انشغل الاسرائيليون خلال الاسبوعين الماضيين بجدل داخلي حول امكانية توجيه ضربة عسكرية لايران بهدف وقف او اعاقة برنامجها النووي. هذا الجدل انفجر على ضوء موجه من التصريحات و التلميحات و " التسر يبات" التي توحي و كأن الضربه على الابواب. كان هناك ما تم التعامل معه على انه مؤشرات لطبول الحرب ، المنطق يقول انه لو لم تكن مصلحة للحكومة الاسرائيلية لما سمح الرقيب العسكري بنشرها . على سبيل المثال نشر خبر اجراء تجربة اطلاق صاروخ يريحو القادر على حمل رؤوس نووية و تزامنه مع خبر اجراء تدريبات لطائرات الاسرائيلية في قواعد الناتو في ايطاليا و في اليوم التالي الاعلان عن مناورة من قبل الجبهة الداخلية تحاكي وقوع مئات الصواريخ و اصابة الالاف من المدنيين. كل هذا من غير المنطق ان يكون مصادفة او ناتج عن حالة من الفلتان او طول لسان لبعض المسؤولين الاسرائيليين سواء كان السابقين منهم او الحاليين. المنطق يقول ان الجهات الرسمية في اسرائيل كانت معنيه على الاقل في جزء من هذه التسريبات و هذه الحالة من الجدل العلني غير المألوف في مثل هكذا حالات. قد يكون الهدف الاساسي في هذه المرحلة هو زيادة الضغط على المجتمع الدولي عشية نشر تقرير وكالة الطاقة الذرية بهدف حثهم على اتخاذ اجراءات اكثر صرامة، و قد يكون جزء من عملية تهيئة للرأي العام الاسرائيلي لما هو قادم و ذلك في ظل التقديرات الامنية و الاستخباراتية بأن المنطقة مقبله على تحولات قد تجد اسرائيل نفسها في مواجهة و على اكثر من جبهه. ما هو اكيد، وهو غير خاضع للجدل في اسرائيل ، و الذي يعتبر جزء اساسي من مرتكزات العقيدة الامنية الاسرائيلية منذ مطلع الخمسينات وهو عدم السماح لاي دولة من دول المنطقة من امتلاك او الاقتراب من امتلاك سلاح نووي ، سيما اذا كانت هذه الدولة تدعو الى ازالة اسرائيل ليل نهار مثل ايران .الجدل في اسرائيل حول هذا الامر ، ما اذا كان التوقيت مناسب، او ان الخيار العسكري هو الخيار الوحيد او الخيار المناسب. الجدل حول حجم الرد الايراني وعدد الاصابات او الضحايا.في كل الظروف و الاحوال، و على افتراض ان توجيه ضربة اسرائيلية او دولية لايران هو امر حتمي، فأن التقديرات الاسرائيلية ان ايران تنتظر من حلفائها اللبنانيين و الفلسطينيين ان لا يتركوها لوحدها، و ان ما قدمته و مازالت من دعم مالي و عسكري و سياسي يجب ان ينفعها في وقت الضيق. أذا كان الامر كذلك، هذا يعني ان اسرائيل تتوقع، بل تبني حساباتها على ان اي تصعيد ضد ايران سيترافق بالضرورة مع تصعيد على الجبهتين الشمالية و الجنوبية. غزة، وهي الحلقة الاضعف في هذه المعادلة بالمقارنه مع الحلقات الاخرى، ستكون على ما يبدو في مركز الضوء خلال الاشهر الماضية، و ليس من المستبعد ان يكون القرار الاسرائيلي قد تم اتخاذه كجزء من استراتيجية اسرائيلية تمهد لما قد يحدث في الملف الايراني.اليوم وخلال كتابة هذه السطور قصفت اسرائيل موقع للبحرية في غزة سقط خلالة شهيد و العديد من الاصابات ، منها الخطيرة جدا، وذلك نتيجة اطلاق صاروخ فلسطيني لم يؤدي الى وقوع اصابات او تسبب بأضرار كما تدعي اسرائيل. هذا الرد هو غير مألوف خلال المرحلة الماضية، حيث كانت تحرص اسرائيل على قصف مواقع خالية و تجنب الاصابات في صفوف حماس بناء على قناعة ان حماس غير معنيه بالتصعيد و تبذل كل ما لديها من جهد من اجل منع اطلاق الصواريخ.عندما تقصف اسرائيل موقع تعرف انه لحماس و توقع ضحايا في الارواح ، هذا يعني انها لم تعد مكترثه بردة الفعل، بل الاكثر من ذلك هي محاولة استدراج الفلسطينيين في غزة الى معركة تريد حسمها الان و ليس الانتظار الى حين فتح جبهات اخرى .ما ينشر ليل مساء عن تعاظم قوة الفصائل الفلسطينية المسلحة التي استفادت من الثورات في العالم العربي، و التفاصيل عن امتلاك صوار يخ تصل الى تل ابيب و صورايخ مضادة للطائرات تضع حد للسيطرة الجوية الاسرائيلية هو عملية تمهيد لما هو قادم. ما يصعب المهمة على اسرائيل في تنفيذ عملية عسكرية كبيرة في غزة، ستكون مختلفة من حيث التكتيك العسكري و المدة الزمنية المخصصة لها، هو ما تبديه حماس بكل ما تملك من امكانيات بعدم التساوق مع الاستفزازات التي ستتكرر خلال الايام و الاسابيع المقبلة.غزة يجب ان لا تحُمل اكثر من طاقتها، و اهل غزة بكل ما لديهم من شهامه و رجولة و بطوله يجب ان يضعوا عواطفهم جانبا و يتحدثوا بلغة الحسابات السياسية و العسكرية. من غير المنطق ان يكون ما يقارب الاثنين مليون انسان رهينه لسلوك فردي هنا و هناك دون الاخذ بعين الاعتبار رغبة الناس في التقاط الانفاس و الاهتمام قليلا في حياتهم الخاصة. خلاصة القول ان قيادات الفصائل في غزة يجب ان تأخذ بعين الاعتبار ان هناك تغيير في قواعد اللعبة يحتاج الى الكثير من الذكاء و الحكمة و المسؤولية قبل الاقدام على اي سلوك قد يخدم الاحتلال و يسهل عليه المهمه و يشكل له الغطاء. szaida212@yahoo.com