خبر : قتل العقيد وعهده! ....قتل العقيد وعهده!

الأربعاء 26 أكتوبر 2011 08:49 ص / بتوقيت القدس +2GMT
قتل العقيد وعهده! ....قتل العقيد وعهده!



صدحت أبواق النصر وهتفت الحناجر بشماتة لمصرع رأس النظام الليبي الغارب، في كرنفال دامٍ موشح بالسواد، على الرغم من الزغاريد والرايات الخفاقة، اختُصر في مشهدِ اعتقالِ وإذلالِ وإيذاءِ وإهانةِ وقتلِ القذافي، الذي أراد منفذوه بلبلة المشاهدين إزاء عفوية المشهد أو تدبيره، في ابتكار فظ لآلية إنهاء النزاعات الفوضوية، كإعلان حاسم عن انتهاء عهد وبداية عهد جديد. ولا يلغي المشهد بكل تفاصيله الآخذة في الانكشاف بفضل مزيد من التسريبات الفيسبوكية واليوتيوبية أن محاولة محو القذافي من عقول الليبيين أمر عسير، وأنَّ موزاييكَ سيرةِ الرجل وعهده الغاربين سيظل مقيماً في وعي من عاشوا عهده، ولو بشظايا من هذه السيرة، ستكون بادئةً لمقارنات حتمية قادمة، بين عهده وما تلاه، كيف كانت ليبيا في عهده مربعاً في رقعة الشرق الأوسط القديم، وكيف سيكون هذا المربع على امتداد القرن الحالي في رقعة الشرق الأوسط الجديد، مع فارق أن مكانة وهيبة الزعماء اللاحقين في بلاد أخرى عموماً أقل من أن ترسخ في ذاكرة ووعي الأجيال الجديدة. أثارني خلال نظرة سريعة إلى تعليقات الفيسبوك الفلسطينية وردود عليها حول مشهد مصرع القذافي شدة الانفعال على متن الاهتمام بالجانب الإنساني، مقابل ردود فعل من آخرين فلسطينيين وغير فلسطينيين مفادها "ما أدلعكو"، والخطاب موجه للمنفعلين، و"لا تعايرني ولا أعايرك"، و"ليش إحنا أحسن"، ودردشة على روح القذافي بين تبرير للصورة واستنكار لبشاعتها، ذهب بعضها إلى عدم شمل القذافي بقيم الرفق بالحيوان، في معرض استنكار مدونيها عدم توفر الحد الأدنى من هذه القيم في مشهد القتل. أعادني السجال الذي كاد بعض المشاركين فيه أن يذرفوا الدمع على القذافي أو اتهامه بأنه لم يكن إنساناً إلى لقطات قديمة للقذافي وعهده الذي صار الآن عهداً بائداً، حين كانت صورته الموقعة بيده "نسخ عنها" معلقة على جدران آلاف الفلسطينيين في المنافي والمخيمات، وإلى جانبها في كثير من الأحيان صورة تجمعه بالزعيم الراحل جمال عبد الناصر، بينما يعيش الليبيون في عالم آخر، يصنعه لهم معمر ويعبث فيه كيفما أراد.يحلم حلماً، يأتي في الصباح ليتهم أقرب المقربين بتدبير انقلاب عليه، لافتاً إلى أن أحلامه كرسول للصحراء تتحقق، وبالطبع إما يُعزل المسكين أو يوضع قيد الإقامة الجبرية، وربما ينفيه إن لم يقتله. ويذكر من درس في جامعة الفاتح في العاصمة طرابلس في السبعينيات ما شهدته مساكن الطلبة وممرات الجامعة من مذابح، أطلق شرارتها الرائد عبد السلام جلود في السادس من نيسان 1976 من ساحة كلية الهندسة، وسط رهط من المرافقين وحشد من الطلبة المذهولين، أنبأهم يومها برسالة عتاب من العقيد، بأن بينهم خونة وأعداء لثورة الفاتح، وأن عليهم تنظيف صفوفهم بأنفسهم.. في صباح اليوم التالي وعلى امتداد نهار كامل، شهدت الجامعة حملة من المطاردات المرعبة والاقتحامات بمشاركة كثيفة من القوات الخاصة، بحصاد قوامه عشرات من القتلى والجرحى ومئات المعتقلين، معظمهم من مدن شرق ليبيا. قبل ذلك بسنوات قليلة كان مشهداً عادياً أن ترى القذافي يتسوق منفرداً في شارع الفاتح من سبتمبر وسط العاصمة طرابلس، ويفاجئك وأنت تحدق فيه بالسؤال عن رأيك في قميص معروض خلف الواجهة الزجاجية، لكن ذلك لم يدم طويلاً، إذ بدأ يتجول في موكب عسكري تسير مركباته بسرعة، وظن كثيرون أنه ينحى إلى تقليص احتكاكه بالجمهور لدواع أمنية أو بروتوكولية، فإذا به يظهر فجأة يُسيّر حركة المرور عند تقاطع حيوي في عاصمة الشرق الليبي بنغازي.وحين يكون منفوشاً كطاووس خلال استقباله رئيساً (في الغالب أفريقي) أو أثناء افتتاح صرح لافت كالنهر الصناعي العظيم لا يفاجئ أحداً عندما يلكز بكوعه خاصرة مرافقه، لأن الأخير يحول بينه وبين الكاميرا، كونها مرآته التي يريد أن يراه الآخرون من خلالها.. ويُفسّر في سردة تلفزيونية في أمسية رمضانية أسباب نزول القرآن على العرب تحديداً وليس في السويد مثلاً، فيتطرق إلى تحريم الخمر، معتبراً أن الأجواء الحارة في شبه جزيرة العرب التي كان أهلها يشربون الخمر تحكم مصيرهم، فلو شرب الجندي المرابط وراء مدفع مضاد للطائرات الخمر سيعجز عن الدفاع عن أرضه، بسبب تفاعل الخمر والحر، متسائلاً "لماذا لم ينزل القرآن في السويد؟"، ويجيب على نفسه قائلاً "لأن السويد باردة، والخمر التي تدفئ الجندي السويدي لا تمنعه من إصابة الهدف"! من منّا ينسى نصيحته لنا بالانتحار في بيروت 1982، وقبلها دوره التخريبي في شق المنظومة الوطنية الفلسطينية ودعمه العديد من الحالات الانشقاقية كجماعة أبو نضال وفتح الانتفاضة، وحين عاتبه الزعيم الراحل أبو عمار عن إساءات إليه وردت في الصحافة الليبية عقب توقيع اتفاق شتورة مع النظام السوري 1976 رد عليه باستخفاف باللهجة الليبية "أنا شن دخَّلْني"، مضيفاً أن كاتب المقال فلسطيني، وأنه كقائد ديمقراطي لا يمنع الناس من الكلام، ما أثار حفيظة أبي عمار رحمه الله.ولقطات جديدة، بدءاً من "زنقة زنقة" مروراً بسخريته من الصحافي الأجنبي الذي سأله عما سيفعله وهل سيرحل وإلى أين، تؤكد أن القذافي يستحق هذا المصير، على الرغم من روح الدعابة التي كست معظم مواقفه، ويبقى أن الصورة أقوى من التحليل، وقد يثير الغوص في تفاصيل المشهد حفيظة المنتصرين في ليبيا، على الأقل من جهتنا، فلندع المشهد لأصحابه، ولهم منّا "مبروك"، وتمنيات بعهد يُنسيهم أحزانهم والعقيد! tawfiqwasfi@yahoo.com