صعدت إسرائيل تهديداتها الحربية على جبهتين في وقت واحد، جبهة غزة، وجبهة إيران، فبينما تحشد قواتها على حدود قطاع غزة بالترافق مع تهديدات بحرب واسعة النطاق عليه، وإشارات مصرية بأن إسرائيل منزعجة إلى أقصى الحدود من جراء إطلاق الصواريخ وان ذلك قد يدفعها إلى شن حرب واسعة النطاق على قطاع غزة تؤدي إلى إعادة احتلاله، في الوقت نفسه، يزداد التهديد الإسرائيلي، عَبر مختلف الأوساط الأمنية والسياسية بتوجيه ضربة "وقائية" إلى البرنامج النووي الإيراني، بعض الأوساط الإسرائيلية تشير إلى أن حكومة نتنياهو "أرجأت" ضربتها إلى إيران بعد تسرب معلومات حول العملية، إلاّ أن أوساطاً إسرائيلية أخرى، رأت في ذلك مبرراً واهياً يعود إلى أن واشنطن غير موافقة على مثل هذه الحرب، وبالذات لأن إدارة أوباما، افتتحت حملتها الانتخابية الرئاسية، وهي غير معنية بالدخول في حرب، مباشرة، أو غير مباشرة، بعد أن تورطت الإدارات الأميركية السابقة في حروب أفغانستان والعراق ووراثة هذه الإدارة لهذه "التوريطات" التي فشلت كل الجهود، للخروج منها بما يحفظ ماء الوجه، في حين ترى أوساط استخبارية أن الأمر لا يعود كونه تصفية حسابات داخلية بعدما غادر رئيس "الموساد" الإسرائيلي مائير دغان منصبه ومهاجمته نتنياهو وباراك بسبب عزمهما ـ كما قال ـ على توجيه ضربة إلى إيران بمعزل عن موافقة الولايات المتحدة، حيث يعتقدان أن أميركا، ستتدخل وفقاً للأمر الواقع، كونها لن تتمكن من التخلي عن إسرائيل في ضوء التوجه الأميركي للانتخابات الرئاسية.ومع تصاعد التهديدات الإسرائيلية بضربة موجهة إلى البرنامج النووي الإيراني، لتدميره أو لإحباطه، ولو جزئياً تسرب حكومة نتنياهو بعضاً من استعداداتها العسكرية المرتبطة بهذا التصعيد فهناك الإعلان عن تجربة ناجحة لإطلاق صاروخ بالستي وصفه باراك بأنه إنجاز تكنولوجي وخطوة مهمة لتطوير قدرات إسرائيل في المجالات الصاروخية والفضائية، بالتوازي مع الإعلان عن إجراء سلاح الجو الإسرائيلي مناورات شملت ستة أسراب جوية مختلفة في قاعدة لحلف شمال الأطلسي في سردينيا بإيطاليا، تضمنت تزويد الطائرات في الجو، واللافت أن مناورات من هذا النوع سبق وأن أجرتها إسرائيل مع دول مختلفة، استمرت في العادة أسبوعين في كل مرة، إلا أن الطائرات الإسرائيلية عادت مع طياريها بعد خمسة أيام فقط من بدء هذه المناورات(!)وتجمع مختلف الأوساط في إسرائيل على أن الجاهزية لضرب البرنامج النووي الإيراني، عسكرياً باتت متحققة، وفقط الأمر يتطلب جاهزية العلاقات الإقليمية والدولية لمثل هذه الضربة إذا ما اتضح غياب أي خيار آخر باستثناء الخيار العسكري، رؤساء الأركان و"الشاباك" و"الموساد" السابقون، مثلهم مثل رؤساء هذه الأجهزة الحاليين، وبعض وزراء المجلس الوزاري المصغر، يستبعدون مثل هذه الضربة إلاّ في حالة التأكد تماماً، وبما لا يقبل أي شك أن قراراً إيرانياً قد اتخذ فعلاً لإنتاج سلاح نووي وان كافة الوسائل الأخرى لمنع ذلك قد فشلت، حينها فقط يمكن لإسرائيل العمل على إحباط البرنامج النووي الإيراني من خلال العمل العسكري، هؤلاء يشيرون بوضوح إلى أن إيران، حتى لو اتخذت مثل هذا القرار، فإنها لن تتمكن من إنتاج سلاح نووي حتى العام 2015، وحتى ذلك الوقت يمكن لإجراءات وعقوبات أن تجبر إيران على التخلي عن هذا البرنامج، وبنتيجة هذه العقوبات، يمكن تشجيع الوضع الداخلي الإيراني للانضمام إلى "الربيع العربي"، وفي هذا السياق، فإن التهديدات الإسرائيلية الموازية للعقوبات من الممكن أن تؤدي إلى حركة احتجاج داخلية واسعة، وربما انقلاب ما، بما يفرض إعادة النظر بالبرنامج النووي الإيراني من دون حاجة إلى توجيه ضربة عسكرية له، ومن دون وقوع خسائر وردود فعل تؤذي إسرائيل وحلفاءها. وهذا يعني أن التصعيد العسكري والتهديد الإعلامي الإسرائيلي ضد إيران موجه إلى الداخل الإيراني، كي يقوم بالمهمة من دون أي تدخل عسكري.في دراسة مطوّلة نشرتها فصلية "فورين بوليسي" الأميركية، فنّدت التحليلات التي تذهب إلى أن إدارة أوباما غير معنية بضربة عسكرية موجهة إلى البرنامج النووي الإيراني، وتفنّد التبريرات المرتبطة بالحملة الانتخابية للرئاسة الأميركية، وتقول بهذا الصدد، "إن عملاً حازماً قبل الانتخابات رداً على تهديدات حقيقية، سيخدم الرئيس أوباما ويرفع أسهمه التي تراجعت كونه أكثر قدرة على الحفاظ على الأمن القومي الأميركي والمصالح المرتبطة باستقرار المنطقة التي تزود أميركا بالنفط الرخيص، ويشكل ذلك رداً على ادعاءات الحزب الجمهوري المنافس الذي يتهمه بالضعف والتردد وانه غير واعٍ بالقضايا الدفاعية" والمفارقة التي تطرحها الدراسة المذكورة أن إيران قوية ونووية تقدم أفضل فرصة لإبقاء إسرائيل مهمة وضرورية للولايات المتحدة!!إسرائيل لم تفكر طويلاً عندما أقدمت في عهد بيغن العام 1981 على ضرب المفاعل النووي العراقي. وكذلك ضرب ما قيل بالمفاعل النووي السوري المفترض في عهد أولمرت العام 2007، لكن هذه المرة هناك العديد من الأسباب التي تجعل إسرائيل تفكر ملياً قبل الإقدام على مغامرة من هذا النوع، لدى ضربها للمفاعلات النووية الإيرانية، فإيران دولة مسلحة ومزودة بالتقنيات الحديثة وهي لن تتردد في الرد، ولن تكتفي بالتهديد أو بالتبرير كما فعلت سورية، وستصبح إسرائيل هدفاً لكل أسلحة الدمار الشامل الإيرانية، ثم إن اتساع رقعة وتباعد الأهداف النووية المفترضة، قد لا يمكن إسرائيل من تدمير هذه المفاعلات بشكل يؤدي إلى فشل الهدف من الضربة، ناهيك عن عدم توفر المعلومات الاستخبارية الكافية، إذ لو توفرت معلومات مؤكدة، لأعلنت عنها إسرائيل تحقيقاً لهدف تأليب المجتمع الدولي على إيران.يضاف إلى ذلك، أن أي ضربة موجهة إلى إيران، تعني أن حرباً إقليمية قد تنشب فحلفاء إيران في لبنان وقطاع غزة ـ كما تقول المستويات الأمنية والسياسية في إسرائيل ـ لن يترددوا في إسناد إيران من خلال فتح جبهات جديدة، ولعلّ التهديدات والحشودات الإسرائيلية على تخوم قطاع غزة في هذا الوقت بالذات تخدم هذه الفكرة.وبينما ربط العديد من المحللين، بين اجتماع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بزعيمة المعارضة تسيفي ليفني، وتوقيت ساعة الصفر لتوجيه ضربة إسرائيلية إلى إيران، باعتبار أن ذلك لا يحدث إلاّ في حال أن تكون الحكومة قد اتخذت قرارات مصيرية ترتبط بالدولة وليس بالحكومة فقط، كمؤشر على أن إسرائيل مقدمة على حدث هائل، مثل الحرب على غزة، أو حرب على إيران، أو بالتناوب بين الجبهتين لارتباطهما بأي قرار على هذا النحو.غير أن عملية التوقيت يمكن لها أن تصبح أكثر فعالية، مع الإعلان المتوقع صدوره عن وكالة الطاقة النووية منتصف الشهر الجاري، حول الجديد من الوثائق المؤكدة المتعلقة بالبرنامج "العسكري" النووي الإيراني، حيث سيكون للمعطيات المعلنة مفاعيلها تجاه أي قرار يتخذ ضد إيران، ستستفيد إسرائيل منه في حال خلص إلى أن المؤشرات المؤكدة والموثوقة تؤيد كل ما قيل عن البرنامج النووي العسكري الإيراني، في حشد قوى دولية لتأييد خطواتها العسكرية، وتنزع المبررات عن المترددين في هذا التأييد، ومع ذلك، فإن الأمر لا يتعلق بالجاهزية العسكرية بل بتحليل أبعاد اليوم التالي لضربة كبيرة من شأنها أن تعيد رسم خارطة الشرق الأوسط من جديد!!