"لا تجادل الأحمق، فقد يخطئ الناس في التفريق بينكما، وأنْ تكون فردًا في جماعة الأسود، خيرٌ لك من أنْ تكون قائدًا للنعاج" (مثل إنجليزيّ) في حقيقة الأمر، ترددت كثيرًا في كتابة هذا المقال، ذلك أنّ النقاش مع رئيس بلدية معلوت، شلومو بوحبوط، هو نقاشٌ عقيمٌ، لأنّ الرجل، الذي يتبوأ منصبه منذ 35 عامًا ونيّف، يؤمن بأنّ منْ يُعارضه فهو في مصاف الأعداء، وبما أنّ قاموسي الشخصيّ يفتقر إلى صفات وميّزات مثل الكره والعناد والاستعلائيّة والفوقيّة والعنجهية والانتقام، سأحاول في هذه السطور المحافظة على نقاش القضايا بحضاريّة، لأننّي أرفض الانجرار وراء الترهات والخزعبلات والمزايدات، التي باعتقادي المتواضع جدًا، لا تُسهم في إثراء النقاش، وبدل ذلك، سأجتهد، قدر الإمكان، أنْ أضع الأمور في نصابها الصحيح، ولكن قبل ذلك، عليّ التشديد على أنّ وجهات النظر تعتمد في ما تعتمد على مبادئ ذاتيّة، متجاهلةً، من حيث ندري أوْ لا ندري، توّخي الموضوعيّة، كما أنّه من الأهميّة بمكان التشديد على رفضي المطلق لشخصنة الأمور، لأنّ قضية الأرض في ترشيحا، هي قضية عامّة، تهم جميع أهالي القرية، بغضّ النظر عن انتماءاتهم السياسيّة أوْ عدميتها. أولاً وقبل كل شيء: يجب التأكيد على أنّ قرار البلديّة بنقل الاجتماع الذي عُقد الأسبوع الماضي من ترشيحا إلى معلوت، خشية وقوع أعمالٍ خارجة عن السياق العّام، هو قرارُ خبيثٌ بامتياز، ذلك أنّ الرسالة التي يحملها في طيّاته تقول، بحسب فهمي للأمور، إنّ أهالي القرية، ينتمون إلى عصابات الإجرام المُنظم أوْ غير المُنظم، أوْ أنّهم فئات من الرعاع، يقومون بالتهجم على الضيوف، وهو الأمر الذي يندرج في سلسلة الأكاذيب الممجوجة التي أكل الدهر عليها وشرب. ثانيًا: من حقّ رئيس البلدية أنْ يدافع عن موقفه بالنسبة لقضيّة الأرض ونهبها وسلبها، لا بلْ إنّ ذلك من واجبه، ولكن في الوقت نفسه، وقبل سبر أغوار هذا الموقف، علينا إضاءة الإشارة الحمراء لكل منْ في رأسه عينان ونقول ونفصل أيضًا: إنّ الصراع التاريخيّ بين الحركة الصهيونيّة وصنيعتها الدولة العبريّة هو صراع على الأرض، وبالتالي فإنّ فعاليّات اللجنة الشعبيّة في ترشيحا للمحافظة على ما تبقى من الأراضي هو أولاً واجبُ وطني، وثانيًا يندرج في إطار هذا الصراع. ثالثًا: قلنا ونعود ونقول من حق بوحبوط، الدفاع عن موقفه، ولكنّه لا يملك أيّ حقٍ أخلاقيّ أوْ سياسيّ لتوزيع الشهادات على المواطنين، كما أنّه لا يتمتع بالحق في توزيع صكوك البراءة واتهام من يُناضل من أجل صيانة أرضه بالتطرف وكره الدولة العبريّة، وما إلى ذلك من اتهامات غير مرتبطة بالواقع، مع أننّا نميل إلى الترجيح بأنّ السيّد بوحبوط وزبانيته لم يتبنوا المقولة الشهيرة للقائد العسكريّ الألماني، كلاوزوفيتش بأنّ الهجوم هو أحسن طريقة للدفاع، وأنّ الحرب هي استمرار للسياسة، ولكن بأساليب مختلفة. رابعًا: كاتب هذه السطور لم يُخف أبدًا، ولن يخفي، انتماءه إلى حزب التجمع الوطنيّ الديمقراطيّ، كما أنّه يقول بحزمٍ: الترهات التي يُطلقها بوحبوط، حول التجمع والقوى الوطنيّة الشريفة والنبيلة في هذه القرية، وتطاوله على المفكّر العربيّ عزمي بشارة، مؤسس حزب التجمع، هي محاولة بائسة ويائسة تهدف في ما تهدف إلى صرف الأنظار عن القضيّة الملتهبة والمصيريّة وهي قضية الأرض المرتبطة عضويًا بالعرض، ذلك أنّ المحافظة على الأرض تقطع الشكّ باليقين بأننّا نريد المحافظة على البيت، على الجيل الصاعد، أين سيسكن؟ أين سيبني بيته؟ لأنّ المعادلة واضحة: في ظل عدم وجود الأرض للبناء، فإنّ الأجيال الشّابة ستضطر إلى الهجرة من القرية صوب المدينة، وبمّا أنّ العنصريّة باتت رياضة وطنيّة يُمارسها السواد الأعظم من الإسرائيليين، فإنّ الشّاب سيصطدم بالحقيقة المرّة بعدم وجود فرص للعمل، فحتى محلات بيع الألبسة الجاهزة وغير الجاهزة باتت تطلب عاملات خدّمن في جيش الاحتلال، وبسبب تنامي العنصريّة، يُفتح الباب على مصراعيه أمام التفكير بالهجرة من أرض الآباء والأجداد. بكلمات أخرى، تداعيات النقص الحاد في أراضي البناء هي إستراتيجيّة تُخطط لها الحكومة وموبقاتها من أجل تنفيذ الترانسفير البطيء، لأنّ الترانسفير العمليّ، على شاكلة التهجير والتشريد والمجازر، كما حدث في نكبتنا المشؤومة عام 1948، بات غير عمليّ في ظلّ التطورات والمستجّدات ورفض المجتمع الدوليّ السماح لهذه الدولة المارقة والمعربدة بامتياز بإخراجه إلى حيّز التنفيذ. خامسًا: النضال الذي تقوده، مشكورةً، اللجنة الشعبيّة في ترشيحا، هو نضالٌ حتميّ للدفاع عن أراضينا، التي ورثناها أبًا عن جدٍ، علاوة على ذلك، فإنّ هذا النضال يدور في الحيّز المُتاح ممّا تبقى من شراذم الديمقراطيّة المزعومة في دولة الأكثريّة اليهوديّة، وهو الحيّز الضيّق أصلاً، والذي يعمل الكنيست الإسرائيليّ على تضييقه أكثر بدعمٍ من حكومة الثنائي غير المرح نتنياهو ليبرمان، غير محدودة الضمان، هذه الحكومة التي تدعم جميع القوانين العنصريّة ضدّ فلسطينيي الـ48. ومع ذلك، يجب التأكيد للمرة بعد الألف على أنّ نضالنا هو ضمن القانون الإسرائيليّ، لا أقّل ولا أكثر. سادسًا: نُقّر ونعترف أنّه في أيّ معركة، كل معركة، وليس بالضرورة العسكريّة منها، عدم تكافؤ القوّة والخلل في الفرص المتاحة، والتناقض في موازين القوى التي تحكم العلاقات، تجعل طرفًا من الأطراف قويًا أوْ مستأسدًا على الطرف الثاني، ولكنّ هذه المعادلة ليست مُنزلة من الله عزّ وجلّ، مضافًا إلى ذلك، لن يردعنا رادع من مواصلة المشوار لإحقاق الحق، ذلك أنّ سياسة الترهيب والترغيب لن تثنينا عن نضالنا العادل، لأنّ السياسة الإسرائيليّة من طرفي ما يُسمى بالخط الأخضر تنظر إلى أصحاب الأرض الأصلانيين من منظار الأعداء، مستخدمةً أذرعها الأمنيّة على مختلف مسمياتّها، فالتوغل والتغّول الاستيطانيّ الإسرائيليّ في القدس العربيّة المحتلّة وفي الضفة الغربيّة المستباحة، لا يختلفان لا قلبًا ولا قالبًا عن السياسة الممأسسة والمنهجيّة في الداخل الفلسطينيّ، ومشروع تهويد الجليل والنقب، هو أكبر مثال للتدليل على ذلك. خلاصة: إرفعي رأسك يا أختي، فأنت من ترشيحا، انتصب القامة يا أخي فأنتَ من عروس الجليل، وليعلم القاصي والداني أنّه لا يضيع حقٌ إذا كان وراءه مطالب... بإمكانهم نهب الأرض، بقدرتهم مصادرة الأرض، ولكنّهم أجبن وأعجز وأوهن عن سلب ترشيحا من عقولنا وقلوبنا، لأننّا من رحمها انطلقنا... وسنبقى على عهدنا وتعهدنا لهذه القرية الحبيبة: لسنا ضيوفًا، ولسنا عابري سبيل، كنّا هنا وسنبقى هنا، شاء من ْ شاء وأبى من أبى، والله من وراء القصد.