالها إلى حين اندلاع الثورة المصرية، وتأكّدها أنها عاجزة عن القيام بعملية عسكرية لاسترداده، حتى  لو حصلت على معلومات دقيقة عن مكان أسره؛ كون هذه العملية قد تتدحرج إلى حرب ترفضها القيادة المصرية جملة وتفصيلاً، لوعيها أنها ستثير غضب الشارع المصري، وقد يصل الأمر إلى حدّ انهيار الوضع الهشّ السائد، ليس في القاهرة فقط، وإنّما في  شبه جزيرة سيناء، منذ  توقيع اتفاقية كامب ديفيد حتى الآن .تحوّلت مصر أيضاً خلال الصفقة الأخيرة إلى الوسيط الرئيسي بعدما كانت الوسيط الهامشي أو الثانوي قبل الثورة، حينما أخلت مكانها طواعية للوسيط الألماني الذي لعب دور البطولة قبل أن يغيب تماماً عن المشهد. وهذا عائد أساساً إلى تبدّلات في موقفيّ حماس واسرائيل، خصوصاً هذه الأخيرة التي تكاد تخرج عن طورها لإرضاء القيادة المصرية  الجديدة،  حفاظاً على المعاهدة والوضع الراهن، و تحسّباً من وصول قيادة أكثر تطرّفاً إلى السلطة في المستقبل. واللافت أن تركيا أخذت دور مصر كوسيط ثان أو فرعي في تعبير عن تزايد دور أنقرة الإقليمي، واستيعابها لحقيقة أن من الصعب منازعة مصر دورها القيادي في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أو القضايا الأخرى  ذات الصلة المباشرة بأمنها القومي .إذا كانت صفقة التبادل تعبّر عن تآكل قدرة الردع الاسرائيلية في بُعدها الأمني أو العسكري، فإنّ "استحقاق أيلول"- رغم تعثّره المرحلي ( بإمكان السلطة الذهاب إلى الخيار الفاتيكاني وقتما شاءت)- يعبّر بدوره عن تراجع قدرة الردع في بعدها السياسي والديبلوماسي،ورغم التهويل والتهديد والوعيد من نتن ياهو وحكومته و"عصابة الثمانية" -حسب التصريح الشهير لجورج ميتشل- إلا أنّ ذلك لم يردع السلطة عن إصرارها في المضيّ قدماً فى الاستحقاق حتى النهاية. وإذا ما نظرنا إلى هذا الأخير في ضوء صفقة التبادل إيّاها نصبح أمام استنتاج لا بأس فيه أن اسرائيل عجزت عن فرض إرادتها على الفلسطينيين سلماً أو حرباً في الميدان أو في الأروقة السياسية والديبلوماسية .كما "استحقاق أيلول"، تعبّر عضوية اليونسكو الدائمة لفلسطين عن تآكل قدرة الردع الإسرائيلية- في بُعدها السياسي والديبلوماسي- غير أنها تعبّر في السياق أيضاً عن تقبّل العالم للرواية الفلسطينية  ورفض الرواية الإسرائيلية، بعدما باتت الدولة العبرية عاجزة ليس فقط عن تسويق روايتها وإنّما عن إخفاء جرائمها أيضاً  في عالم مختلف، حيث الإعلام  الجديد وتزايد تأثير منظمات المجتمع المدني، خاصة في الغرب. لن يكون بإمكان تل أبيب  الاستمرار في الاحتلال والاستيطان والحصار، وفي نفس الوقت ربح المعركة  على  الرأي العام  والمجتمع الدولي، في بُعدها السياسي الديبلوماسي والإعلامي، خاصة بعد الربيع العربي حيث بات الرأي العام العربي محطّ الاهتمام  والمتابعة في  العواصم الدولية بعدما همّش لعقود من قبل أنظمة الاستبداد والقهر والاستئثار والفساد.المعطيات السابقة تؤكّد إذاً تآكل قدرة الردع الإسرائيلية في أبعادها وتجلّياتها المختلفة، في ظلّ تحوّل تدريجي بطيء، ولكن متواصل، في موازين القوى لصالح الشعب الفلسطيني،  ما يعني ضرورة أن تتصرّف النخبة أو  الطبقة السياسية كما ينبغي، عبر إنهاء الانقسام وتشكيل قيادة موحّدة تدير الصراع بشكل صحيح،  يستفيد من المتغيّرات الإقليمية والدولية بعد الربيع العربي،  و يلحظ عدم  إعطاء إسرائيل المبرّرات لاستخدام الحدّ الأقصى من القوة المتوفّرة لديها، وفي نفس الوقت الاشتباك معها في معركة استنزاف متعدّدة الأشكال والأبعاد  تمتدّ من رفح إلى نيويورك،  مروراً  ببلعين والقدس ولاهاي وبروكسل. المهمّة تبدو معقّدة في الظاهر ولكنّها ممكنة، وفي متناول اليد فلسطينياً وعربياً ودولياً .                                                    مدير مركز شرق المتوسط للإعلام