هل ما يحدث في سورية ثورة أم هي المؤامرة الكبرى؟ هل هي المسألة السورية فقط من بين الموجات الثورية في هذا التيار العاصف، ما تحيلنا إلى هذه الحيرة بل التمزق في الوعي؟ بحيث نحتاج إلى إعمال الفكر العميق، من أجل تمييز الخيط الأبيض من الأسود في هذه الأزمة، إذا كان حسّنا السياسي للوهلة الأولى لم يختلط عليه الأمر ووقفنا بالعاطفة، والقلب كما العقل بل الرجاء والدعاء، أن يخلصنا الله من أولئك الثلة من الطغاة، زين العابدين بن علي ومبارك والقذافي ومع هذا الأخير لاقتلاعه حتى ولو بالتحالف من "الناتو"، الشيطان. لندع المجرمين يقتلون المجرمين الظالمين. ولكن مع سورية ينشطر وعينا وموقفنا، يحدث هذا الانقسام على مستوى النخبة السياسية. المثقفون من فلسطين إلى لبنان ومصر وحتى خصوم سورية العرب لا يجرؤون على الكشف عن نواياهم الخبيئة في العلن، الدعوة إلى التدخل الدولي بخلاف المسألة الليبية. لماذا إذن لا تحظى ما تسمى الثورة السورية بهذا الإجماع، أولاً في بلدها سورية، لا على المستوى الشعبي ولا على مستوى النخبة الثقافية، كما يحظى النظام في سورية، بهذا التعاطف من لدن معظم النخبة الثقافية والإعلامية في لبنان والأردن على سبيل المثال، كما من لدن رمز إعلامي وثقافي كبير هو الأستاذ محمد حسنين هيكل، وغيره من المثقفين المصريين وحتى كتاب أعمدة مرموقين في الصحافة الغربية مثل روبرت فيسك والسيد جورج غلاوي. كما من البطريرك الماروني في لبنان بشارة الراعي في موقف لافت بخلاف الإرث التقليدي لموقف الكنيسة المارونية في لبنان. والمسألة واضحة: قل لي من يكرهك أو يمدحك أقل لك من أنت. وهذا يحيلنا إلى السؤال الجوهري الذي يتعلق بمفهوم الثورة أو تعريفها، كما فلسفتها مرجعيتها ونظريتها، برنامجها. وشرطها الموضوعي والذاتي. فما هي هذه الثورة التي يصار إلى تعويض نقص اختمارها الثوري والتحايل على ظرفها الموضوعي والذاتي بقوة خارجية إقليمية ودولية قوى مشكوك في نزاهتها وأهدافها. في تحالف ملتبس بين أنظمة حكام يحكمون في بلدانهم دون دساتير. أنظمة ثيوقراطية والغرب الرأسمالي نفسه، الذي لم يحنُ على ثورتنا نحن الفلسطينيين. ودافعه غير أخلاقي في الانتقام من سورية. لإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط من جديد. ما هو البرنامج الثوري لثوار سورية الذي يحظى بدعم سمير جعجع، وتحالف 14 آذار في لبنان. ما هي مسطرة القياس هنا؟ في محاولتنا التوفيق بين رسالة الثورة الأخلاقية التي لا يمكن تجزئتها وبين الموقف من المقاومة في لبنان وفلسطين وحيث دمشق هي عقدة الوصل. نحاول أن نفهم فقط كيف يمكن أن تقوم ثورة على نظام يحتضن خالد مشعل ورمضان شلح وأحمد جبريل وحسن نصر الله وباقي الفصائل الفلسطينية كما هو القناة الداعمة لتغذية حزب الله، وحيث النظام السوري الذي يمكن انتقاد طريقته في الحكم وإدارته، كما السجال ضده في غضون التدخلات التي كان يمارسها للاستحواذ على ما كان يسمى الورقة الفلسطينية، وقد ساجلنا نحن دفاعاً عن القرار الوطني المستقل خلف عرفات ضد هذه المحاولات. إلا أنه هو النظام العربي الوحيد الذي لم يوقع على اتفاق سلام مع إسرائيل حتى الآن. وما زالت أراضيه محتلة، فهل يمكن تجاهل هذه الأبعاد في النظر إلى ما يجري؟ ومن هي المعارضة السورية ؟ هل هي ممثلو المجلس الوطني الذين ضربوا رجلاً محترماً مثل ميشيل كيلو ورفاقه من المعارضة التاريخية في الداخل السوري يقدمون لنا مثالاً، نموذجاً عن ديمقراطية النظام الذي سوف يؤسسون له في سورية بديلاً عن آل الأسد؟ وكيف يمكن لنا ألا نحترم ثورة كالثورة اليمنية التي حافظت على سلميتها كما الثورة المصرية في ميدان التحرير، مقارنة بما يحدث في ريف سورية وأطرافها. أين المحافظات الثماني عشرة في سورية؟ التي تملأ الميادين؟ وأين جماهير مليونيات ميدان التحرير؟ وزحف جموع المدن التونسية إلى العاصمة. وحتى ثورة الليبيين من شرق ليبيا إلى غربها وجنوبها، حتى ولو بالسلاح للتخلص من رجل سفيه. فهل بشار الأسد يقارن بالقذافي؟ هذه سورية سواء أكانت تحكم بطريقة الانقلابات أم باستبداد، فإنها لا تخرج عن تقاليدها منذ سعد الجابري وفارس الخوري وشكري القوتلي، وقد نختلف معها ومع حكامها آل الأسد، ولكن سورية كانت ولا تزال وتظل هي قلب وموطن الفكرة العروبية والقومية، وما يحدث هو تصفية الحساب مع هذه التقاليد، الدور والموقع والفكرة والرسالة، فما هو قياس الثورة هنا. إذا كانت المسألة المطروحة تغيير المسار. ما هو المفهوم المؤطر للقضية إذن ؟ دعونا ننظر إلى المسألة من زاوية أخرى . هل نعلم أن أرخص سعر لربطة خبز في العالم ربما هو في سورية، 3 ربطات بـدولار واحد. وأن أرخص سعر للمحروقات هو في سورية. وأن التعليم مجاني. وأن المواطن السوري يتعلم فن وثقافة الاقتصاد منذ ولادته كما يتعلم حروف الكلام. وأن سورية من بلدان ثلاثة في العالم العربي هي المؤهلة لامتلاك اقتصاد قوي. والتي تتوافر فيها الشروط الثلاثة أرض زراعية قابلة للاستثمار الزراعي وقوة بشرية وموارد طبيعية وهذه الدول هي سورية، العراق والجزائر. وهي الدول الثلاث التي استهدفت منذ عقد التسعينيات حتى الآن. بحيث نعرف الآن أن سورية تأكل وتلبس مما تزرع وتنتج، وأنه لا يوجد عليها دولار واحد من الديون. هل نعرف أن الملبوسات السورية القطنية تحديداً، الفاخرة تصل إلينا حتى هنا في غزة وفلسطين هي الأفضل جودة فيما ضربت الصناعة القطنية المصرية كما الزراعة في مصر. وأن سورية هي أكبر بلد مصدر لزيت الزيتون في المنطقة ويصلنا بسعر رخيص هنا عبر الأنفاق إلى غزة. هل نعلم أن سورية كانت طوال الوقت منذ عقد الثمانينيات تحت الحصار والعقوبات الاقتصادية، وأنه فقط الدول التي تعرضت لهذه العقوبات هي كوريا الشمالية، إيران، كوبا. سورية هي التي توصلت إلى الاكتفاء الاقتصادي الذاتي. وهل نعرف أن سورية ما فسدت إلا عندما تبنت في السنوات الست الأخيرة سياسة الانفتاح على الاستثمارات الخارجية، واقتصر معظمها على الاستثمار العقاري، ما أدى إلى زيادة أسعار الأراضي والشقق السكنية وتخريب الريف الزراعي بسبب المضاربات العقارية. وربما أن هذا السبب يوجد في خلفية الأزمة التي حدثت بحيث يمكن ملاحظة أن الاحتجاجات الشعبية السلمية إنما انطلقت من المدن المهمشة والأرياف، في ست محافظات محددة. لكن هل يمكن الحديث عن ثورة شعبية تقتصر على 6 مدن في الأطراف، دون أن تمتد أو تنتقل إلى كل المحافظات كما في ثورة مصر ليبيا، اليمن ؟ وما هو سر هذا التحالف بين النظام والطبقة الوسطى كما برجوازية سورية، حلب والشام، وهل نعرف استطراداً وهذا يعرفه الجميع الأسر العربية والفلسطينية أن الدراما السورية الفنية هي الدراما التي تفوقت على نظيرتها المصرية. لاحظوا المسلسلات في رمضان، فهل هذه دولة في المحصلة الأخيرة يمكن اعتبارها دولة فاشلة حتى تكون الثورة عليها واجبة ؟ صحيح أنه يقال إنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ولا بفتة الحمص السورية اللذيذة وأن الناس لا يستطيعون احتمال حكم عائلة لفترة مديدة، أربعين عاماً. لكن هنا يمكن التحدث عن جدوى ووسائل، الخيارات، الممكنة لحل الأزمة، هل هي بالوسائل العنفية أم بالحوار؟ هل بقلب الأوضاع رأساً على عقب بصورة جذرية، أم عبر الإصلاح وتالياً السؤال إن كان الإصلاح يشكل حلاً واقعياً إذا كانت الثورة هنا لا يمكنها أن تتبع النموذج الليبي، الحسم العسكري الجذري، ولا النموذج التونسي والمصري، إعادة تركيب النظام، التركيب الذي يعقب التفكك والفوضى. لنتفق على أن الثورة فاشلة لأن قوة الروابط العلائق هنا في سورية هي العامل الحاسم في تقرير مصير الصراع، الأزمة، قوة سورية الطبيعية والجغرافية كما مركزها السياسي والمنظور الجيو إستراتيجي بحيث لا يطرح نجاح الثورة سوى إعادة تفكيك سورية إذا كان هذا النجاح مرتبطاً بتدخل خارجي. أو حرب إقليمية وربما عالمية. لا حظوا الموقف الروسي، دخول البوارج الحربية الروسية إلى شواطئ سورية بما يذكرنا بأزمة التدخل الدولي منتصف القرن التاسع عشر البوارج الحربية قبالة شواطئ لبنان. ولا حظوا الموقف الإيراني ولا حظوا الأوراق التي تملكها سورية ولم تستعملها بعد، والصورايخ الإستراتيجية التي زودت روسيا سورية بها ضد البوارج والطائرات . لا يوجد أفق أو خيار لنجاح الثورة؛ لأن الثورة لا تملك قوة دفع ذاتية وزخماً لا يمكن كسره على الأرض، وإذا كان الخيار التعويضي هو الخنق من الخارج اقتصادياً، وسياسياً فإنه لن يمضي وقت طويل حتى نرى كيف أن هذه المحاولة لا يمكنها أن تصنع توازناً جديداً، إذا كانت سورية تملك ورقة لا يمكن تعويضها، وهي قوة التحالف مع قوتين عظميين هما إيران وروسيا، كما كفاءتها في الاعتماد والتفوق الذاتي على الحصار والتفاف الشعب حول النظام، في مواجهة الضغوط الخارجية