خبر : ألعنُ من حشرة! .. توفيق وصفي

الأربعاء 02 نوفمبر 2011 08:42 ص / بتوقيت القدس +2GMT
ألعنُ من حشرة! .. توفيق وصفي



يسقط نحو عشرة شهداء في أقل من يوم وليلة، ولا يكاد الأمر يُغيّر في حياة الناس الذين لم يشاهدوا وقائع القصف الإسرائيلي في أماكن متباعدة من قطاع غزة، لولا أن دويّه يبلغ مسامع كثيرين منهم، وإنْ تبدد بعد حين فإنَّ تَرَدُّدَ القلق والارتياب لا يتبدد، يُذكي جذوتَه صوتٌ يحار معدو التقارير الصحافية عنه في وصفه، هو الضجيج الصادر عن طائرات الاستطلاع الإسرائيلية، وأكثرها إزعاجا ايتان، التي تتعدد مهامها المعلومة لأصغر صبي من أهل المناطق الحدودية، الذين يسمونها بناء على ضجيجها "الزنانة"، ربما نسبة إلى زنِّ الدبور أو النحلة، الذي يُخرج المنزعجَ منه عن طوره، فإما يبارح المكان، وإما يهب لملاحقة الحشرة التي تزنُّ غير آبه بلسعاتها. الزنانة الحائمة فوق رؤوس أهل غزة جهارا نهارا وليلا لا تُزعجهم فقط، بل تستفز أسئلتهم عن كل شيء، في حضرتها كعينٍ وأذنٍ وعصا لعدوهم الذي يبدو بعيدا، وفي غياب أي مؤثر موازٍ يمنحهم الفرصة لرؤية الصورة من أكثر من زاوية، كالقنوات الفضائية التي لا تظهر في الغالب والزنانة في السماء، وإن ظهر شعارها على الشاشة صاحب الصورة المتشظية تشويش لا تقوى الأذن على احتماله، أو حتى المواقع الالكترونية، بعد غزوها من قراصنة يستكثرون عليهم التواصل.مهمةُ الزنانة هنا المحافظةُ على حالة توتر مقيتة في أرواحنا، تُصعّدها برفع أزيزها وكأنها تكرّ لاصطياد هدف في مرماها، لتضطرب الأسئلة ومسارات الحياة في ظل الانجذاب القسري للحواس باتجاه الصوت التالي، قد يكون دويا آخر لانفجار قاتل! ما يبدو مُضحكا هنا وإن أبكى البعض أن أهل غزة يحلّون ما قد يبدو مشكلة بفتوى، ليست بالضرورة فتوى شرعية، هي أقرب إلى الفتوى الشخصية، للحفاظ على التماسك الفردي في مواجهة ما هو أقوى منهم. يُفتي المتدين بأن ذلك ابتلاء رباني سيليه الفرج مهما طال، ويركن من هم غير ذلك إلى مقولة "دوام الحال من المُحال"، بعد أن يَصِلوا في تحليلهم إلى أن حالنا لم يكن بهذا السوء أبدا.. غير أن ثمة من يعتقدون أنهم الورثة الواعدون لهذه البلاد، وعليهم الحفاظ على ذواتهم ريثما تتغيّر الأحوال، بعيدا عن الزن من فوق ومن تحت. يسافرون وهم يذرفون الدمع على الفراق، ظانّين أنهم بابتعادهم عن أرضٍ تحوم فوقها الزنانات سينجون من أفعالها، التي تتمدد لو أُريد لها إلى قارات أخرى. يقول صديق يقيم في الولايات المتحدة منذ القرن الماضي إنه يحب الحياة في أميركا، لكنه لا يعتزم البقاء فيها، لإحساسه بأن إسرائيل موجودة في جوهر الحياة الأميركية، بهيمنة الأقلية اليهودية على سياسة ومقدرات هذه القارة، مفضلا العيش في بلاد ترفض في جوهرها تلك الهيمنة، وتُبطن على الدوام نزعة المواجهة والرفض، وإن بدت بلادا تعيسة، لا تملك القدرة على منع الزنانات وأمهاتها من القاذفات والمقاتلات من التحليق في سمائها.tawfiqwasfi@yahoo.com