خبر : الانتخابات التونسية: حركة النهضة ولعبة الديمقراطية ...بقلم: أشرف العجرمي

الأربعاء 26 أكتوبر 2011 08:51 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الانتخابات التونسية: حركة النهضة ولعبة الديمقراطية ...بقلم: أشرف العجرمي



كما قدم الشعب التونسي أنموذجاً احتذت به شعوب عربية أخرى في سعيه للتخلص من الاستبداد والنظام البوليسي، فهو يقدم، أيضاً، تجربة رائدة في إخلاصه لمبدأ الديمقراطية والاصرار على الحق في ممارستها في سبيل ترسيخ نظام ديمقراطي تعددي يقوم على حكم الشعب وتداول السلطة عبر صناديق الاقتراع والعملية الديمقراطية بكل تفاصيلها. ولا شك أن نسبة الاقتراع التي زادت على 90% من الناخبين أو أصحاب حق الاقتراع تعبر عن رغبة أكيدة وإرادة صلبة في ممارسة التأثير السياسي وتقرير طبيعة النظام أو النخب السياسية التي ستحكمه. المؤشرات الأولية ـ حتى كتابة هذا المقال ـ تؤكد فوز حزب "حركة النهضة"، وهو حزب إسلامي يتزعمه القيادي المشهور راشد الغنوشي، ولكن حجم هذا الفوز ليس محدداً بعد بانتظار الإعلان عن النتيجة النهائية للانتخابات، وإن كان قادة حركة "النهضة" يتوقعون الفوز بعدد كبير من المقاعد لا يقل عن 60 مقعداً من أصل 217 مقعداً يشكلون المجلس التأسيسي الذي من المفروض أن يستمر لمدة عام ويعمل على صياغة الدستور التونسي الذي تجرى الانتخابات البرلمانية والرئاسية على أساسه. وكان النصر الأكبر لحركة النهضة في خارج تونس حيث حظيت بتسعة مقاعد من أصل ثمانية عشر مقعداً هي عدد المقاعد المخصصة للجاليات التونسية في الخارج. من الواضح أن حزب "حركة النهضة" الإسلامي سيقود تشكيل الحكومة القادمة وستكون له بصماته الواضحة على صياغة الدستور بالنظر إلى أن الحزب الثاني من حيث المقاعد "المؤتمر من أجل الجمهورية" ـ حسب استطلاعات الرأي ـ أعلن من خلال قائده المنصف المرزوقي أنه مستعد للتعاون مع "النهضة" وأحزاب أخرى لتشكيل الحكومة القادمة. ويبدي المسؤولون في "النهضة" استعدادهم للتحالف مع حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" وحزب "التكتل" اليساري في تركيب حكومة وحدة وطنية تونسية. ربما تكون تصريحات حزب "حركة النهضة" تستهدف طمأنة الشعب التونسي، خاصة ذوي الاتجاهات العلمانية والليبرالية الذين يشكلون عملياً غالبية الشعب التونسي إلى أنه ليس معنياً بإنشاء سلطة إسلامية متشددة، استكمالاً لتصريحات راشد الغنوشي الجريئة مثل السماح بالبكيني والخمر والاختلاط وعدم فرض الحجاب، والحفاظ على حقوق المرأة، بدليل ترشيح نساء من دون حجاب عن "حركة النهضة"، وتبني الحداثة. وأيضاً، الحديث عن أن حركته "ليست ناطقاً باسم الإسلام" وأنها تؤمن بالتعددية السياسية والثقافية والعقائدية، كما أنها ستعمد إلى محاورة جماعات إسلامية تونسية متطرفة "لإقناعها بقبول التعددية والتسامح ورفض العنف وبالتعايش على أساس المواطنة والمساواة بعيداً عن العنف والتكفيرٍ. ولكن هناك أحزاباً وشخصياًت ومواطنين يشعرون بالقلق من فوز الحركة الإسلامية، ولا ينفعلون بتصريحات الغنوشي، على اعتبار أن من سيقود الحركة بشكل فعلي هم المتطرفون والمتشددون، وبالتالي حتى لو كان الغنوشي نفسه معتدلاً فلا توجد ضمانة لبقاء "حركة النهضة" على هذا الخط المعتدل. وهناك خوف حقيقي على قيم الحداثة والليبرالية والديمقراطية في ظل وجود حكم إسلامي أصولي. والمشكلة في هذه الشعارات والواجهة المعتدلة التي تحرص "حركة النهضة" على إبرازها أنها لن تصمد أمام الواقع كثيراً، ومن يعود قليلاً أو كثيراً إلى الوراء سيجد حركات إسلامية كانت تتغنى بالديمقراطية ولكنها كانت سبيلاً باتجاه واحد نحو الحكم ليس أكثر. هذا ما حصل في الجزائر في انتخابات العام 1991 عندما بدأت نتائج الانتخابات البرلمانية في الظهور وكان واضحاً فوز الحركة الإسلامية بغالبية المقاعد، عندها بدأ قادة الحركة الإسلامية بالتصريح بتطبيق نظام إسلامي وإلغاء الأحزاب وغيرها من الإجراءات المنافية للديمقراطية. وهذا هو حال حركة "حماس" التي كان برنامجها الانتخابي ينافس برامج حركة "فتح" والفصائل اليسارية في مدى انحيازه للديمقراطية والاصلاح والتغيير نحو الأفضل والشفافية والحكم الرشيد، وغيرها من الشعارات. ولكن بمجرد أن تم تشكيل حكومة "حمساوية" بدأ التغيير نحو الأسوأ وصولاً إلى الانقلاب العسكري ضد السلطة وفرض نظام قمعي على قطاع غزة. وفوز "حركة النهضة" لا يقلق فقط تونس العلمانية، بل يفتح مجالاً لإسرائيل للدخول من نافذة الحكم الإسلامي على ملف اليهود التونسيين. ومنذ الآن بدأ الإسرائيليون في إثارة هذا الملف والسعي لحث اليهود التونسيين على الهجرة لإسرائيل، أو على الأقل إبقاء هذا الملف سيفاً مسلطاً على "حركة النهضة" ربما لدفعها لاتخاذ مواقف معتدلة تجاه إسرائيل حتى تدفع عن نفسها تهمة التطرف أو اللاسامية. بالرغم من كل هذه المخاوف المشروعة المشفوعة بالتجربة مع حركات الإسلام الأصولية، لا بد من القول أن شكل الممارسة الديمقراطية في تونس كان عالي السقف بشكل كبير جداً، وهذا في حد ذاته ربما يشكل ضمانة لعدم وجود سقف هابط للمضمون الديمقراطي لهذه الممارسة. وفي نهاية المطاف، لا يستطيع أحد أن يتجاهل حقيقة قطع خطوة أولى كبرى على طريق تأسيس نظام ديمقراطي في تونس، لا بد وأن تتبع بخطوات أخرى. فلو فازت أحزاب بناء على شعارات كاذبة سيكتشفها الشعب، وستدفع الثمن في انتخابات قادمة. المهم أن العجلة انطلقت ولا سبيل للعودة إلى الخلف، وسيعرف الشعب التونسي كيف يقدم درساً إضافياً في احترام العقل.