أصدر مجلس الجامعة "العربية" برعاية تركية وتعليمات أمريكية قرارات جديدة تمس حياة السوريين ومعاشهم تحت دعوى محاصرة النظام السوري وتشديد الضغط عليه لوقف ما أسماه عمليات القتل ضد المتظاهرين السوريين. العقوبات الجديدة تطال هذه المرة أسس الاقتصاد السوري ودورة الإنتاج والتسويق والتجارة فيه، وتحد من قدرة سورية على تأمين حاجات الشعب السوري الأساسية، وليس كما يزعمون بأنها تتجنب التأثير السلبي على معيشة الناس، بل يمكن القول أن هذه العقوبات والعراقيل التي أقرتها الجامعة مساء الأحد 27 / 11 قصد منها محاصرة الشعب وتضييق الخناق عليه بغية تحريضه على دولته ونظامه تلبية لمطالب أمريكية أوروبية متجانسة تستهدف تطويع سورية وإخضاعها للمشروع الأمريكي وليس من أجل حرية السوريين التي تنتهك يومياً في الجولان ولا صوت يسمع من هؤلاء أو عملائهم في الجامعة المذكورة. الملفت أن قرارات الجامعة التي اتخذت بعد اجتماع قصير ترافقت مع إجراءات إسرائيلية وحشود عسكرية على الحدود تتناغم مع حالة الضغط والإرهاب التي توجه للقطر العربي السوري وقيادته لكسر إرادته وإدخاله بيت الطاعة الأمريكية. المواجهات الدموية في حمص وحماة وسقوط عشرات القتلى من العسكريين والمدنيين كانت تفترض أن يكون هدف اجتماع هؤلاء في أحد فنادق القاهرة حقن هذه الدماء ووقف النزيف المستمر من أجساد أشقاء كانوا ينتظرون النصرة بعقد الصلح وتطبيب الجراح بدل الحصار الاقتصادي والدفع لمزيد من العنف والقتل عبر إفقار الناس وحرمانهم من مقومات العيش، والمحصلة كما نراها ازدياد صعوبات وتكاليف الحياة الأمر الذي يدفع مزيد من الجمهور والعائلات إلى مستويات أدنى للعيش والحرمان الذي يؤدي لتوترات اجتماعية خطيرة تنتج العنف وتقود إليه. إن السرعة في أخذ قرارات العقوبة على سورية وتعقيد المشكلة يشير بوضوح إلى خارطة طريق رسمت سابقاً لتصل سورية من خلالها إلى ما تريده الدوائر الاستعمارية التي يهيمن عليها الرأسمال المتوحش وتلعب فيها قطر والسعودية دور مخلب القط. إن المستمع لما أدلى به وزير خارجية قطر في الرد على الصحفيين يتيقن من أن الرجل ينفذ بدقة إملاءات خارجية وتعليمات أبعد ما تكون عن المصلحة العربية رغم تأييد أغلبية كبيرة جداً للقرارات العبثية التي اتخذها مجلس الجامعة مساء الأحد، ففي إجابة مرتبكة على سؤال المقارنة بين الرد على العدو الصهيوني في مجازره ضد أهلنا في غزة والقدس وما يقوم به من تهويد واعتداءات وحشية وهي ردود جبانة ولا تتعدى الكلمات الجوفاء وبين القسوة المفرطة والسرعة في فرض الحصار على سورية قال المذكور أن عجز الجامعة عن ردع الكيان الصهيوني لا يعني السكوت على جرائم قتل السوريين والتنكيل بهم، وهذا كلام يبدو للوهلة الأولى صحيحاً لكن سرعان ما يتبين كم هو كلام مزيف وحق يراد به باطلاً، فالدور القطري في ليبيا واليمن ومصر أنتج تحت ذات الحجج والذرائع دماراً وحرائق سيمر وقت طويل قبل أن تخمدها الأيدي النظيفة التي لم تتلطخ بدماء مواطنين عرب أبرياء وهي قطعاً لن تكون أيدي قطرية أو سعودية. الاستمرار في تجاهل جوهر القضية السورية والدفع نحو التدويل يتلبس الجميع في جامعة الفشل العربي وتقويض العمل العربي المشترك كأنما هو فكرة تهيمن على الكل وتدفعه نحو المجهول أو هاوية عميقة ترضي الطرف الأمريكي وحليفته تل أبيب. إن المواطن العربي يتساءل عن الحكمة من وراء حظر الطيران المدني مع سورية ومن المتضرر من هكذا إجراء، كما يتساءل عن الهدف من منع التبادلات التجارية والاستثمارات في سورية ووقف الأعمال البنكية وما إلى ذلك من إجراءات مقاطعة وعقاب تمناها هذا المواطن ضد العدو الصهيوني الذي يحتل أرضنا ويمس كرامتنا كل يوم، وخاصة أن دولاً عديدة ممن صوتوا مع قرار العقوبات على سورية يقيمون علاقات تجارية وثقافية وأمنية مع هذا العدو وخاصة الدولة التي ينتمي إليها رئيس اللجنة المكلفة بالملف السوري والجارة الأردنية. كلنا نرفض أن تسقط قطرة دم واحدة من أي مواطن سوري سواء كان مدنياً أو عسكرياً ودعونا ولا نزال ندعو لوقف القتال والعنف ومحاسبة كل من ارتكب جريمة بحق المواطنين السوريين عبر قتلهم أو إهانتهم، ونجتهد بحرية في تحديد مكامن الخلل ومن المسؤول عن التصعيد وتعريض البلاد للخطر والتدخل الأجنبي، لكننا لا نجتهد في تحديد الطريق الصالح الذي يجب أن تسلكه الجامعة العربية "إن جاز أن نسميها كذلك" للحد من سفك الدماء بسورية وهي طريق لا يمكن أن تتفق مع قرارات الجامعة التي صدرت ليل الأحد في القاهرة واستهدفت إرضاء العدو الإسرائيلي الذي لم يتأخر عن إجراء مناورات وتحشدات معينة في الجولان السوري المحتل لتكتمل الصورة وتصبح المعادلة: الشعب السوري والجيش السوري في مواجهة قرارات الجامعة وتحركات العدو، ليأتي دور المعارضة الوطنية السورية مكملاً لجبهة المقاومة بعد أن تنجز المصالحة ويتفق الجميع في سورية على معالم الطريق نحو مستقبل مشرق لبلدهم. Zead51@hotmail.com