خبر : أهي الجامعة أم هيئة الأركان العربية؟ ...بقلم: طلال عوكل

الإثنين 14 نوفمبر 2011 09:53 ص / بتوقيت القدس +2GMT
أهي الجامعة أم هيئة الأركان العربية؟ ...بقلم: طلال عوكل



القرار الذي اتخذته الجامعة العربية، بحق سورية، أول من أمس، يشكل منعطفاً نوعياً وعلى درجة عالية من الأهمية، سواء بالنسبة للأحداث التي تشهدها سورية منذ أكثر من سبعة أشهر، أو حتى بالنسبة للجامعة العربية كدور وفعالية، لم يسبق لها أن لعبته، إلاّ تجاه ليبيا قبل بضعة أشهر، وفي العام 1990، حين انقسمت القمة العربية حول أزمة العراق ـ الكويت، واحتلال الأولى الثانية. في الواقع، فإن عمليات التغيير الداخلي في البلدان العربية، هي التي تشكل العامل الحاسم، إذ لا يمكن لا للجامعة العربية ولا للأمم المتحدة، أو أية دولة أو مجموعة دول أجنبية، أن تفرض التغيير في هذا البلد أو ذاك، دون قواعد شعبية متبلورة، وتمتلك إرادة التغيير ومستعدة لدفع ثمن الحرية. هذه القواعد الشعبية، لا يمكن توافرها، وتبلورها، وتحقيق اندفاعاتها نحو دفع الدماء، لا بسبب أموال يجري ضخها من الخارج إلى الداخل، ولا بمؤامرات تحيكها أجهزة استخبارية وأمنية. الأمر يختلف حين يتصل بنموذج كالذي وقع في العراق، الذي تعرّض إلى غزو خارجي، وتحالف دولي يخوض حرباً، ينتصر فيها على النظام ويطيح به، لصالح قوى معارضة، يدفع بها المحتل نحو الحكم، ويظل فترة طويلة يوفر لها الحماية والدعم. سورية اليوم قطعت مرحلة طويلة من المراوحة نحو الحسم، إذ لم يعد من طريق للعودة إلى ما كان، ولا سبيل لبقاء النظام السياسي قائماً، بعد أن صرف كل هذه الأشهر، وهو يعتمد الحل الأمني ويناور لكسب الوقت، فيما يمتنع عن اتخاذ قرارات الإصلاح والتغيير، التي ينبغي اتخاذها في مثل هذه الحالة. خلال الأشهر السابقة، أبدى المحتجّون السوريون، إصراراً كبيراً على متابعة النضال من أجل التغيير، وأبدى النظام إصراراً وعناداً على رفض مطالب الجماهير، وعلى مقابلة هذه المطالب بعنف يومي أودى بحياة أكثر من أربعة آلاف مواطن ورجل أمن سوري. نعرف، ولكن على أنظمة الحكم أن تعرف، أن الناس حين تخرج إلى الشوارع مطالبة بالتغيير، وتفتح صدورها العارية للرصاص، وتبدي استعداداً للتضحية وتحمل عذابات السجون والقهر، تعرف أن الناس لن تعود إلى بيوتها خائبة، لتدفع الثمن أضعافاً ما عليها أن تدفعه في حال الاستمرار بالنضال من أجل التغيير. هذا يعني أن تدخل الجامعة العربية أو غيرها، وحتى لو جرى تدويل الأزمة، فإن الأمر هنا، يتصل بمسألة الوقت، وليس بمبدأ ضرورة التغيير، هكذا حصل في مصر، وتونس، وليبيا، وهكذا يحصل في اليمن وفي سورية، وفي أي بلد عربي ينتظر دوره. إذا كانت هذه هي النتيجة الحتمية فإن أمام الحكام أو الحكومات المستهدفة بالتغيير أن تسلك واحداً من خيارين، فإما خوض التحدي ضد الجماهير ومن يساندها في الخارج، وهو تحد لحركة التاريخ لا ينطوي على أي قدر من البطولة أو الرجولة، وإما أن يذهب هؤلاء مباشرة ودون مناورة أو إضاعة للوقت نحو التغيير المنشود، والاحتكام لصناديق الاقتراع. لقد جرّب العقيد القذافي، الخيار الأول، والنتيجة أصبحت معروفة، حيث عشرات آلاف الضحايا، والجرحى، والمشرّدين، ودمار هائل أصاب ويصيب كل أرجاء الوطن، وتركه نهباً للاستثمارات الأجنبية، وفي النهاية لم يعد أحد يترحّم على القذافي، وأركان حكمه، بل إن التاريخ سيحتفظ له بلقب، قاتل شعبه، وسبب وقوعه في قبضة الأجنبي، الذي لا همّ له سوى نهب ثرواته. بعد قرارات الجامعة العربية التي نصت على تعليق عضوية سورية في مختلف أنشطة ومؤسسات الجامعة، وسحب السفراء العرب، واتخاذ عقوبات اقتصادية وسياسية، يكون النظام في سورية قد فقد الشرعية العربية، وفتح الباب أمام فقدانه الشرعية الدولية، وتعرّضه لعزلة شديدة، وعقوبات وتدخلات متزايدة. في هذه الحالة، فإن الجماهير الشعبية التي تخرج إلى شوارع المدن والقرى ستستمد جرأة وواقعاً إضافياً، لخوض التحدي، وربما يؤدي ذلك إلى انضمام المزيد من الجماهير الشعبية إلى حركة التغيير، خصوصاً في ظل الشعور بتوافر الحماية، وتصاعد الأمل بإمكانية الفوز بهدف التغيير. وأعتقد أن هذا الحال يسحب نفسه على الجيش والقوى الأمنية، حيث من المتوقع أن تشهد المزيد من الانشقاقات. على أنه من غير المتوقع أن يتكرر السيناريو الليبي في حالة سورية، بمعنى أن يجري تفويض "الناتو" القيام بعمل عسكري تحت عنوان حماية المدنيين، فالقوى السياسية في سورية تختلف عن حالها في ليبيا، حيث هي أكثر نضجاً وأكثر وعياً لأبعاد التدخل الأجنبي. والمرجح أن تلعب تركيا دوراً أساسياً ومتزايداً عبر وسائل وبأشكال مختلفة، فضلاً عن اتخاذ المزيد من العقوبات الاقتصادية والسياسية المؤثرة على النظام. المهم هو هل أصبحت جامعة الدول العربية، قادرةً على لعب دور هيئة أركان عمليات التغيير في المنطقة العربية، وهل هي أصلاً في تركيبتها، وطبيعة القوى الفاعلة فيها، مؤهلة للعب هذا الدور؟ ولماذا تتنطح قطر، وتتصدر المجموعة العربية، متقدمة على الدول المركزية، لدفع الأمور في سورية، إلى ما اندفعت إليه، ثم لماذا لم تلعب الجامعة العربية، دوراً مماثلاً في حالتي اليمن والبحرين؟ وفي الأساس هل يتوقف سلوك الجامعة على النحو الذي سلكته مع ليبيا، وسورية، عند هذه الحدود، أم أن هذه الإرادة الصلبة ستظل قائمة في مواجهة أحداث مماثلة قد تقع في دول عربية صوتت لصالح القرارات ضد ليبيا وسورية؟ والأهم من ذلك كله، هل ستكون أمام مثل هذه الإرادة الجماعية والقوية في مواجهة عدوانات إسرائيلية ضد الفلسطينيين والعرب، إن كان الأمر كذلك فمرحباً بهيئة الأركان العربية التي تقود عمليات التغيير، وتحمي الحقوق الفلسطينية والعربية.