خبر : اسرائيل حالة انكار تشرينية ...ماجد عزام

الإثنين 14 نوفمبر 2011 12:04 م / بتوقيت القدس +2GMT
اسرائيل حالة انكار تشرينية ...ماجد عزام



                               تعيش اسرائيل الان حالة انكار تشرينية مشابهة الى حد كبير لتلك التى عاشتها فى سبعينيات القرن الماضى وتحديدا فى السنوات الست  الفاصلة ما بين النكبة الثانية-1967- وحرب تشرين اول اكتوبر1973 الحرب التى ادت  رغم الاداء السياسى العربى السىء الى زلزال هائل ما زالت اثاره المعنوية والنفسية وحتى الاستراتيجية ماثلة للعيان وتحديدا فيما يتعلق بامكانية زوال او تدمير الهيكل الثالث اى الدولة  العربية بكاملها .يمكن الحديث الان  عن ثلاثة مظاهر او تعبيرات اساسية عن حالة الانكار التشرينية السالفة الذكر الحفاظ على  الواقع الراهن والمراوحة فى المكان خاصة فيما بتعلق بالعلاقة مع السلطة الفلسطينية و المحيط العربى بشكل عام والاعتماد على القوة العسكرية وحدها من اجل الدفاع عن اسرائيل وضمان بقائها  ومصالحها كما الركون الى المساعدة الامريكية متعددة المستويات والابعاد لمواجهة المشاكل والتحديات الهائلة التى تواجهها تل ابيبب دون الالتفات او حتى الاهتمام بتراجع دور واشنطن بل وجرها مرغمة الى مربع العزلة المتفاقمة الذى تتخبط به الدولة العبرية فى المنطقة والعالم .ترى حكومة نتن ياهو-ليبرمان المعبرة بدقة عن اسرائيل اليوم  ان لا مناص من الحفاظ على الوضع الراهن والسعى لادارته باقل الخسائر او الاثمان الممكنة  فهى لا تعتقد بامكانية التوصل الى تسوية مع الرئيس محمود عباس وتعى ان اقصى ما تقدمه لا يمكن ان يقبل به اى مسوؤل فلسطينى وضمن الوضع الراهن ايضا تجتهد تل ابيب للحفاظ على الانقسام الفلسطينى وتسعى بكل الوسائل لتابيده ومنع قيام مصالحة  او وحدة فلسطينية تتجاوز اثار الانقسام سياسيا وجغرافيا ومؤسساتيا حتى بثمن تقديم بعض التسهيلات والتقديمات ان تجاه الضفة او حتى تجاه غزة  وكما انها مقتنعة ان الربيع العربى وميدان التحرير المتنقل من دولة الى اخرى يحتم على تل ابيب الانتظار  وعدم تقديم اى تنازلات او الاقدام على خطوة ذات طابع جوهرى وتغيرى الى حين اتضاح افاق ومالات الربيع العربى الذى قد يتحول الى شتاء ساخن حسب تعبير نتن ياهو قاصدا طبعا  وصول الاسلامين  المتطرفين الى  السلطة  وقبل ذلك وبعده هناك قناعة راسخة لدى رئيس الوزراء وعصابة الثمانية ترى  ان الصراع غير قابل للحل وفتح لا تختلف عن حماس فى  مطالبتها او اصرارها على كل فلسطين وان بشكل مرحلى  وعلى ذلك فان كلفة الحفاظ على الوضع الراهن خاصة مع الانقسام الفلسطينى وعدم تحمل الاحتلال لمسؤولياته لا  فى غزة ولا فى الضفة اقل بكثيبر من كلفة التوصل الى اتفاق سلام نهائى يتضمن الانسحاب  من معظم الضفة الغربية والقدس الشرقية مع تبادل اراضى محدود وتفكيك عشرات المستوطنات التى  تضم مائتى الف مستوطن على الاقل .طبعا ما يصح فلسطينيا يصح سوريا ولبنانيا  ايضا حكمومة نتن ياهو غير مهتمة اصلا بالمسارين السورى واللبنانى وتعتقد ان لاشىء يدفعها اصلا للتفاوض حول اعادة الجولان وهى التى رفضت الانسحاب من قرية الغجر وبالاحرى الجزء الشمالى منها وكما فى السياق الفلسطينى فان كلفة احتلال الجولان اقل كثيرا من كلفة الانسحاب منها وفق تصور الثمانية المسنود  من شرائح سياسية وشعبية واسعة فى اسرائيل . اذن لاجل ادارة الوضع الراهن والحفاظ عليه تلجا اسرائيل اليوم الى استخدام قوتها العسكرية فى غزة كما فى الضفة الغربية ايضا مقتنعة ان ما لم يتحقق بالقوة يتحقق بالمزيد منها ضمن سياق تصور او فهم اوسع يرى ان الخيار العسكرى وحده قادر على حماية اسرائيل وضمان بقائها فى هذه المنطقة  الحساسة والعاصفة من العالم فالحكومة الحالية لا ترى عملية التسوية والمفاوضات وحتى العمل السياسى والديبلوماسى بشكل عام كادوات او حتى وسائل من اجل  الحفاظ على اسرائيل ومناعتها القومية ومستقبلها القوة  وحدها ولا شىء غيرها  وما عدا ذلك مظاهر ضعف زائدة ولا لزوم لها .حالة الانكار التشرينية تتضمن كذلك  الاعتماد على الدعم الامريكى السياسى الديبلوماسى  والعسكرى لضمان عدم فرض اى حل سياسى على اسرائيل او حتى   اجبارها على الانصياع لقرارات الشرعية الدولية ان فى السياق الفلسطينى  او العربى كما راينا عند التصويت على القرار الخاص بالاستيطان فى مجلس الامن شباط فبراير الماضى  او عند مناقشة الاعتراف بالدولة الفلسطينية او  حتى عند التصويت على انضمام فلسطين الى اليونسكو فحكومة نتن ياهو التى  يتمتع رئيسها بنفوذ فى الساحة الامريكية يفوق ذلك الذى يتمتع به الرئيس اوباما نفسه تفرض على هذا الاخير وادراته تشكيل ساتر سياسى وسيبلوماسى يحمى  اسرائيل حتى بثمن جر واشنطن نفسها الى مربع العزلة الذى تغرق فيه الدولة العبرية منذ  ثلاث سنوات تقريبا عندما صوتت فى الانتخابات الاخيرة لجورج بوش الابن  بينما كان الكل يصوت لاوباما ومقاربته التغيرية فى امريكا والعالم وهى المقاربة التى فشلت فشلا ذريعا ووصلت الى حائط مسدود داخليا وخارجيا بفضل تات ياهو واصدقائه ةحلفائه فى الكونغرس والساحة السياسية الامريكية بشكل عام .بديهى ايضا ان اسرائيل لا تستطيع الاعتماد على الخيار العسكرى والقوة بمعزل عن الدعم الامريكى ان على مستوى  العدة والعتاد والتجهيزات  او فيما يخص حماية او حتى السكوت عن اى مغامرة او خطوة عسكرية كما حدث عند قصف المنشاة النووية  السورية المزعومة فى دير الزور او حتى اثناء حربى  لبنان وغزة  2006 و2008.حالة الانكار التشرينية الاولى انتهت بزلزال ادى رغم الاداء العربى الساداتى  السىء الى ارتدادات و ندوب ما زالت حاضرة على المستوى السياسى الامنى وحتى الشخصى  وبالتالى يمكن توقع نهاية مماثلة بل اشد سوادا للحالة الحالية  فى ظل تراجع الهيبة والنفوذ والتاثير الامريكى والاهم  بسبب الربيع العربى الذى فجر براكين الغضيب وسيؤدى مع المعطيات السابقة الى تهديد ووجودى وحتى كارثة على اسرائيل  بالضبط كما توقع التقرير الاستراتيجى الاخير الصادر عن مركز دراسات الامن القومى التابع لجامعة تل ابيب .                                            مدير مركز شرق المتوسط للاعلام