قد لا يجد الكثير ممن يهتمون بما تقوم به الرباعية الدولية من جهد لتحقيق هدف استئناف المفاوضات المتعطلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، نقول قد لا يجد هؤلاء في خطاب الرئيس محمود عباس، يوم أمس، لمناسبتي الاستقلال والذكرى السابعة لرحيل القائد الرمز أبو عمار، ما يسعفهم على التفاؤل بإمكانية نجاح الرباعية. لكن الخطاب الذي قد يكون في معظمه تكراراً وتشديداً على مواقف سابقة دأب الرئيس على إعلانها في كل محفل، هذا الخطاب، ينطوي على استفزاز صعب للقيادات السياسية والأمنية الإسرائيلية، التي ترى في محتوياته وأهدافه، كشفاً فضائحياً لكل ما تقوم به إسرائيل التي تتحمل المسؤولية الأولى والأساسية عن إفشال عملية السلام. عملية السلام فاشلة، والمفاوضات وصلت إلى طريق مسدود، بشهادة استمرار وتكثيف الاستيطان، وبشهادة عجز الرباعية الدولية حتى عن إلزام إسرائيل، بما صدر عنها، أي عن الرباعية، من مواقف وسياسات معلنة، بما في ذلك ما صدر عنها خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في ايلول الماضي. تتمنى إسرائيل أن يبلغ الرئيس محمود عباس حد اليأس والاحباط إزاء إمكانية تحقيق السلام، وإقامة الدولة الفلسطينية، وأن يؤدي ذلك إلى فورة غضب، تجعله يعلن مواقف متطرفة، هي في الحقيقة، مواقف موضوعية، يؤكدها تحليل الوقائع والسياسات، وتؤكدها المتغيرات التي تجتاح العالم، بما في ذلك العالم العربي، وبما في ذلك إسرائيل، والتي تفيد كلها بأن ما تقوم به إسرائيل يطوي بالفشل على صفحة السلام الممكن، ويصادر الأسس التي تقوم عليها الحقوق الفلسطينية. الرئيس عباس يعرف، كما غيره، وربما أكثر من غيره، انطلاقاً من موقعه المسؤول، ومن متابعاته لدقائق الأمور والتطورات المتعلقة بالمفاوضات وبعملية السلام، هو يعرف بأن إسرائيل ليست في وارد تحقيق سلام عادل، ويعرف أيضاً أن المجتمع الدولي برموزه المعروفة والفاعلة عاجز عن إلزام إسرائيل بتحقيق سلام عادل، ولكنه، أي الرئيس عباس، يتابع مهمته بنجاح لكشف وفضح وعزل السياسات الاحتلالية، وكل مَن يدعم تلك السياسات أو يتواطأ معها. إنه الكاشف، الذي أراد أن يقول للعالم الذي صنع إسرائيل والذي يدعمها ويتبناها، أو يتواطأ معها، أو يبدي حرصاً عليها أكثر من حرص ساساتها على وجودها وقوتها، أراد أن يقول إنه يحمل فقط غصن الزيتون، بخلاف الرئيس الراحل أبو عمار، الذي التزم معادلة غصن الزيتون والبندقية، ولكن إسرائيل ترفض حتى غصن الزيتون، وأنها تريد إسقاط الفلسطيني وجوداً وحقوقاً، بغض النظر عمّا يحمل. أبو مازن بهذه السياسة، التي جعلته خلال السنوات الأخيرة، يقلب كل حجر بحثاً عن السلام، يشكل خطراً على إسرائيل ولا بد من التخلص منه، هكذا أورد موقع ويكيلكس عن نتنياهو قبل بضعة اشهر، إذ إن سياسته ومواقفه تسقط كل الذرائع الإسرائيلية. قد يأخذ البعض، ومنهم كاتب المقال، وقد تأخذ المعارضة على الرئيس محمود عباس، تخليه عن معادلة البندقية والغصن، وهي معادلة كانت نجحت في الكثير من تجارب حركات التحرر العربية والعالمية، مثل فيتنام والجزائر، ولكن، ربما على كل هؤلاء أن يتبصروا في النتائج التي تحققت على مستوى الرأي العام العالمي بسبب المعادلة التي لا يزال الرئيس عباس يمسك بها ويبرع في تسويقها. على أن هنالك جديدا في خطاب الرئيس، وهو جديد مهم حين يتصل بصدق الحديث عن المصالحة الفلسطينية، وعن الحاجة والإمكانية لبرنامج سياسي جمعي ووطن فلسطيني، ذلك أن هذا التوجه الذي ننتظر ان يدشن لقاءه مع الأخ خالد مشعل، بداية مرحلة تنفيذ المصالحة، هذا التوجه يتابع خط تحدي الإرادتين الإسرائيلية والأميركية، والذي بدأ على نحو واضح من خلال التوجه للأمم المتحدة. الذهاب إلى المصالحة والوحدة، هو متابعة لجوهر الخطوة نحو الأمم المتحدة، بما أنها خطوة تسجل احتجاجاً قوياً وعملياً على فشل آليات عملية السلام وفشل الراعين لها، والمتحكمين في ملفاتها، وبما أنها في جوهرها خطوة نحو الاشتباك الدبلوماسي والقانوني، الذي تدعي إسرائيل أنه شكل من أشكال الإرهاب الذي تمارسه السلطة. إذا كانت إسرائيل قد تعمدت تكثيف وتسريع الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، فضلاً عن إجراءاًت عقابية أخرى رداً على إصرار الفلسطينيين الذهاب إلى الأمم المتحدة، وعلى النجاح الذي حققته دولة فلسطين في اليونسكو، وساندتها في ذلك الولايات المتحدة، فإن ردود فعلها على المصالحة الفلسطينية ستكون أشد إرهاباً، وأكثر عنفاً. المصالحة الفلسطينية تعني إعادة توحيد وتأهيل الوضع الفلسطيني بما يمكنه من تحقيق استثمار أمثل للمتغيرات الدولية والعربية والاقليمية، التي تعد القضية الفلسطينية بمستقبل أفضل، والمصالحة الفلسطينية تعني فشل إسرائيل، التي استهدفت فصل قطاع غزة عن الضفة والقدس، ودفعه نحو مصر، وهي تعني وحدة الحال والسياسة والخطاب الفلسطيني، وهو أمر يتعاكس مع المصالحة والمخططات الإسرائيلية. ويلفت النظر، ربما للمرة الأولى منذ سنوات، وعلى هذا القدر من الوضوح، اهتمام منظمة التحرير والقيادة الفلسطينية بأوضاع الشتات، خصوصاً الفلسطينية في لبنان، الأمر الذي يشير إلى بداية خط بتفعيل كل طاقات الشعب الفلسطيني داخل وخارج الوطن المحتل.