خبر : الربيع العربي : عوامل داخلية فجرت الثورات وقوى خارجية تحاول احتواءها ..عبد الحميد صيام

الجمعة 18 نوفمبر 2011 01:07 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الربيع العربي : عوامل داخلية فجرت الثورات وقوى خارجية تحاول احتواءها ..عبد الحميد صيام



سأبقى أرفض نظرية المؤامرة الخارجية في انطلاق الربيع العربي وأصر على أن هناك أسبابا داخلية بحتة كانت وراء انفجار البركان. بل الأمر المحير أن هذه الثورات تأخرت كثيرا عن موعد انطلاقها الذي كان يمكن أن يتزامن مع حرب الجنوب اللبناني عام 2006 أو الحرب على غزة في نهاية 2008 وبداية 2009 وذلك لانكشاف النظام العربي الرسمي وانصياعه الكامل للإملاءات الخارجية واصطفافه إلى جانب أعداء الأمة التاريخيين. ودعني أستعرض بعض المظاهر التي انتشرت في جسم الأمة قبيل إنطلاق الثورة وأسأل: ألا تستحق هذه الظواهر المرضية طوفانا يدمر البنى الرسمية المهترئة للنظام العربي الرسمي ويطيح بطاقم حكام فاسدين ليس لهم علاقة مع نبض الشارع في بلدانهم؟. الظاهرة الأولى: التفتت الإقليمي حيث أصبحت كل دولة عربية كيانا منعزلا لا علاقة له بمحيطه العربي تعمل لمصالحها الذاتية وترتبط بمعاهدات ثنائية لا يهمها الصالح العام للأمن القومي العربي، بل وتعمل مع دول غربية لتدمير جارتها العربية؛ كما هو الحال في العراق. الظاهرة الثانية: انتشار الطائفية والتفتـت العرقي والديني داخل البلد الواحد، حيث أصبحت الأقليات غير آمنة على نفسها فتمت مهاجمة الكنائس في العراق ومصر وهوجمت الأقليات في كل أكثر من بلد وخاصة في دول الخليج وأصبح الحديث عن الهلال الشيعي والخطر الشيعي أهم بكثير من الخطر الإسرائيلي والإمبريالي. لقد حاول النظام العربي المرتبط عضويا بالإمبريالية الأمريكية أن يهول من الخطر الإيراني ليسهل عملية إحتضان إسرائيل وتدويرها كجزء أساسي من المنطقة وتقديمها كحليف يقف مع العرب ضد الخطر الإيراني. ونحن لا ننكر أن إيران لها مطامع إقليمية وخاصة في العراق لكن هذا لا يعني قلب الأولويات بهدف التخفيف من عداوة العرب لإسرائيل. ولم يكن هذا التيار أكثر شراسة ووضوحا من تلك اللحظة التي اصطف فيها مع إسرائيل ضد حزب الله في الجنوب خلال حرب عام 2006 ثم أطبق الحصار على غزة أثناء حرب 2008/2009 فأغلق النظام المصري معبر رفح ومنع عقد اجتماع خاص في الدوحة لمساعدة غزة بل ووقف أبو الغيط بجلافته المعروفة ليفتخر ’أيوة- مصر هي اللي أفشلت اجتماع الدوحة’.الظاهرة الثالثة: انصياع كامل للإملاءات الأمريكية الإسرائيلية وبشكل علني ووقح، لدرجة أن الحرب على غزة أعلنت من القاهرة وأن مشروع توماس فريدمان تبنته القمة العربية في بيروت عام 2002 مع محاولة التحايل على حق العودة. لقد أصبح المسؤولون الإسرائيليون يتجولون في عواصم الوطن العربي بكل علنية بل ودخلت الفرق الرياضية على الخط وفي ذكرى قيام دولة الاغتصاب تنهال عليها رسائل التهنئة من أكثر من طاغية عربي. لقد أصبح الحاكم العربي يرقص بالسيف لمن دمر العراق ويختبئ في الجحر مغمضا عينيه عن تدمير غزة.الظاهرة الرابعة: تراجع مركزية القضية الفلسطينية بشكل مخيف خاصة بعد الانقسام الذي حصل بين الضفة التي تحكم السيطرة عليها مجموعة أوسلو المنحرفة وطنيا، وغزة التي تحكم السيطرة عيلها حركة حماس التي تحولت بعد فوزها في الانتخابات عام 2006 من حركة مقاومة ذات شعبية عالية إلى سلطة تصدر الفرمانات في ما يتعلق باللباس وقوانين التنزه على البحر ومخيمات الطلبة الصيفية وترخيص الأنفاق وضبط السلاح ومعاقبة الفصائل التي تخترق الهدنة. لقد تغول الاحتلال بشكل غير مسبوق فقد أطبق الجدار العازل على معازل الضفة الغربية بعد أن ابتلع 10 ’ من أراضيها وتم تهويد القدس بشكل منهجي واستشرى الاستيطان تحت سمع وبصر الدنيا دون أن تكلف قيادة أوسلو نفسها ان تعلن حتى انسحابها من المفاوضات العبثية وبدل ذلك جعلت مطلبها الأساسي تجميد الاستيطان وليس وقفه. كما أن التعاون الأمني لاعتقال المناضلين ظل مستمرا حتى زاد عدد المعتقلين على ستة آلاف مناضل. الظاهرة الخامسة: انتشار الفكر السلفي المتطرف في معظم الوطن العربي بتشجيع وتمويل نفطي حيث حاول هذا الفكر الموغل في تخلفه أن يحرف التفكير الجمعي عن قضايا العدل والحرية وانتشار الفقر وحكم الطغاة وغياب التكافل الاجتماعي وتهميش المرأة ومحاربة الفساد والفاسدين إلى قضايا ثانوية أكثرها تتعلق بالمرأة كإرضاع الكبير وزواج المسيار وارتداء البرقع أو الحجاب وطول اللحى وطاعة ولي الأمر وتحريم المظاهرات.الظاهرة السادسة: انتشار الفضائيات الهابطة التي إما تعمم الخلاعة أو الفكر الديني المتطرف أو القشري. والملاحظ أن معظم قنوات الخلاعة والقنوات الدينية يملكها أمراء النفط. ومن غير المنطق ان يكون ذلك صدفة. فالمالك لمجموعة قنوات روتانا الترفيهية، هو نفسه صاحب قناة دينية أطلق عليها إسم الرسالة. وبالتعاون مع روبرت مردوك، الصهيوني اليميني المتطرف، يستعد لإطلاق قناة ’العرب’ الإخبارية لينافس الجزيرة والعربية على حد قوله. ولولا عدد قليل جدا من القنوات الإخبارية الجادة كالجزيرة والعربية والبي بي سي وبعض الصحف القومية كالقدس العربي لانصاعت الساحة الإعلامية تماما لهيمنة البترودولار تماما.الظاهرة السابعة: غياب الفوارق بين النظم الملكية والجمهورية. كل حاكم يصل الكرسي يبقى ملتصقا فيه حتى الموت أو الانقلاب أو القتل، حتى بلغ مجموع سنوات حكم ستة من الزعماء العرب 200 سنة. لقد بدأت ظاهرة التوريث في الجمهوريات انطلاقا من سوريا وسرعان ما بدأت مصر وليبيا واليمن تسير في نفس الاتجاه. كما انتشرت ظاهرة القمع اللامحدود وتغول الأجهزة الأمنية وتحويل الجيوش إلى أدوات قمع بعد تسمينها وإغراقها بالامتيازات كي تنحرف عن مهمتها الأساسية في حماية الوطن والدفاع عن الشعب إلى حماية النظام وقتل الشعب. أما الفساد فقد ملأت أحاديثه الصحف والفضائيات، ووثائق الوكيليكس تحمل أدلة دامغة لا حاجة لتكرارها.الرد المنطقي والعفوي: ثورات شعبية سلمية إذن جاءت الثورات العربية التي انطلقت من تونس يوم 17 كانون الأول/ديسمبر 2010 لتشعل النار ليس في جسد بو العزيزي بل في النظام العربي الفاسد برمته. إنطلقت الثورة من تونس فأسقطت الطاغية في نحو 28 يوما ثم اشتعلت في مصر فأسقطت نظام مبارك في زمن قياسي بعد 17 يوما وبعدها اندلعت الثورات أو المظاهرات العارمة في الأسبوع التالي في كل من اليمن وليبيا والبحرين والجزائر والمغرب والأردن وعُـمان ثم أخيرا سوريا. لقد تمكن ثوار ليبيا من إسقاط نظام المعتوه معمر القذافي في 20 تشرين الأول/أكتوبر ولكن بعد تضحيات عظيمة فاقت الثلاثين ألف ضحية. ونود هنا أن نسجل قلقنا من الدور المشبوه الذي لعبه حلف الناتو حيث تجاوز صلاحياته من توفير منطقة حظر جوي على كل أنحاء ليبيا كما نص قرار مجلس الأمن 1973 إلى التدخل المباشر وقصف الأحياء المدنية وتدمير الكثير من البنى التحتية.بعد نحو عشرة أشهر من انطلاق الثورات العربية شهدنا سقوط ثلاثة طغاة ورابعهم في الطريق إلى الهاوية رغم تعنته ومراوغته. أما في سوريا فالتصعيد مستمر على الرغم من الحل الدموي الذي قدمته السلطة ولم تقدم غيره طيلة ثمانية شهور متواصلة فأصبح الخروج في مظاهرة عبارة عن مشروع استشهاد، فرصاص الشبيحة وقذائف الجيش وأدوات التعذيب الوحشي بانتظار هؤلاء الخارجين عن طاعة النظام. ورغم كل هذا العنف المفرط إلا أننا نعتقد جازمين أن زمن الحلول الأمنية قد ولى وأن عصر الشعوب قد بدأ والوضع في سوريا لا يختلف كثيرا عن الأوضاع في الأنظمة العربية الأخرى بل قد يكون أكثر قهرا وظلما ودموية وفسادا.إن هذه الثورات انطلقت من عوامل داخلية بحتة وبطريقة سلمية وحضارية فاجأت جميع دوائر الاستخبارات بما في ذلك وكالة المخابرات المركزية، وإن أي تفسير ينطلق من نظرية المؤامرة الخارجية يشكل إهانة لهذه الشعوب المنتفضة. هذا لا يعني أنه ليس هناك قوى معينة تحاول أن تركب موجة الثورات لتحرفها عن مسارها بل العكس هو الصحيح فكل الدول لها مصالح وتسعى لتثبيت تلك المصالح بكل الطرق. إن التشكيك في هذه الثورات نابع أصلا من فكرة أن العرب غير قادرين على إنتاج أو إبداع ثورة، علما أن الثورات العربية ضد الاستعمار كانت من أعظم الثورات في العصر الحديث كثورة الجزائر والعراق وفلسطين واليمن الجنوبي. لكن التشكيك في العرب كأمة وفي قدراتهم وإمكانياتهم ظل مستمرا لدرجة أن الكثيرين من العرب أنفسهم باتوا يشككون في قدرات هذه الأمة وتوقها للانعتاق والانطلاق نحو الحرية والإبداع والبناء.نحن لا نعتقد للحظة أن قوى الشر ستجلس على السياج دونما حركة أو تدخل أو دس الأنف حيثما يكون هناك إمكانية. من قال إن الولايات المتحدة لا تحاول عن طريق عملائها من حرف الثورات أو تجييرها لصالحها أو زرع رجالاتها في قمة هرم هذه الثوارت. لكننا نؤمن أيضا أن الثورات قادرة على تصحيح مساراتها والاستمرار في خلع الأعشاب السامة أثناء مسيرة التحول نحو الاستقرار. ونحن لا نجد سببا ألا تقيم هذه الدول علاقات متوازنة مع كافة أعضاء المجموعة الدولية من موقع الكرامة والاستقلال والانصياع لرغبة الشارع والتعبير عن مصالح الشعب لا من موقع التبعية والذيلية والهامشية. فتركيا، العضو في الناتو، هي الدولة الوحيدة من بين دول المنطقة التي رفضت استخدام أراضيها في الحرب على العراق عام 2003 بعد تصويت البرلمان المنتخب فعلا ضد هذا التدخل مما أجبر الحكومة على الانصياع لقرار من يمثلون حقيقة إرادة الشعب. فلا خوف على أمة يجلس على قمة الهرم فيها نساء ورجال أكفاء إختارتهم شعوبهم الحرة ليعكسوا خياراتها ويمتثلوا لإرادتها ويدافعوا عن مصالحها.’ أستاذ جامعي وكاتب عربي مقيم في نيويورك