خبر : مؤتمر بوسان 2011 : المساعدات الدولية بين الالتزام العالمي ومراقبة منظمات المجتمع المدني ..محسن ابو رمضان

الثلاثاء 06 ديسمبر 2011 01:22 م / بتوقيت القدس +2GMT
مؤتمر بوسان 2011 : المساعدات الدولية بين الالتزام العالمي ومراقبة منظمات المجتمع المدني ..محسن ابو رمضان



الملتقى الدولي للمساعدات الذي انعقد في مدينة بوسان في كوريا الجنوبية ،26 نوفمبر            -1 ديسمبر 2011 عبر عن اهتماماً دولياً في المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها الشعوب سواءً كانت في البلدان المتقدمة أو البلدان " النامية " ، خاصة في ظل الأزمة المالية والاقتصادية التي تعصف بالاقتصاد الكوني جراء أزمة الرهن العقاري التي بدأت بالولايات المتحدة منذ عام 2008 والتي تشعبت لتشمل اضطراباً بالأوضاع الاقتصادية بما يتعلق بزيادة نسب التضخم وتراجع معدلات النمو وازدياد نسب البطالة وتضعضع مكانة الدولار وكذلك اليورو جراء استمرارية هذه الأزمة التي ما زالت تؤثر على الحالة الاقتصادية الكونية ، والتي قد أدت إضافة إلى الاختلالات الاقتصادية ويسببها إلى تزايد الضغوطات الشعبية المطالبة بتحسين مستوى المعيشة وزيادة دور الدولة بالحماية الاجتماعية للقطاعات المهمشة التي تخرج من دائرة السوق بصورة متزايدة ،وبالتالي تندرج في دائرة الفقر والعوز ، حيث تحركت القطاعات الاجتماعية المتضررة بالعديد من البلدان الأوروبية ووصلت الاحتجاجات إلى احتلال الشارع الأهم دولياً على المستوى المالي والاقتصادي بالولايات المتحدة ربما العالم وهو شارع " وول ستريت "  في مطالبة شعبية بوقف حالة التدهور وتزايد دور الدولة والتراجع عن سياسة الليبرالية الجديدة التي تقدس آليات السوق والربح على حساب الضمان الاجتماعي للفقراء والمهمشين .لقد جاء الملتقى الدولي في بوسان ليؤكد من جديد رغبة معظم بلدان العالم باستمرارية تقديم المساعدات للدول الفقيرة والفئات الاجتماعية المعوزة ، وذلك عبر محاولة توحيد إرادة القوى المؤثرة بالعملية التنموية محلياً ودولياً وهي الدول المتقدمة صناعياً والمانحة وكذلك ممثلي كل من القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني اضافة إلى ممثلين عن قطاع الشباب والذي يعتبر عنوان المرحلة الراهنة بما أن المستقبل مرهون به وبتوجهاته باتجاه عالم أكثر مساواة وعدالة وانصافاً إلى جانب أعضاء برلمان ، وأكاديميين ومثقفين.لقد اعتبرت مشاركة منظمات المجتمع المدني بالحوارات والوثائق تحولاً نوعياً حيث تم الاعتراف به كشريك رئيس بالعملية التنموية .إن مشاركة حوالي 300 منظمة من منظمات المجتمع المدني من أكثر من 90 دولة بالعالم يعتبر        مميزاً للدور البارز لتلك المنظمات التي تؤثر موضوعياً في عملية التنمية من خلال ارتباطها بالفئات الاجتماعية المهمشة وقدرتها على تحديد أولوياتها واحتياجاتها ورفع صوتها إلى صناع القرار بواسطة أدوات الضغط والتأثير وآليات المسائلة الشعبية التي تمتلكها في المواجهة السلمية والديمقراطية مع الدولة عبر منهجية قانونية مبنية على الحقوق وقيم المواطنة المتساوية والمتكافئة وباتجاه تحقيق عملية التوزيع العادل للثروات ومنع استخدام السلطة كأداة للاحتكارات أو السيطرة والنفوذ على حساب السواد الأعظم من الفقراء إلى جانب مقاومة محاولة السيطرة البولسية على المجتمع عبر أدوات القمع والتنكيل حيث فشل نموذج الدولة الأمنية عبر الربيع العربي وأصبحت الوجهة الشعبية عالمياً تسير بوصلتها باتجاه النضال لتحقيق الدولة المدنية الديمقراطية المبنية على فلسفة سيادة القانون واحترام الكرامة والحريات العامة وتوفير الفرص المتساوية للمواطنين من أجل تحقيق التنمية المستدامة.لقد شملت الوثيقة الرئيسية لملتقى بوسان على مرتكزات عامة أجمع عليها المشاركون من كل الأطراف التنموية ، حيث أكدت على ضمان تحويل المساعدات إلى عملية تنمية مستدامة في اطار الانتقال الضروري من مرحلة الاغاثة إلى مرحلة التنمية التي تتطلب عنصري التمكين وبناء القدرات إضافة إلى الانخراط بالعملية التنموية والانتاجية ،بالاستناد إلى منهجية التنمية المبنية على النتائج " Result Base " والقدرة على قياس الاثر الذي من الضروري أن يتم ليس فقط من قبل الدول المانحة ولكن ضمن عملية مشاركة مع منظمات المجتمع المدني أو الدول " النامية "التي تتلقى تلك المساعدات وبالارتكاز إلى خطة التنمية الوطنية التي يجب أن تكون مترابطة مع الأهداف العالمية ومنها مثلاُ " أهداف الألفية للتنمية " MDGs ".كما أكدت على ضرورة التزام البلدان باحترام معايير حقوق الإنسان والديمقراطية والحكم الرشيد وتمكين النساء كشروط رئيسية لضمان وصول المساعدات لمستحقيها وليس توظيفها لصالح القوى النافذة التي تستغل تلك المساعدات لتحقيق الثراء غير المشروع " الفساد " .كما أكدت الوثيقة على أهمية التعاون والشراكة من أجل التنمية والمشاركة في تحمل المخاطر وأن تراعي الخصوصيات التنموية المحلية في إطار منظور دولي يرتكز إلى معايير الديمقراطية والحكم الرشيد وبهذا السياق فإن التعاون يجب أن لا يقتصر على العلاقة بين دول الشمال والجنوب بل يجب أن يتعدى ذلك إلى التعاون ما بين بلدان الجنوب نفسها " cooperation  "south -south.ورغم القواسم المشتركة بالوثيقة النهائية الصادرة عن ملتقى بوسان لقضايا مثل " المناخ المساعدة على التنمية "Enabling Envirment "  والمقاربة المبنية على الحقوق  " Right Base " ، ودور القطاع الخاص والبلدان الهشة " " Fragile states وحقوق النساء ، حيث لم تأت الوثيقة على التركيز عليها بل تم الاشارة إليها بالوثيقة النهائية دون وجود اجماع بالرؤية المنهجية مع المجتمع المدني ، حيث أن الأخير مثلاً لا يرى دوراً للقطاع الخاص خارج دائرة العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني ، وأن تمكين البلدان المهمشة يجب أن لا يؤدي إلى الوصاية عليها ، إلا أنه تم الإشارة إلى المبادئ العامة كحلول وسط بالوثيقة النهائية إلا أنها لم تكن مرضية تماماً لممثلي منظمات المجتمع المدني الذي أكد في وثيقة خاصة أنه يجب التمييز ما بين التنمية التي تعود منافعها للمستحقين الفقراء وبين معدلات النمو التي لا تعود بالضرورة بالمنفعة لصالحهم وكما أكدوا على أهمية اعتماد مبادئ الشرعة الدولية لحقوق الإنسان وكذلك طلب من أحد ممثلي منظمات المجتمع المدني إضافة تنفيذ الإعلان عن الحق بالتنمية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 86 والذي يربط التنمية بحق الشعوب في تقرير المصير .وقد عبر البيان عن ارتياحه النسبي من الوثيقة النهائية خاصة فيما يتعلق بالإعلان عن الالتزام في وثيقة اسطنبول 2010 الصادرة عن المنظمات المدنية التي تتضمن ربط التنمية بالحقوق، وبمبادئ حقوق الانسان.والسؤال هنا كيف يستطيع المجتمع المدني العالمي وعلى المستوى المناطقي والمحلي من الاستفادة من هذا الإعلان لتشكل عملية المساعدات مدخلاً مناسباً لتحقيق تنمية متواصلة وعادلة ولصالح المتضررين ؟ " From Aid Effectiveness and Development Effectiveness  ".ما هي الوسائل التي يجب أن تستخدمها تلك المنظمات لضمان ذلك وللتأكد من إلى الالتزام الدولي الكبير الناتج عن مؤتمر بوسان فيما يتعلق بتحويل المساعدات إلى تنمية مستدامة ؟يجب الانتباه إلى أن الملتقى الدولي من الهام أن يكون ساحة نضال لمنظمات المجتمع المدني من أجل تحقيق أهدافها والمطالبة بإدراج مبادئها التي تستند إلى قيم الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية في وثائق المؤتمرات الدولية لإلزام دول العالم بها ، وعدم التكيف مع المسار الدولي الذي ما زال يسير باتجاه منهجية الليبرالية الجديدة وإن كان يقوم بإجراءات جزئية وإصلاحية هنا وهناك ، بهدف استمرارية هذه المنهجية وليس من أجل تجاوزها إلي رؤية اقتصادية اجتماعية جديدة تستند إلى فلسفة الحقوق وإلى التعاون الحقيقي ما بين الدول والشعوب من جهة وما بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدنى على المستوى المحلي من جهة ثانية .من الضروري التأكيد على مبدأ استقلالية رؤية العمل الأهلي والمدني وأن لا تصبح جزء من مسار وآلية العولمة  والتي تبرز بتبنى الدول المانحة والمنظمات الدولية لمصطلحات ومعاني تنتمي لمنظومة المجتمع المدني الثقافية حيث ان هذا البروز بالبيانات والمواقف ناتج فقط من ضغوطات الشعوب وحركاتها الاجتماعية وقوة صوت منظمات المجتمع المدني .إن الاستقلالية لا تعنى عدم التواصل والحوار والالتقاء ولكن يجب ان تكون تلك الآليات مبنية على قاعدة راسخة وفق مبادئ ومفاهيم المجتمع المدنى ومنع عملية استيعابها بالآليات الجديدة .يجب أن يستمر المجتمع المدني بمراقبة مدى التزام دول العالم بالمساعدات حيث أشارت بعض التقديرات في إطار مداخلات المؤتمرين ان الالتزام لم يتجاوز من قبل المانحين مؤتمر باريس 2005 وإلى الآن أكثر من 20 % - 30% من تعهد دول العالم وهذا يتطلب رفع درجة المراقبة والمطالبة المستمرة بالتزام الدول في تعهداتها من اجل عالم أفضل ،0.7%خاصة إذا أدركنا أن ذات الدول كانت قد تعهدت باقتطاع 7. %من ناتجها القومي الإجمالي من اجل مكافحة الفقر وفق أهداف الألفية ولكنها لم تلزم ، فهل سنكون أمام مشهد جديد من عدم الالتزام من قبل الدول المانحة  ؟ .