خبر : ما هو البديل عن التدخل الخارجي؟ ... بقلم: خالد الحروب

الإثنين 14 نوفمبر 2011 09:55 ص / بتوقيت القدس +2GMT
ما هو البديل عن التدخل الخارجي؟ ... بقلم: خالد الحروب



عندما توجهت كتائب القذافي إلى بنغازي بهدف إخماد الثورة الليبية وهي في بداياتها كان لديها تعليمات صارمة من "القائد" وهي القضاء على الثورة والثوار بأية طريقة "وزنقة زنقة" حتى لو ادى ذلك إلى إزالتها عن الوجود. كانت الكتائب تسابق اجتماعات مجلس الامن الذي اتخذ في اللحظة الاخيرة قراره الشهير بتفويض حلف النيتو بحماية المدنيين. كانت عيون الليبيين يومها مشتتة بين شاشات التلفزة تنتظر القرار ومداخل المدينة التي تقترب منها الكتائب المجرمة متوعدة الجميع بالولوغ في دمهم. وعندما تم التصويت لصالح القرار هتف أهل بنغازي بالتكبير وبعضهم سجد شاكرا. لم يبق امامهم من امل سوى التدخل الخارجي، الذي كان بديله الوحيد ان تُراق دماء عشرات وربما مئات الالوف من الليبيين على ايدي مُستبد اعلن استعداده لحرق ليبيا وشعبها في سبيل ان تبقى مزرعة خاصة له ولأولاده. الذين يتأسفون على القذافي ونظامه الذي دمر ليبيا، واهدر ثرواتها، وحولها إلى بلد مهزلة، يتمتعون بضمائر من خشب لا يهمها ان يُباد شعب بأكمله مقابل ان تبقى شعارات فارغة عن المقاومة والممانعة والصمود ضد الامبريالية. والآن يتكرر الوضع في سورية "الممانعة". يريد النظام الذي يلغ في دماء السوريين يوميا ان يرضخ العرب، بجامعتهم وشعوبهم ورأيهم العام الكاسح، لمنطق الاجرام الذي يتبناه. تشتغل آلة قمعه الامنية وجيشه، الذي لم يظهر على اية جبهة حقيقية من جبهات المقاومة والممانعة والصمود ضد الامبريالية، ضد الشعب الاعزل. يُقتل العشرات من السوريين يوميا على يد جيش تحول إلى عصابة من البلطجية تحمي عصابة من اللصوص، ويريد منا انصار المقاومة والممانعة ان نقف مع حكم العصابات والقتلة ضد الشعب الاعزل المطحون. صلف الدكتاتوريين العرب والدمار الذي يتسببون فيه بات يتعدى الوصف. يتسابقون في زج بلدانهم ومجتمعاتهم والوجدان العربي بأكمله في انسداد تلو الآخر، مدمرين إجماعات وتوافقات وبداهات لم تكن تحتاج إلى نقاش. من كان يتخيل ان التدخل الخارجي الغربي وبقيادة حلف الاطلسي يصبح هو الحل الوحيد لإنقاذ شعب عربي من براثن حاكمه الدموي؟ أية عبقرية، او بالاحرى إجرام حقيقي واخلاقي ومبدئي، يتحلى بها هؤلاء المستبدون تقود الناس العاديين الى الترحيب بالتدخل الخارجي لأنه المنقذ الوحيد؟ بشار الاسد حشر الشعب السوري، وكما فعل القذافي قبله في ليبيا، في زاوية ضيقة بالغة الصعوبة والمرارة، وخيار وحيد، لسان حاله يقول: ليس امامكم سوى ان تقبلوا القمع والطحن والموت اليومي الذي افرضه عليكم برضى وتأييد ايضا، وعليكم ان تخضعوا لي ولحكمي وبحسب شروطي، وبحسب دستور الحزب الذي احكمكم باسمه والذي يقرر ان البلد اقطاعية لي ولبطانتي. وعليكم ان تلغوا عقولكم وافهامكم انتم وملايين العرب وغير العرب من ورائكم وتقتنعوا بالخيار الوحيد الذي افرضه عليكم. واعلموا أن عدم قبولكم بخياراتي، وعدم قبولكم بي جاثما فوق صدوركم للابد، معناه انكم عملاء للامبريالية واميركا والغرب وتؤيدون التدخل الخارجي. باختصار هناك معادلة مستحيلة تفرضها الانظمة المستبدة وواجهتها وتواجهها الشعوب العربية في ثوراتها ضد دكتاتورييها: الموت وتأبيد الاستبداد او التدخل الخارجي. في كل الحالات، خاصة ليبيا والآن سورية، هناك تخوفات عميقة ومشروعة من التدخل الخارجي ورفض واسع اسبابه التاريخية لا تحتاج إلى شروحات وتفصيل. هذه المنطقة خسرت اكثر من قرن من الزمن بسبب التدخل الخارجي والسيطرة الاستعمارية. ثم خسرت اقل من قرن آخر بسبب دكتاتورييها. دكتاتوريوها الذين جاؤوا بعد انقضاء السيطرة الاستعمارية حطموا بوصلات شعوبها واربكوا ابجدياتها لدرجة ان هذه الشعوب صارت تستنجد بمستعمرها السابق كي يحميها من انظمتها "الوطنية". الذين رفضوا التدخل الخارجي في حالة ليبيا ولم يقدموا بديلا عنه للشعب الليبي تُتاح لهم فرصة ثانية الآن لاجتراح بديل للشعب السوري وتقديم سيناريو يبعد خيار التدخل الخارجي والحماية الدولية. ثمة بقية امل في تفادي ذلك الخيار ظلت تقاوم خلال الاسابيع الماضية كي تبقى على قيد الحياة اسمها الحل العربي وفي إطار الجامعة العربية. قدم الحل العربي فرصا عديدة لنظام الاسد، ومنحه وقتا ثمينا واسابيع طويلة، بأمل ان يخضع ذلك النظام لمنطق غير منطق القمع الدموي. الرد الذي تواصل خلال اسابيع المهلة العربية كان المزيد من الدم والمزيد من القتل، بل ورفع معدلات القتل اليومي إلى اعلى مستوى على الاطلاق. كأن النظام اراد ان يوجه رسالة واضحة جوهرها الاستهزاء بالحل العربي ومن وراءه. لكنه في نفس الوقت كان يحشر الجميع في الزاوية الكريهة، زاوية التدخل الخارجي واستدعاء الحماية الدولية. كوارث الاستبداد والدكتاتورية لا يمكن حصرها وتعدادها، وقاسمها المشترك انتاج الانسدادات والمآزق واغتيال التطور الطبيعي للحياة والشعوب والآن استدعاء التدخلات الخارجية. انصار "نظام الممانعة والمقاومة" في دمشق يكررون اكتشاف درس ساذج يقول ان للتدخل الخارجي والغربي اجندات خاصة به. هذا الاكتشاف اليومي يثير الرثاثة اكثر من اي شيء آخر، لأنه كمن يكتشف النهار. الدول الكبرى تتدخل بحسابات دقيقة، وتريد تحقيق مصالح من وراء كل خطوة تقوم بها. التسييس الحقيقي، ليس الطوباوي، يكمن في كيفية مواجهة تلك المصالح والاجندات وقطع الطريق على ان تكون في تحالف مع انظمة دكتاتورية وباطشة على حساب مصالح الشعوب. في عقود طويلة ماضية كان احد الملفات الساخنة التي تدين التدخل والسياسة الغربية بعامة ليس في المنطقة العربية وحسب بل وفي العالم أسره يتمثل في ان تلك السياسة متحالفة مع الحكام ولا تحفل بالشعوب. اذا حدث قمع ما هنا او هناك فإن الغرب يدير ظهره للشعب المقموع لأنه متحالف مع النظام القائم. الآن ثمة تحول كبير في عالم اليوم مدفوع بأسباب لها علاقة بالعولمة الاعلامية وانكشاف ظهر الانظمة القامعة وحلفائها. لم يعد العالم يحتمل ان ينفرد حاكم بقمع شعبه، او يحتمل دعم الغرب له. احد اهم انجازات الثورات العربية يكمن في قلبه للمعادلة القديمة والتقليدية، واجباره الغرب والتدخل الخارجي أن يكون في صالح الشعوب وليس في صالح الانظمة. Email: khaled.hroub@yahoo.com   ـ كامبردج