خبر : قناة الجزيرة والمعضلة السورية وعن السنة السابعة لغياب عرفات ..بقلم: حسين حجازي

السبت 12 نوفمبر 2011 06:46 م / بتوقيت القدس +2GMT
قناة الجزيرة والمعضلة السورية وعن السنة السابعة لغياب عرفات ..بقلم: حسين حجازي



السنوات السبع العجاف يعقبها الخصب والنماء. ها هي ذي السنوات السبع العجاف تنطوي ومعها تنطوي صورة عالم قديم، العالم القديم الذي أمضيت كل حياتك، حروبك، في الصراع معه، محاولاً ليّ قرنيه. سلاماً على روحك ياسر عرفات وأنت فقط الغائب الوحيد. وقد كان يجدر تتويجك يا اوذسيوس في فجر هذا النصر العظيم. وقد سقط من أنكروك، خذلوك وخانوك، تركوك وحيداً وشعبك تصارعان الحية لويثان وتنين البحر العظيم . أتخيلك محتفياً بالنصر، نصر إلهامك، إشعاعك، في ميدان التحرير وساحة الشهداء وشارع الحبيب بورقيبة، وقد انتهى الأول طريداً، والثاني حبيساً والثالث قتيلاً لا شهيداً، من طالبك يوماً بالانتحار في بيروت ومن تنكر لك محاصراً في المقاطعة، ليس بينهم شهيداً شهيداً شهيداً. واليوم يا للمفارقات فإن الابن الوريث، وان لم يقترف إثم قتل أبيه، فإنه لم يبق له من راية، لإنقاذ حكم ومملكة سوى رايتك التي لوحت بها انت في وجه والده، "القرار الوطني المستقل" وحيث يتقرر على مصير سورية اليوم، مصير الشرق والهلال الخصيب، وما كان لك يا عرفات ان تقبل تفكيك سورية، ولم تقبل في عهد مضى تفكك العراق.ولكن وسط كثافة الضباب ضباب لحظة انبلاج عهد جديد. فإن ما يثقل على الغياب هو فقدان قدرتك، إلهامك، في تحديد الموقف، الاتجاه، والدفع بهذا الموقف بقوة ماضية لتحويل وجهة الرياح الى الوجهة الوحيدة في شراع مركبك، الفلك الفلسطيني، لكيما تكون هذه الثورة امتداداً لرمحك، سيفك، طلقتك الأولى في العام 1965. كنت لتمسك تقبض على الثورات لتجعل مصير سورية من فلسطين يتحدد من بوصلة الموقف من فلسطين وليس سوى غيابك عن المشهد ما يجعل الغموض والبلبلة، يظلل المسار ولكن لبرهة من الوقت يا عرفات، لان نبوءة السنوات السبع العجاف، يعقبها السنوات السبع من الخصب والنماء . وهذه هي الحقيقة شاء من شاء وأبى من أبى وعليك السلام. قناة الجزيرة السقوط الإعلامي في الحلبة السورية تخوض قناة الجزيرة حرباً، حرب حياة او موت لإسقاط النظام السوري، لقد شعروا بامتلاكهم، أداة أشبه حقاً بمدفعية ثقيلة يصعب مقاومتها، اعتراضها، أسقطت ثلاثة أنظمة، كانت مستعصية او هكذا يبدو. فلم لا ينجحون مع النظام السوري وينهار هو ايضاً ؟. ثمة هنا ضخ إعلامي مخيف لا نظير له تغطية إعلامية تفيض عن القدرة على احتمالها بل متابعتها، تثقل حتى على الجمهور غير المستهدف بالتحريض مباشرة. ويبدو اليوم أنه لهذا السبب، فإن قناة الجزيرة في ذكرى انطلاقتها الخامسة عشرة توشك على السقوط هي بفعل قوتها، وافتخارها بهذه القوة على حد سواء وأمام من؟ قبالة أي خصم؟ قبالة الإعلام السوري! . إعلام الحزب الواحد، الموجه، الفاشل سابقاً على غرار صحيفة "البرافدا" السوفياتية. ولكن هاكم المسألة ببساطة التي يتعلمها كل تلاميذ نظريات الإعلام والدعاية السوداء. فحين يظهر النزال على الحلبة بحيث تبدو فيه الجزيرة كمصارع من الوزن الثقيل، يسدد طوال الوقت اللكمات والضربات، للنظام والإعلام السوري، الذي يبدو بوزن الريشة، ليس من تكافؤ في ميزان القوى فإن تعاطفاً مشوباً بالشفقة، يجذب مشاهدين متزايدين الى إبداء العطف على النظام السوري المسكين، اشمئزازاً من الغطرسة، التي لا يخيفها الطرف الآخر، الذي لا ينجح رغم كل الرتوش والحيل في إخفاء هذه الغطرسة والغرور. والواقع إنني شخصياً لم يعد بمقدوري متابعة هذه التغطيات التي تصل الى حد التحريض المرعب والمخيف على طريقة التكرار ثم التكرار المتواصل دون هوادة. والمتابعة الإعلامية حتى كل زقاق، حتى ليبدو الأمر أحياناً، كان هناك محاولة، لخلق عالم افتراضي غير واقعي لما يحدث. لم يعد بالمقدور متابعة ذلك وقديماً قيل ان الزائد أخو الناقص، وحين يبدو الإعلام موجهاً على هذا النحو فإنه يخفي مقاصد هي بالضرورة سياسية وحين يدرك جميع الناس ذلك فإن صدقية الأداة الإعلامية تسقط. ليس هذا تشكيكاً بأن ثورة توجد في سورية ولكن ثمة خصوصية، في الطابع الثوري لكل بلد هذا ما نعرفه من تجارب الثورات. والحقيقة انه لا يمكن الاستعاضة عن الفعل الثوري عن الثورة بأداة أو بقوة خارجية، فماذا يحدث في سورية؟ لاحظوا هنا أننا لسنا بإزاء السيناريو التونسي ولا الليبي ولا المصري ولا اليمني. لا انتفاضة متدحرجة تزحف من الأطراف حتى العاصمة، النموذج التونسي، ولا ميدان التحرير في القاهرة، والقائد إبراهيم في الاسكندرية النموذج المصري، لا دمشق ولا حلب، إنما الأطراف، دون بنغازي رأس جسر انتفاضة تتحول الى العسكرة. ولكن ليس جيش ضد جيش ولا حتى حسين طنطاوي، راشد بن عمار ولا حتى محسن الاحمر في اليمن. فكيف يمكن الحديث عن ثورة خالصة نضج أوانها دونما دمشق وحلب ؟ وانشقاق حقيقي في الجيش وتصدع في نظام الدولة والحكم؟ كتبت هنا قبل أشهر ان هذه ثورة دونما اختمار ثوري، ودون أفق، لكن المسألة التي تستحق الآن النقاش، المسألة المغيبة في النقاش حول الأزمة السورية، هو حقيقة غياب القضية الوطنية ليس في خطاب المعارضة ولكن في مجمل النقاش، وتحليل الأزمة السورية اذ بخلاف بن علي والقذافي ومبارك ليس ان آل الأسد يملكون او يحكمون سورية باسم عقيدة قومية عروبية ولكن بطرحهم لرسالة وطنية وان سورية تختلف ليس لهذا السبب ولكن لأن القضية الوطنية ذات صلة بأرض لازالت محتلة اذ ما هي هوية النظام البديل ؟ وما هو مصير الجولان هنا ؟ كما ان تعرض سورية للتفكك يعني تصدع كل الشرق الأوسط. اذا كانت الفسيفساء السورية التي تشبه تضاريس سورية في تنوعها هي مرآة للمشرق ككل، لذلك قد تبدو المسألة السورية محيرة اذا كانت المسألة المطروحة هنا، لا يمكن اختزالها تبسيطها بالموقف الأخلاقي من الاستبداد وإنما يجب أخذ مجمل القضية، دون تبسيط. وإذا كان ما يبرز ليس حقيقة أزمة النظام، وإنما أزمة الثورة. وهو ما يجعل الاصلاح السلمي والحوار مخرجاً وحيداً، لا لأن الاستبداد ينجح، أو عصي عن التغيير ولكن لأن الثورة هنا فاشلة، وهذا هو قوام المعضلة السورية، عجز قناة الجزيرة، باستبدال قوة الحقائق على الارض بقوة الإعلام فالعمل الثوري وحده، لا يمكن تحقيقه في العالم الافتراضي وإنما على الأرض. الحوض التركي والقوس الإيراني ولعبة الأمم الجديدة. يتشكل بنيان العالم الواقعي الجديد فيما يمكن تسميته، الحوض التركي أو الاسلامي الجديد من تونس الى ليبيا، مصر، غزة، لكنه يصطدم بالجدار، الصخرة السورية، ولكن في المقلب الآخر هاكم الوضع، على القوس الإيراني، محور الممانعة، ثلاث هجمات متناسقة في آن واحد، تتعرض لها إيران وسورية وحزب الله. الأولى في تصعيد الضغوط حول ملفها النووي كما قضية محاولة اغتيال السفير السعودي، وحقوق الإنسان. والثانية بالأزمة الداخلية، حيث يضغط نفس التحالف الأميركي الأوروبي دون أن تظهر اسرائيل في الصورة بشكل مقصود. والثالث حزب الله في قضية القرار الاتهامي بقتل رفيق الحريري والمحكمة الدولية. هل هذا يعني ان ما يسمى حلف المقاومة والممانعة، يوشك على السقوط؟ الجواب كلا بالطبع. ولكن لنتأمل في هذه اللحظة من استعار الهجوم فإذا كان تقرر خروج أميركا من العراق نهاية هذا العام، وتقرر مصير الثورات الثلاث في مصر وليبيا، وتونس بانتصار التيار الإسلامي فإن ثقل المصالح الاستراتيجية هي حول منابع النفط، خط الدفاع الأخير، في الخليج. وإنه لهذا السبب يجب إفشال النظام الأمني والجيوستراتيجي على هذه الحواف. وهل لهذا السبب العامل، يمكننا تفسير أن قضية اليمن وسورية تتصدر ملفيهما مبادرة خليجية في كلا الحالتين، قطر في المسألة السورية. والسعودية في المسألة اليمنية، بغطاء الجامعة العربية شكلياً، ودعم أميركي في الجوهر. لقطع الطريق على العناق بين مجموع المكونات التي تمثل التحالف، الإقليمي الذي يمكن ان ينشأ بين الجناحين المشرقي والمغربي. هنا لب الموضوع فإذا خسر الغرب الأميركي هناك، في الجناح المغاربي وحتى العراق، فإنه يجب منع إيران وسورية من قطف الثمار وملاحقة أفول العصر الأميركي في المشرق. فهل يعني هذا إذن الحرب مع إيران تصفية للحساب لا مناص منها؟. والجواب نظرياً هذا صحيح لكن واقعياً، عملانياً هنا تكمن الأزمة المعضلة، إذا كانت المنطقة بل العالم برمته لا يمكنه احتمال ثمن مثل هذه الحرب، لا مناص هنا اذن من الإقرار بفشل هذا الخيار، الذي يأتي بعد فوات الأوان. بعد تحول إيران فعلياً الى قوة إقليمية عظمى حتى دون امتلاك السلاح المطلق، ولأنه في الحقيقة، عندما يبدأ أفول عصر قوة امبراطورية عظمى فإنه لا يمكن إعادة عقارب التاريخ الى الوراء. فهل لهذا السبب شعور العجز تعاونت الغفلة على تسريب فحوى هذه النميمة البوح الشكوى التذمر، من الرجل الذي أصبح مملاً ويمثل عبئاً. أسر ساركوزي لباراك اوباما انه ضاق ذرعاً بهذا الرجل نتنياهو الكذاب، فرد اوباما: إذا كنت قد ضقت ذرعاً به فأنا مضطر للتعامل معه كل يوم، والمفارقة انه في لحظة الكشف عن تقرير الوكالة الدولية للذرة اختفت طبول الحرب على إيران، إذ من يقوى على الحرب إذا كانت الرأسمالية نفسها قد دخلت طور المرض، وغير قادرة اليوم على وقف الانهيار بعد اليونان، ايطاليا، وبعد "احتلوا وول ستريت "لم يبق عملياً سوى قلب أوروبا العجوز، فرنسا وألمانيا، الذي عليه ان يتحمل انهيار منطقة اليورو.