خبر : في السياق ذاته.. عودي! ...توفيق وصفي

الأربعاء 16 نوفمبر 2011 06:32 م / بتوقيت القدس +2GMT
في السياق ذاته.. عودي! ...توفيق وصفي



أولُ ما يُقال إنَّ مطر تشرين الثاني دافئ، يُنبّه بِرِقَّة أشواقاً ومشاعر أخرى، وقد يعبث بحساباتِ وأجندات العقل، على مرجوحة الذكريات المعلقة بحبال بالية يكاد الجفاف يهريها، لولا قطراته التي لا تكرّ أول سقوطها على اليابسة وما عليها، بل تتدافع كنغماتِ عزفٍ منفرد على الكمان، تتسارع وتتعقد جُملها الموسيقية، لتلهب الجمهور دون أن تحرقه، وترفع ذوي القلوب الواجفة إلى مصاف الملائكة والأطفال، قد تتساقط دموع بعضهم، وقد يكابر آخرون بينما ترتجف قلوبهم. وفي المقال نفسه، المُنشأ على وقع المطر الواقعي والتخيّلي، تقع ذكرى رحيل الزعيم ياسر عرفات، التي جعلت تشرين الثاني شهر الأسئلة العاطفية وغير العاطفية، المتعلقة بموقع هذا الرجل في سيرتنا الوطنية والشخصية، ومدى خسارتنا لغيابه، لعل أشدها يُلخصه شعور الفقد لدى غالبية أبناء شعبه، يتفقون على أنه شعور باليتم، لم يُعوضه أحد حتى الآن.هل كنا سنثور عليك لو بقيت حياً؟! يحبونك ويكرهونك، أليست هذه طبائع الأمور يا أبا الفلسطينيين؟ يتبارون في ترميزك، فيراك نفرٌ ثائراً نَقَلهم من حالة معنوية إلى حالة وجودية، ويراك سواهم متفرداً محاطاً بفاسدين، تركهم ورحل! وفي سياق ما سبق، يكسر هذا المطرُ رتابة الإيقاع المائل للصمت، يمنحنا المفاجآت المبهجة للحياة وكذلك السمجة، كأصدقاء ينفضون الغبار عن أرواحنا عبر الفيسبوك، تُدهشنا قرارات مفاجئة لعدد منهم، ونحن نتسلّى بمشاهدة تعليقاتهم، التي يتسم معظمها بالتقلب بين الإقدام والإحجام، نظن للحظة أن ثمة ولادة، فإذا بالموت كامن في التعليق التالي، وقد نفضل العودة إلى مرآب مسقوف بلوح من الصفيح، أسرى طوعيين لإيقاع مُلهِم، قبل أن تتمادى تعليقات الأصدقاء فتُسيّس المطر وتحرمنا روعته. في السياق ذاته، عودي! كي لا يفوتك تهاوي أوراق أشجارنا، ولا يفوتنا محيّاك الموشح بِعَلَمٍ جميلٍ وكوفية، أعنيك "ذكرى الاستقلال"، تَحضرين والمطر معاً في الليل، كما كُنتِ أول مرة، لحظةً رومانسية في فيلم قديم بتنا نعرف نهايته.. غَرِقَت اللحظة، دون أن نكف عن إحياء ذكراها، كل عام، نراها طافية على السطح ثم تغوص، وما زلنا في الفيلم نفسه، تصنعنا اللحظات ونصنعها، ثمة من يغرق، وثمة من يطفو ثم يغيب، ويبقى الشعب وحقيقة أنه لا بد من الاستقلال!. tawfiqwasfi@yahoo.com