خبر : براءة اختراع ... بقلم: محمد ياغي

الجمعة 11 نوفمبر 2011 11:14 ص / بتوقيت القدس +2GMT
براءة اختراع ... بقلم: محمد ياغي



بعد أن ساهمت جامعة الدول العربية باستحضار التدخل الخارجي في ليبيا، تضع اليوم في أعلى سلم أولوياتها مسألتين: استحضار تدخل خارجي في سورية، وتصعيد الموقف مع إيران. نحن لا نعرف إن كانت حقاً هذه الأجندة عربية وتعبر عما تريده الشعوب العربية، لكننا نعلم على الأقل، أن هذه الجامعة فقدت شرعيتها ونعلم أكثر من ذلك، بأن قضية العرب الأساسية وهي قضية فلسطين لم تعد موجودة على جدول أعمال هذه "الجامعة". كيف يمكننا ان نصدق أن هذه الجامعة "عربية" بعد أنت تمكنت من استحضار "الناتو" لحماية الشعب الليبي من كتائب القذافي، بينما وقفت صامته ولا تزال في المسألة المتعلقة بحماية الشعب الفلسطيني من الاحتلال الإسرائيلي والمشرد عن أرضه منذ نكبة العام 1948؟ كيف يمكننا أن نصدق بأن هذه "الجامعة" تعمل على حماية الشعب السوري عبر التمهيد لتدخل أجنبي سيدمر جيشه وبنية بلده الأساسية، بينما هي صامتة كالقبر في كل ما يتعلق برفع حصار مستمر منذ أربع سنوات على الشعب الفلسطيني في غزة؟ لماذا لم تطلب الجامعة "العربية" من مجلس الأمن الاجتماع، ولو لمرة واحدة، لمناقشة رفع الحصار عن غزة؟ لماذا لم تتحرك "الجامعة" للطلب من مجلس الأمن إصدار قرار يلزم إسرائيل بإيقاف الاستيطان في الضفة والقدس، مع العلم أن قرار مجلس الامن رقم 242 يقر بأن هذه الأراضي محتلة وبالقوة؟ وإذا كانت "الجامعة" تبرر "عدم فعلها" بأن أميركا جاهزة لاستخدام فيتو، فماذا فعلت هي حتى تمنع أميركا من استخدام الفيتو؟ هل هددت بسحب أرصدتها من البنوك الأميركية مثلاً إذا ما استخدمت الاخيرة الفيتو؟ هل حاولت هذه "الجامعة" إقناع كولومبيا والبوسنة بالتصويت لصالح قبول فلسطين عضواً في المنظمة الدولية؟ نحن لم نشاهد أو نسمع عن تحرك رئيس "الجامعة" أو وزراء الخارجية العرب باتجاه هذه الدول لإقناعها أو استمالتها للتصويت لصالح فلسطين بعقد صفقات تجارية معها على سبيل المثال. حتى في القضايا الأكثر بساطة والتي لا تحتاج الى قيام أي مسؤول عربي بمغادرة "قصره الفاخر"، مثل دعم موازنة السلطة الوطنية أو دفع فواتير الكهرباء والماء والتعليم والصحة للفلسطينيين نجد أن دول "الجامعة" تدير ظهرها للشعب الفلسطيني وتتركه رهينة لمحاولات إسرائيل وحلفائها الضغط على الفلسطينيين للتفاوض من خلال الحصار المالي والحاجة الفعلية للسلطة في كل من الضفة وغزة لدفع فاتورة الراتب الشهري. إذا كان هذا حال قضية العرب "الأولى"، قضية فلسطين، فكيف لنا أن نصدق بأن حراك "الجامعة" الآن هو فعلاً لصالح الشعب السوري وليس جزءاً من مخطط ينفذ من خلالها، تماماً مثلما جرى في ليبيا. الدول العربية "الديمقراطية" التي تهيمن اليوم على "الجامعة" لها احتياطات مالية في البنوك الغربية تقدر بأكثر من تريليون دولار، وربما أكثر من ذلك من الاستثمارات في شركات غربية عملاقة. ترى لو تم استثمار عشرة في المائة فقط من هذه الأموال في الدول العربية، هل كنا سنجد فقيراً واحداً فيها؟! ترى لو دفعت هذه الدول مائتي مليون دولار بشكل شهري للشعب الفلسطيني هل كنا سنجد فلسطينياً واحداً يعمل في بناء المستوطنات على أرض أهله وإخوته، وهل كان الفلسطينيون سيتعرضون لابتزاز الكونغرس الاميركي والدول الغربية لإجبارهم على خوض مفاوضات لا فائدة منها. اليوم تؤكد لنا "الجامعة بأنها لم تكن أبداً عربية منذ أن أسستها بريطانيا العام 1945. نقول اليوم ليس لأن وضع الجامعة ومواقفها كانت في الأمس أفضل.. فهذه الجامعة هي من شرع الحرب على العراق العام 1991 وهي من غض الطرف عن تدميره العام 2003، وهي من بقي صامتاً وبيروت تدمرها القنابل العقودية الإسرائيلية العام 1982، وهي من صمت على حرب إسرئيل الدموية على لبنان العام 2006، وهي من ترك غزة المحاصرة تدمر نهاية العام 2008. بمعنى أن الجامعة لم تغير من مهنتها وهي مؤازرة كل ما شأنه أن يكون نقيضاً للعرب ومصالحهم، أو الصمت عليه، عندما تكون المؤازرة "مخجلة" و"مخزية" في نفس الوقت. على الرغم من ذلك يوجد فرق بين اليوم والامس. في الأمس كان هنالك من يدعي التصويت على القرارات، وبأنها إما خرجت بالإجماع أو بالأغلبية. اليوم تمر الدول العربية في لحظة انتقال. ممثلو تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين وسورية، على أقل تقدير، لا يمثلون بلادهم. فكيف إذاً تجري عملية إتخاذ القرار؟ من هي الجهة المفوضة في "الجامعة" لتقول دعونا نطالب العالم بالتدخل في سورية كما طالبناه بالتدخل في ليبيا؟ أهي ما تبقى من دول "ديمقراطية" في الجامعة؟ أم هي الدول التي لم يبدأ فيها بعد حراك شعبي؟ ثم كيف يمكننا أن نعرف بأن هذه الدول ممثلة حقاً لشعوبها وتنطق باسمه في الوقت الذي لم تجر فيه انتخابات ديمقراطية فيها؟ المسألة هنا أخلاقية أيضاً. كيف يمكن لدولة غير ديمقراطية أن تطالب دولة أخرى غير ديمقراطية بالديمقراطية، وأن تفرض عليها عقوبات أيضاً وتطالبها إما أن تمتثل لقرارات "الجامعة" وإما أن تعرض نفسها للعقوبات. الصين مثلاً دولة غير ديمقراطية عندما تعارض التدخل الخارجي فهي منسجمة مع مبادئها. لكن أن يطالب من هو دكتاتور غيره بالديمقراطية والانتخابات فهذه سابقة تاريخية لم تذكرها الكتب السياسية أو "السماوية" بعد، وهي اختراع عربي أصيل يجب ان تسجل براءته لأصحاب الجلاله والأمراء والرؤساء العرب.